أبو محمد المقدسي: رهان الأجهزة الأردنية في مواجهة "داعش"

07 فبراير 2015
يوصف المقدسي بالأب الروحي للجهاديين (العربي الجديد)
+ الخط -

جلس أهم منظري "التيار السلفي الجهادي" على مستوى العالم، الأردني عاصم برقاوي، الملقب بـ "أبو محمد المقدسي"، خلال الفترة المحصورة بين 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وحتى أمس الأول (الخميس)، تاريخ الإفراج عنه، في زنزانة بحجم العالم، يدير من خلالها اتصالاته مع شبكة الجهاديين حول العالم، بهدف تأمين صفقة تفضي لتحرير الطيار الحربي الأردني، معاذ الكساسبة.

فشلت مساعي الرجل صاحب الحضور القوي في عالم الجهاديين، والموصوف بـ "الأب الروحي" لهم، أو يمكن القول إنه خذل على يد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي أسدل الستار على ساعات المفاوضات الطويلة، بتسجيل مصور وحشي يوثّق لحظات إعدام الكساسبة حرقاً. غير أن الثابت في كل ما جرى، أن الرجل حقق "معجزة" عندما استطاع من خلف القضبان أن يتواصل مع زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، والمتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني. تواصل ووصول عجزت عنه حكومات وجيوش مسلحة بكل أدوات الرصد الاستخباري والصواريخ الموجهة، ومن أجل ذلك كافأته السلطات الأردنية بأن أطلقت سراحه.

لم تخطئ بوصلة الأجهزة الأردنية، عندما استنجدت بالرجل الذي وقع في قبضتها في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على خلفية تصريحات بثّها على موقع "منبر الجهاد والتوحيد" يصف فيها غارات التحالف الدولي على تنظيم "داعش" بأنها "حرب صليبية"، ليواجه تهمة "استخدام الشبكة المعلوماتية للترويج لأفكار جماعات إرهابية". وهي تهمة تندرج ضمن قانون منع الإرهاب، وتقع ضمن اختصاصات محكمة أمن الدولة، وتصل العقوبة فيها إلى ثلاث سنوات في حال الإدانة. واليوم لا تخطئ بوصلة الدولة بالإفراج عنه عندما قدرت أن الرجل "بدا له أكثر مما كان يعلم".

أطل المقدسي، أمس الجمعة، عبر شاشة تلفزيون "رؤيا" المحلي، متحدثاً عن وساطته. وقد بدا الخذلان على وجهه، كاشفاً وهو يحاول أن ينأى بنفسه عن عقد صفقة مع ساجنيه، عن قدرته على التواصل مع شبكة الجهاد العالمي، وقيادات تنظيم "الدولة الإسلامية".

مما قاله المقدسي في المقابلة "تواصلت مع إخوة مجاهدين من المغرب الإسلامي واليمن وسورية والكويت، أعانوني ووجهوا رسائل للتنظيم، تواصلت مع "داعش"، مع أبو محمد العدناني وأبو بكر البغدادي، حاولت تحقيق مصالح شرعية"، مضيفاً "تواصلت مع العقلاء إن كان فيهم عقلاء".

يأسف الرجل أنهم في "داعش" كانوا يكذبون عليه على الرغم من إقدامهم على قتل الطيار بعد فترة قليلة من أسره، هم بذلك وبما أقدموا عليه بحق الطيار "يشوهون الجهاد... وصبغوا الدين والجهاد بالصبغة الحمراء"، يقول المقدسي. كما طعن في عدالتهم حين قال "لا يرى الناس محاكمات، يُرونهم فقط الذبح والحرق، على الرغم من أن الرسول (محمد) نهى عن التعذيب بالنار حين قال (لا يعذب بالنار إلا رب النار)".

المقدسي، صاحب الموقف المناهض للتحالف الدولي للحرب على "داعش" رغم حربه الفقهية على التنظيم، وفي ما يشبه صفقة إعلامية، لم يتم سؤاله عن موقفه من التحالف مكتفياً بالتساؤل "هل بحرقكم معاذ ردّ التحالف عنكم. بل اشتد عليكم". الرجل أوحى في حديثه أن حربه الفقهية ستكون أكثر شراسة، مقرّاً بأنه كان يتلطف في نقد "داعش" سابقاً حتى لا يؤجج عليه الشباب الذين حملوا السلاح والتحقوا بـ "الدولة الإسلامية" متعطشين للخلافة، تحت تأثير دغدغة العواطف، لكنها خلافة "تزور تاريخ المسلمين"، كما يقول.

المقدسي المخذول حر الآن، وهو المعروف بتحرره الدائم من أي التزامات تفرضها عليه السلطات الأردنية، لكنها هذه المرة تعول على أن الرهان على حريته سيكون مفيداً لها، فمرارة الخذلان التي تذوقها من أخوة الأمس لن يصمت عليها طويلاً، ليذيقهم مما أذاقوه من دون تلطف في القول أو تحفظ في الخطاب، الذي يلاقي للآن آذاناً صاغية لدى جمهور عريض من أتباع السلفية الجهادية حول العالم.

 

المساهمون