أجواء حرب أهلية باردة فوق أميركا عشية الانتخابات

31 أكتوبر 2018
لا ترامب ولا خصومه مستعدون للتراجع (Getty)
+ الخط -
تذهب الولايات المتحدة إلى انتخابات الكونغرس بعد أسبوع من اليوم، وهي في أجواء تشبه الحرب الأهلية الباردة، وتُنذر بالتحوّل إلى ساخنة في حال استمرت بالتفاقم وتعذر تغيير مسارها. وتكون الأجواء السياسية عشية الانتخابات عادة حامية بتأثير قرب موعد الاستحقاق، لكنها هذه المرة تبدو متفجرة، فالخطاب الذي يسود فيها تحريضي وتخويني، ويصل أحياناً إلى حد الحديث عن "استحالة التعايش" مع الآخر، كما يتردد على لسان بعض رموز المحافظين المتشددين. هذه اللغة فيها شيء من الأجواء التي مهّدت للحرب الأهلية عام 1860، ولو أنه من الصعب وصول الأمور إلى النتيجة نفسها، فالظروف مختلفة والتماسك الاجتماعي قوي والمؤسسات قائمة، لكن ذلك قد لا يمنع من ازدياد الانفلات.

في هذا الإطار، جاءت أحداث الأسبوع الماضي لتشكّل ما يشبه المقدمات للأيام المقبلة، قبل الانتخابات وبعدها. فالطرود المفخخة التي أُرسلت إلى قيادات ومسؤولين سابقين من الحزب الديمقراطي، مرتبطة بمناخات الحرب الباردة القائمة بين الرئيس دونالد ترامب وفريقه من جهة، وبين خصومه ومعظم وسائل الإعلام من جهة أخرى. وكذلك مجزرة الكنيس اليهودي في مدينة بيتسبرغ، يوم السبت الماضي. فالشخص الذي أرسل الطرود، سيزار سايوك، من أنصار ترامب المتأثرين بخطابه الذي "يشيطن" الديمقراطيين، ما حمله، كما يبدو، على استهداف رموزهم، الذين نجوا من عملية "إرهابية" كان يمكنها أن تهز الولايات المتحدة. وأيضاً مجزرة الكنيس ارتكبها أميركي أبيض، انتقاماً من المركز اليهودي "لأنه يقوم بمساعدة مهاجرين" يعتبرهم القاتل "دخلاء" على أميركا، وذلك ما يوحي بأنه متأثر بموقف ترامب المناوئ للهجرة والمهاجرين.


القتل العشوائي وبالجملة، ليس جديداً في الولايات المتحدة، بل صار محطة دورية في تاريخها، لكن هذه الهجمة الدموية أخذت أهمية خاصة لأنها الأولى من نوعها على الساحة الأميركية ضد اليهود. كما أنها تأتي وسط تزايد النعرة المعادية للسامية في أميركا التي ارتفعت بنسبة 57 في المائة العام الماضي. الأمر الذي أثار حالة من القلق العميق في أوساط الجالية اليهودية الأميركية، مع حصول نوع من الاستنفار لحماية مراكزها المدنية والدينية في عموم البلاد.

ولا يختلف اثنان حول ربط الحادثتين بتطرف الخطاب السياسي - الأيديولوجي السائد وبدرجة غير معروفة سابقاً، لكن كل جهة ترمي مسؤولية تسميم الأجواء على الأخرى. إلا أن الواقع يشير إلى أن الطرفين متورطان بتصعيد الخطاب باتجاه العنف، ولو أن كفة ترامب راجحة وبقوة في هذا المجال، حسب معظم التقييمات. والشواهد على ذلك كثيرة، وعلى رأسها "أبلسة" الصحافة والحضّ على التصدي لخصومه. وبذلك دخل القصف المتبادل في دوامة مقفلة ومحكومة بالتصعيد الذي يتخوّف البعض من أن تكون تطورات الأسبوع الماضي مجرد مؤشرات أولية على ما هو أسوأ، لا سيما أن لا ترامب ولا خصومه في وارد التراجع. فقد قطع الطرفان شوطاً بعيداً في تعزيز القطيعة، وبالتأكيد لن يتراجعا قبل انتخابات الكونغرس، كما من المستبعد أن يحصل أي تنفيس بعدها. فإذا فاز حزب الرئيس (الجمهوري) واحتفظ بالأغلبية في مجلسي الكونغرس، فلا بد أن يدفع ذلك بالبيت الأبيض إلى المزيد من المطاردة السياسية لمناوئيه، تمهيداً لمعركة تجديد رئاسة ترامب التي تبدأ حملتها الانتخابية بعد أقل من سنة. أما إذا تمكن الحزب الديمقراطي من انتزاع الأغلبية على الأقل في مجلس النواب، فمن المتوقع أن يجنح إلى تصعيد المواجهة مع ترامب وعرقلة مشاريعه لتصفية الحساب معه قدر الإمكان، هذا إن لم يتجه لفتح باب محاكمته لعزله إذا جاء المحقق الخاص في التدخّل الروسي، روبرت مولر، بحيثيات تسمح بذلك.

تاريخ الولايات المتحدة يكشف أنها مرت في ظروف تنابذ حادة، من التمييز العنصري بعد الخروج من العبودية، ثم المكارثية في الخمسينيات، إلى معركة الحقوق المدنية في الستينيات، لكنها نجحت في تجاوزها كلها من خلال فعالية المؤسسات وصمامات الأمان الدستورية. أما الفارق اليوم، فهو أن العشوائية مستعرة، في ظل وضع من الترهل في دور المؤسسات، خصوصاً الكونغرس، الذي يبدو وكأنه تخلّى عن وظيفته كحارس أساسي لضبط الأوضاع، ومن هنا تبدو المخاوف التي تتردد مشروعة، لكن من دون قدرة على وضع حد للنزف المتواصل.