انتخابات الرئاسة الجزائرية... معركة التوقيعات العسيرة

13 يوليو 2024
من تصويت الجزائريين في انتخابات الرئاسة، 12 ديسمبر 2019 (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

ينتهي في 18 يوليو/ تموز الحالي الموعد النهائي لإيداع وقبول الترشيحات في انتخابات الرئاسة الجزائرية المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، حيث يخوض عدد من المرشحين معركة الأنفاس الأخيرة لجمع التوقيعات المطلوبة. لكن هذه المعركة لا تبدو سارة في مجرياتها بالنسبة لبعض المرشحين البارزين، الذين واجهوا صعوبات جدّية في جمع التوقيعات، ما دفع مرشحين إلى توجيه اتهامات للسلطة بتعمد خلق "مشكل سياسي" قد يضر بمصداقية الانتخابات، في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس عبد المجيد تبون مطمئناً إلى حزام سياسي يدعمه لجمع التوقيعات وإدارة الحملة الانتخابية.
وحتى يوم أمس الجمعة، تقدّم 35 شخصاً بترشحهم لانتخابات الرئاسة الجزائرية، آخرهم كان تبون، الذي انتظر حتى الاثنين الماضي لإيداع رسالة الترشح، وأعلن ذلك أول من أمس الخميس رسمياً.

مرشحون كُثر في انتخابات الرئاسة الجزائرية

بالنسبة للمراقبين، يبدو هذا الرقم كبيراً مقارنة مع الشروط التي فرضها القانون الانتخابي، الذي ألزم المرشحين بإيداع ما يعادل 1500 دولار تمثل كفالة مالية للترشح، حيث كانت التوقعات تذهب إلى احتمال أن يؤدي ذلك إلى استبعاد المرشحين غير الجديين. في المقابل، لا تظهر على لائحة المرشحين سوى ستة أسماء وازنة ومعروفة، وهم: تبون، رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، رئيسة حزب العمّال لويزة حنون، السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، ومساعد وزير الخارجية الأسبق رئيس حزب التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي، إضافة إلى سيدة الأعمال سعيدة نغزة.

لا تظهر على لائحة المرشحين سوى 6 أسماء وازنة ومعروفة، أولّها تبون

وعلى الرغم من هذا التعداد اللافت والمتعدد من حيث التوجهات الفكرية والسياسية، فإن المرحلة التمهيدية لهذا الاستحقاق الانتخابي لم تكشف بعد عن كامل تفاصيل المشهد السياسي، الذي قد ينتهي إلى مفاجآت غير سارة بدأت ملامحها تتضح شيئاً فشيئاً.

وفُسّرت سلسلة الانتقادات الحادة والشكاوى التي أعلنها عدد من المرشحين، وخصوصاً حنون، التي سبق لها أن ترشحت لانتخابات الرئاسة ثلاث مرات سابقاً، بالإضافة إلى نغزة وساحلي، بشأن المصاعب التقنية والممارسات البيروقراطية التي تواجههم في عملية جمع التوقيعات، من قبل مراقبين، بأنها قد تكون مقدمة سياسية لتبرير الإخفاق في جمع التوقيعات وإلقاء اللوم السياسي على السلطة وهيئة الانتخابات، وعلى إمكانية أن ينتهي ذلك بتحييد بعض المرشحين واستبعادهم من السباق الرئاسي. وأشارت بعض المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود مساع في إطار التضامن الحزبي من قبل أحزاب سياسية، لمساعدة بعض المرشحين ومدّهم بتوقيعات المنتخبين من أعضاء هذه الأحزاب، بما يسعفهم في تجاوز شرط التوقيعات للترشح لانتخابات الرئاسة الجزائرية دعماً للمسار الانتخابي والديمقراطي".

