أحدهم قال إنها أزمنة الحرائق

10 سبتمبر 2016
سانتياغو اسبينوسا
+ الخط -
البيت الوهمي

كشجرة تفتح طريقاً
في منتصف البحر،
هو البيت
لغة درجات سلّمه المنسيّة،
لغة شبكاته وأنواره الفارغة،
وُلدت في حلم المهندس.

"بيتٌ"، يقال
"بصمة الحياة
على وجهها حكمة المجهول.."
التي تفسِّر الجبال
دون تقطيع أو محاكاة".
"نقية معزولة
كمحرقة"

ومن البيت
نشأ
سكان.
جدرانهم العالية
فقدت غرابتها
حينما أصبح الزوار
يجولون في الممرات
ويتخذون من الزوايا
مخابئ،
ملاجئ،
حيث تمكّنت الرجولة من البكاء
على ما خلّفته القضبان في الداخل
وحيث كاد الجنس
أن يصل لألسنة الأطفال

نشرات الأخبار أحدثت جلبة.
الخسارة
في سقوط كرة القدم.
كان هناك أفلام مدبلجة عن أفريقيا،
عن جفاف غريب
يبدأ بالفخذ
وينتهي في خطوط الوجه.

كانت كثيرة
الذكريات التي سرقها
السقف.
قبعة الجد العنيدة
حلزونات ذوو أصداء هاربة.
الأطفال يلعبون الحرب
بالقبعات
أو يحاولون الصيد كـ"مولان"
في الغابة المتخيَّلة.
في تلك الأثناء، في الليل،
كان الآخرون يستمعون للوعي وهو يهزّ الخشب،
بادئاً خطواته الأولى.

في خضم روائح الشمّام المختلفة
أرى النور يتسلّل من الزجاج،
دخل الصوت من النافذة
من مزمار قديم،
ملأ البيت بالأشباح
وبسفن غريقة.

مع وداع زهر النردين النامي على الواجهة،
ربما كان هناك وقت لرؤية العيون
وتحطيم قمم الجبال
كان هناك وقتٌ لرفع الكؤوس
وقرعها من جديد
في نخب الغائبين.

انتهى العمل.


البيت السعيد

في الصباح هدموا المنزل في تلك الزاوية.
الجرافات جرفت الطوب
وسقطت أشعة الظهيرة على الحجارة الوحيدة،
التي بقيت دون ظلال
في المكان الذي كانت فيه خزانة ومنضدة.

بعد ذلك جاء المهندسون،
كانوا يشدّون الظلال لجفونهم
في لفتة عسكرية،
صعدت من الجبال الزرقاء والصخور
أدخنة بيضاء مكفهرَّة.
أحدهم قال: "إنها أزمنة الحرائق".

الحرارة دفنت الهواء.
بين الأنقاض كان الخشب يطقطق،
خانعاً متحولاً لغبار بين الأرضة.
لا أحد لاحظ ذلك لكن النسر حجب المبنى
وما كان سقفاً في السابق اختبأ فيه حي بأكمله:
محلات تجارية،
زوايا لبيع الماريجوانا.
إطلالة المدينة –التي كنا نتأمّلها كثيراً-
كان لديها بريق مجهول.
وزال البيت الذي كان يُبكي عيوننا.

رفع المهندسون رؤوسهم
ثبتوا نظراتهم نحو السماء
تخيلوا مباني بابليّة.
كان أحدهم يعدّ طوابق غير مرئية،
الآخر كان يشاهد الحرائق كأنها آية، أو علامة لم تكتمل أبداً.

لا أحد منّا بحث في الأحجار عن كنوز.
لا أحد كلّف نفسه عناء البحث عن الخزانة والأنوار التي ظلّت دون ظلال،
الضوضاء الثابتة الخالية من الجثث.
لا أحد فكَّر بذلك لأنَّه كان علينا البحث عن مخبئٍ آخر،
ملجأٌ آخر، إطلالة أخرى
يمكنوننا من قتل الوقت
أمام بعبع الحرائق الخجول.


* SANTIAGO ESPINOSA شاعر كولومبي من مواليد بوغوتا 1985. 

** ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة وتنشر بالاشتراك مع "إلكترون حر". 


المساهمون