آثار مهجورة في الأعماق

02 ابريل 2018
جون-ميشيل أتلان/ فرنسا
+ الخط -

(1)
وهبط الصمت
على المدينة المومياء
غريقةً في ظلمات
ليل التدنيس
ما من همسة أو إيماءة
لا ولا حفيف نشيج
باستثناء غيوم في السماء
وصفير يجرف الأنقاض
في النهاية، ثمة شبيه لك
في زاوية الشارع المهجور
يحدّق في الفراغ
في إكسير دموعك
تحيا المدينة مرة أخرى
ويموت الصمت.

(2)
هنا الآن يتفقّد الموتى
قبور الأحياء
هنا الآن يتفقّد الأحياء
قبرهم
هنا الآن القبور تعبت
من الذكريات

(3)
يوماً بعد يوم
كحياكة مشاهد طبيعية
تقع العيون
على آثار
مهجورة في الأعماق
الطرقات تتقاطع
في صمت المشاهد
في جدل الليل والنهار
من يستطيع إيقاف تواطؤ
العصفور والطيران؟
الأفق الوليد
يستعذب جماله الثمل
في واحةٍ يجاور
فيها الحاضر والآتي
اكتمال البدر
لدعوتنا إلى النظام الثابت
هل أحتاج إلى الكثير من الشارات
لبناء مملكتي الوحيدة؟

(4)
يوماً بعد يوم
كنسج لغات
يغذّي زخم الروح
المفردات التي لا نجرؤ على قولها
أو المفردات التي نقولها
همسة همسة
نقطع آلاف الأبعاد
دون بوصلة للتحديد
في النشيج الموشوم
بامتداد جوهر الموسيقى
حتى ألوان قوس قزح
هشاشةُ الذهول
شذى الخجل
هل أحتاج الكثير من المعاجم
لكي أسميك يا كلمتي الوحيدة؟

(5)
الليلة هادئة
الطفل بداخلي يبتسم
النجوم تهدهد الحلم
وتستأمن عليه العالم
الطفل بداخلي يطفئ الشمعة
غداً ليلة أخرى
شمعة أخرى

ليلة تنتظرني
الصبية بداخلي تتردّد
الحلم ينتفض
الصبية بداخلي تعود للوراء
غداً ليلة أخرى
سكّة أخرى

(6)
الليلة تغلق أبوابها
المرأة بداخلي في عجلة
ليلةٌ تعهد لي
بأسرار الحلم
عندما رافقتها
من أقصاها إلى أقصاها
حتى الضراعة الأخيرة
كادت تضمحل الصورة
فقط شتيت عاطفة
يذكّرني من أنا؟
ماذا حلمت في الأخير؟
في نهاية الصمت
على مقربة من الغموض
يدٌ حنونة
ارتخت على صدري
عرقي البارد يتشرّب
أريج الرعشة
كان ثمة قطيعة محتومة
بين الضباب والمغيب

(7)
من أنا
في حيرة الذاكرة؟
أنا هذا الوجه العاري
لا الضباب ولا الشمس
بإمكانها أن تجعل السطوع شاحباً
انعكاس النهار في عيوني
يمضي قدماً نحو الأبد المهيب
للتهجير القسري
تحت أنظار الأفق
التي رسمها الزمن
عبر العصور
غير أن هاته التجاعيد الرفيعة
لم تتوقّف على التجميل
لتبقى الوصية على آمالنا.

من أنا
في اهتزازات القصيدة؟
أنا الحرية غير المرّخص لها
تلقيح الأحداث
يولد ويتجدّد في زرقة السماء السرمدية
حتى لا يكون سوى فاتحة
في مزيج الفروق المرهفة
بموجب هذه الرسالة المغفلة الهوية
التي ترتجف مع الأنشودة
بمرور أشباح حزينة
عندما يصير الليل بلا مأوى
السنونو بلا عش
الأنفاس الصاخبة للمغيب
تضاعف من إيقاعي المتباطئ
أتضخم في ضآلة الطرق
وفقاً للمتاهة الصامتة
عندما يزعزع نومي
همسَ الحنين
للحبّ الذي بلا حدود
أتضاءل في نطاق الكلمات
المهموسة التي تفضي
إلى فجر جديد

من أنا
في رثاء عذابك؟
أنا العناق الدائم التصفح
لوجهك
لذاكرتك
وندباتي
حتى تبرعم في الصمت
أحلامنا المحمومة.


* أنيسة محمدي (1967) شاعرة جزائرية من منطقة القبايل وتقيم بين فرنسا والجزائر. تكتب باللغة الفرنسية، وهي حائزة على دبلوم في البيولوجيا. يعبّر شعرها على نظرة جوّانية لعوالم الحياة الخفية والسرية. من أعمالها الشعرية: "تنهدات"، "صوت الصمت"، "باسم كلمتي".
* ترجمة عن الفرنسية: ميشرافي عبد الودود

المساهمون