وفي هذا السياق، كانت حنون قد وصفت، أخيراً، المصاعب أمام المرشحين بشأن جمع التوقيعات بأنها "فوضى عارمة تتطلب معالجة سياسية وقرارات سياسية". وحمّلت رئيسة حزب العمّال السلطة "المسؤولية السياسية في ما يخص التعجيل بتصويب هذا الوضع غير المسبوق منذ أكثر من 30 سنة، بسبب مجموعة من الممارسات البيروقراطية". وكشفت نغزة، من جهتها، أن عدداً من المنتخبين أعضاء المجالس النيابية، الذين وقعوا استمارات اكتتاب لصالح ترشحها، تعرضوا لضغوط وتهديدات بسبب ذلك. وقالت نغزة في بيان، الثلاثاء الماضي: "للأسف، لاحظنا أن هناك ممارسات غير أخلاقية ولا دستورية، والتي تترجم في تهديد وتخويف فئة كبيرة من المنتخبين، حيث مُنعوا من توقيع استمارات المرشحين للانتخابات الرئاسية"، على خلفية التزام هذه الأحزاب بدعم تبون بصفته مرشحاً للانتخابات الرئاسية.

نتيجة محسومة دائماً للسلطة

لا يحجب هذا الوضع في المقابل نجاح مرشحين آخرين في كسب معركة التوقيعات مبكراً. وقال أحمد صادوق، رئيس الهيئة الانتخابية للمرشح الرئاسي رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة أنهت عملية جمع التوقيعات، وحدّدنا للقواعد تاريخ 14 يوليو الحالي لجمع الاستمارات التي تمّ توقيعها، بهدف إيداعها من قبل المرشح عبد العالي حساني لدى السلطة المستقلة للانتخابات في الآجال المحددة قانوناً". وأضاف: "حتى الآن تجاوزنا عتبة الألف توقيع بالنسبة للمنتخبين أعضاء المجالس المحلية والنيابية، بينما الحدّ الأدنى المطلوب هو 600 فقط، كما تجاوزنا عتبة 50 ألف توقيع المطلوبة الخاصة بالناخبين".

نوري إدريس: انتخابات الرئاسة الجزائرية ليست موعداً للاختيار ولا للتنافس، بل هي موعد للتزكية

وأكد السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، لـ"العربي الجديد"، أنه "تمكن من استيفاء شرط التوقيعات، بفعل قواعد الحزب الملتزمة ومتعاطفين آخرين مع القوى الاشتراكية، من المقتنعين بصدقية الخيار السياسي، حيث يحوز الحزب العدد الكافي من المنتخبين في المجالس المحلية، بينما كان علينا تحقيق شرط جغرافية التوقيعات لأكثر من 29 ولاية وفقاً للقانون".

لكن سؤالاً طُرح عما قد يتغير مستقبلاً طالما أن الشروط الموضوعية والبيئة الانتخابية في البلاد تجعل من نتيجة الانتخابات محسومة سلفاً لصالح مرشح السلطة والأغلبية النيابية الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يبدو في أريحية كبيرة سياسياً وشعبياً في هذه الانتخابات مقارنة مع انتخابات عام 2019، سواء نتيجة حزام واسع من الأحزاب وقوى المجتمع المدني التي تدعمه، أو نتيجة بعض القرارات الاقتصادية والاجتماعية الموفقة التي اتخذها خلال ولايته الأولى.

انتقد مرشحون المصاعب التقنية والممارسات البيروقراطية التي تواجههم في جمع التوقيعات

وفي هذا السياق، أعرب الباحث في علم الاجتماع السياسي نوري إدريس عن اعتقاده بأن "انتخابات الرئاسة الجزائرية استحقاق سياسي يتجاوز المنافسة السياسية والحزبية، في الغالب وعلى الأقل في مجموع الاستحقاقات التي جرت منذ العام 1995، حيث يترفع الرئيس عن التحزب لكي يُقدم كممثل لكل الجزائريين، والأحزاب التي تسانده يتم انتقاؤها بعناية، والأمر نفسه لمن يريد معارضته". واعتبر إدريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر "يجعل انتخابات الرئاسة الجزائرية ليست موعداً سياسياً، بل موعداً للتعبير عن وحدة الجسم الاجتماعي والسياسي من خلال شخص الرئيس الذي يفوز بالأغلبية في الدور الأول، مترفعاً عن التحزب، لأن التحزب في انتخابات رئاسية يعني انقسام الجزائريين حول أحد رموز الدولة، الرئيس، وهذا الرمز يجب أن يكون جامعاً. لذلك فإن انتخابات الرئاسة الجزائرية ليست موعداً للاختيار ولا للتنافس، بل هي موعد للتزكية"، وفق رأيه.

المساهمون