دور "وحدة 504" في الفظائع الإسرائيلية ضد الأسرى العرب: مصطفى الديراني نموذجاً

17 مايو 2017
الديراني قبيل إطلاق سراحه بصفقة تبادل عام 2004(رينا كاستلنيوفو/Getty)
+ الخط -
عادة ما يتم التركيز على كل من جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" وجهاز الاستخبارات والمهام الخاصة "الموساد" بوصفهما المؤسستين الأمنيتين اللتين تختصان بجمع المعلومات الاستخبارية لإسرائيل من خلال تجنيد المصادر البشرية (العملاء). في المقابل يكاد يخلو الإعلام العربي والأجنبي من أية إشارة إلى "وحدة 504"، وهي مؤسسة تتبع "شعبة الاستخبارات العسكرية" (أمان)، وتعنى بشكل خاص بتجنيد العملاء إلى جانب احتكارها مهمة التحقيق مع العرب الذين يتم أسرهم خلال الحروب أو في إطار الحملات العسكرية والعمليات الخاصة التي ينفذها جيش الاحتلال.
وإن كان النطاق الجغرافي لعمل "الموساد" خارج فلسطين و"الشاباك" داخلها، فإن "وحدة 504"، التي تشكلت عام 1949، تعمل خارج وداخل فلسطين. وحسب النبذة التعريفية التي يقدمها موقع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن الوحدة، يتبين أنها متخصصة بتأمين المعلومات الاستخبارية عن دول عربية لها حدود مشتركة مع فلسطين من خلال تجنيد العملاء، وهذه الدول: سورية، لبنان، الأردن، مصر. كما تنشط الوحدة أيضاً داخل الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتركز "وحدة 504" خلال عملها داخل الدول العربية على مناطق تكون قريبة من الحدود. وما يدلل على النطاق الجغرافي لعملها، فإن شعار الوحدة، التي يقودها ضابط برتبة عقيد، يتضمن صورة لصخرة يُقال إنها موجودة على أحد الجبال في سورية.
ويستدل من المعلومات المقتضبة التي تقدمها صفحة الوحدة على الإنترنت أن إعداد القوى البشرية فيها يتضمن مسارين مهنيين، أحدهما خاص بإعداد مجنِدي العملاء، الذين يطلق عليهم "ضباط المهام الخاصة"، والمسار الآخر خاص بإعداد كادر بشري متخصص في التحقيق مع الأسرى العرب. ويتضح من مقابلة نادرة أجراها أخيراً المعلق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، مع "ت"، وهو قائد "وحدة 504"، أن مجندي العملاء يتوغلون سرّاً داخل حدود بعض الدول المجاورة في سعيهم لتجنيد العملاء أو لإجراء مقابلات معهم. وقد أفضت التحولات الدراماتيكية التي شهدتها الدول العربية خلال الأعوام الست الماضية إلى تعاظم الدور الذي تقوم به "وحدة 504" في جمع المعلومات الاستخبارية، لدرجة أن رئيس هيئة أركان الجيش منح هذه الوحدة عام 2015 أرفع وسام عسكري بسبب دورها الحاسم في تأمين المعلومات الاستخبارية. ويقول "ت" إن الوحدة لا تحرص على تجنيد العملاء فقط من أجل معرفة ما يدور خلف الحدود "بل أيضاً على توفير معلومات يمكن أن تترجم إلى عمليات ميدانية في عمق أرض العدو".

أما المجال الثاني من عمل "وحدة 504"، فيتمثل في مهمة التحقيق مع الأسرى العرب. وقد أتاح لها هذا الأمر الفرصة لارتكاب فظائع ضد هؤلاء الأسرى من دون أي مستوى من الرقابة القانونية.
وإن كانت منظمات حقوقية فلسطينية ودولية وإسرائيلية قد وثقت بالأدلة اعتماد "الشاباك" وسائل تعذيب قاسية جداً لدى تحقيقه مع المعتقلين الفلسطينيين، إلا أن أماكن حبس هؤلاء المعتقلين تكون معروفة، ويحظون بزيارات المحامين وبعد ذلك يحق لذويهم أيضاً زيارتهم، أما من يقع في قبضة "وحدة 504"، من العرب، فإنه لا يحظى بأي حق إنساني.

فالأسرى العرب الذين يعتقلون أثناء الحروب أو في العمليات الخاصة للجيش أو بعد إلقاء القبض عليهم أثناء عمليات تسلل فاشلة، يتم إيداعهم سجوناً سرية تابعة للشرطة العسكرية و"أمان". وعلى الرغم من أن "وحدة 504" قد احتكرت التحقيق مع الأسرى العرب منذ عام 1949، إلا أنه لم يتسن الكشف عن الجرائم البشعة التي ترتكبها ضد الأسرى إلا قبل سنوات عدة، عندما رفع محام لمصطفى الديراني، الذي كان قيادياً في حركة "أمل" اللبنانية ويشغل حالياً منصب عضو المجلس المركزي في حزب الله، دعوى ضد أحد محققي الوحدة ويطلق عليه "الكابتن جورج"، والذي قاد فريق التحقيق معه بعد أن قامت وحدة "سييرت متكال" باختطافه عام 1994، من أجل إجباره على تقديم معلومات حول مكان تواجد مساعد الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي أسر من قبل "أمل" بعد أن سقطت طائرته خلال حرب لبنان الأولى 1982. ويظهر من الدعوى التي رفعها الديراني عام 2009 ضد "الكابتن جورج"، والذي تبين لاحقاً أن اسمه الحقيقي دورون زهافي، أن عمليات التعذيب التي تعرض لها تضمنت الاغتصاب وانتهاكات جسدية أخرى. وقد عرضت قناة التلفزة الثانية قبل عامين فيلماً تضمن ما جرى في إحدى جلسات التحقيق مع الديراني، إذ ظهر الأخير عارياً تماماً بينما كان زهافي وفريقه يعتدون عليه ويوجهون له الإهانات. وقد عرضت صحيفة "هآرتس" بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2012، تحقيقاً تضمن شهادات لأشخاص عملوا كمحققين في "وحدة 504" أكدت أن عمليات التعذيب الوحشي التي تتم في أقبية التحقيق السرية ضد الأسرى تتم برضا وقبول قادة الجيش والدولة. وقد أجرت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية مقابلة مع زهافي ضمن برنامج "عوفداه"، حيث دافع عن كل ما قام به، مشدداً على أنه كان يحصل على إذن مسبق من مسؤوليه في قيادة "أمان".

المساهمون