"هي والقايد": الظلم عقيدة يومية للجميع

23 نوفمبر 2015
مشهد من "هي والقايد"
+ الخط -

يعيد الكاتب المسرحي الشاب حميد الطالبي، بأدوات المخرج حسن مراني علوي، تقديم حكاية "خربوشة" المعروفة في الموروث المغربي، لتعرض على الخشبة بعنوان "هي والقايد".

المسرحية التي افتتحت عروض "المهرجان الوطني للمسرح" في تطوان، الذي اختتم مؤخراً، وستعرض في مدن مغربية مختلفة في الأشهر المقبلة، هي أبعد من إعادة كتابة قصة درامية إنسانية تنهل من التراث الشعبي المغربي.

لقد أعادت مسرحية "هي والقايد" تركيب الزمن من الحاضر إلى الماضي ثم عادت به إلى الراهن، إلى هنا والآن. ومن لعبة الزمن، كرّس الفضاء السينوغرافي معابر الانتقال والعبور من وإلى دواخل امرأتين وقائد ظالم وخادم طيّع.

القصة الشعبية لمن لا يعرفها هي حول مغنية شعبية ذاع صيتها في القرن التاسع عشر وعرفت باسم "خربوشة"، وقد عرفت بأشعارها التي تحرّض على الثورة والتي أدّت إلى إعدامها.

بالعودة إلى العرض، فقد استفاد من الحكاية الشعبية من دون أن يكرّسه للقصة كما عالجتها عروض مسرحية وتجارب سابقة. بل استطاع بقدر ما تمكن من تقديم رؤية جديدة لمقولة الاستبداد والصراع والاحتواء الذي يمارسه الرجل على المرأة، حتى يتحوّل في الكثير من اللحظات إلى مؤشر على السلطة، أقرب إلى "هيولى" تأكل وتلتهم الكل في طريقها؛ رؤية تستخدم "السخرية" للحفاظ على ثنائيات مضبوطة بين الرجل والمرأة، الخير والشر، التسلّط والاحتواء، الاستبداد والحرية، وثنائيات أخرى كرّسها الفضاء السينوغرافي، لعلّ أهمها خلق فضاءٍ للّعب وآخر للقتل.

في الكثير من المشاهد، كشفٌ لعجز "القايد" عن انتزاع "روح" خربوشة المتمرّدة بطبعها للانتصار لسلطة القايد في تكريس "إيديولوجيته" الخاصة وقيمه التي دفعته في الكثير من الأحيان إلى التمرّد على كل شيء.

لم تكرّس المسرحية أي حضور قوي للحكاية الشعبية كما يتم تناقلها، ولم تكن نجمتها هي محور المسرحية وحدها، بل ظلت ظلاً، وفكرة تظهر داخل ثنايا العرض. حتى في استدعائها من جديد كي تشارك القايد الحاضر، وكأن شيئاً لم يتغيّر، وكأن لكل زمن "قياده". لكن، هل لكل زمن "خربوشة" قادرة على استلهام روح التمرّد والانعتاق من جبروت القوة والظلم؟

لقد استطاع فريق عمل المخرج المسرحي حسن مراني علوي، والمكوّن من طاقم الممثلين خالد الزويشي ونسرين المنجى، صاحبة الأداء الفريد على الخشبة، وعبد العالي فهيم وسارة السفياني، أن يجعلوا من ذاكرة ظلّت حاضرة بقوة في المخيال المغربي ومن قصة درامية إنسانية كرّست "وضعاً اعتبارياً خاصاً" للمرأة، نقطة جدل مع الحاضر في جعل هؤلاء جميعهم شخوصاً مهزومة، فاقدة للقدرة على الفعل مكرّسة لواقع يتجاوزها.

فيما يظل القايد يذكّرنا في كل مرة "بالضبابة" (الضبابية) لأنها هي الشيء الوحيد المتبقي من هذا كله، لا يقين ولا حقيقة سوى عبث الحياة وهي تجعل من الظلم عقيدة يومية عند الجميع.



اقرأ أيضاً: نساء سنوات الرصاص: جوسلين نصف سماء اللعبي 

 

دلالات
المساهمون