وسبق الاعتداء على كنيسة "رقاد العذراء" آخر مماثل استهدف كنيسة في بيت جمال إلى الغرب من مدينة القدس المحتلة قبل نحو ثلاثة أسابيع. وخطّت في كلا الاعتداءين شعارات شتم وإساءة للسيد المسيح ودعوات لـ"إحراق المسيحيين وإرسالهم إلى جهنم".
اقرأ أيضاً تنظيمات يهودية "تُبرّر" إحراق الكنائس فقهياً
أما رئيس اللجنة الرئاسية الفلسطينية للشؤون المسيحية، حنا عميرة، فيصف في حديث لـ"العربي الجديد" الاعتداء بأنه "تصعيد مادي ولفظي من قبل جماعات متزمتة ومتطرفة لا تلقى الردع المطلوب من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية ومن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل والتي تغذي التطرف وتذكي ناره". ويشير عميرة إلى أنّ التصعيد اللفظي المتطرف ضد المسيحيين والدعوات التحريضية ضدهم تستهدف ممارسة مزيد من الضغط عليهم لإرغامهم على الهجرة وترك مدينتهم، فيما كان متطرفون قد تعرضوا بالضرب والإيذاء الجسدي لرهبان ورجال دين لدى توجههم إلى كنائسهم وأديرتهم.
تصعيد في استهداف المقدسات المسيحية
وقد شهدت الأعوام الأربعة الماضية سلسلة من الاعتداءات ضد الأماكن المسيحية المقدسة، وفقاً لما يؤكده لـ"العربي الجديد"، رئيس التجمع الوطني المسيحي، ديمتري دلياني، مذكراً بإحراق أجزاء من المدرسة اليونانية التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في "جبل صهيون" جنوب القدس القديمة، حيث خط المتطرفون شعارات مسيئة للديانة المسيحية والسيد المسيح وتم الاعتداء على سيارات في المكان. وهو الأمر الذي تكرر على بوابة دير الفرنسيسكان الواقع في جبل صهيون بالقدس القديمة. كما خط متطرفون يهود شعارات عنصرية ضد السيد المسيح وضد الفلسطينيين على جدران "الكنيسة الرومانية"، تم إضرام النيران في دير اللطرون.
وفي رصدها لهذه الاعتداءات نشرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث تقريراً أواخر العام 2014، ذكرت فيه، أن الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه التنفيذية ومنظمات ومؤسسات إسرائيلية، نفذوا عشرات الاعتداءات في العام نفسه، واستهدفت المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية في الداخل الفلسطيني المحتل في العام 1948 وفي الضفة الغربية والقدس. ووفقاً للتقرير، شملت الاعتداءات إحراق وهدم مساجد أو أجزاء منها، أو كتابة شعارات عنصرية وألفاظ نابية على المساجد أو على الكنائس المسيحية، أو الاعتداء على المقابر الإسلامية أو المسيحية بالهدم أو كتابة الشعارات العنصرية، ومنع رفع الآذان مئات المرات في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل. كذلك لفت تقرير للجنة الملكية لشؤون القدس، ومقرها العاصمة الأردنية عمان، إلى تعرض الأملاك والأوقاف والمقدسات المسيحية ورجال الدين المسيحيين للعديد من الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية منذ العام 1967 وحتى الآن، طاول الكنائس والأديرة، بما في ذلك سرقة محتويات بعضها وتحطيم مقتنيات بعضها الآخر أو قصفها كما حدث بكنيسة مار الياس على طريق بيت لحم.
وعلاوة على ذلك، قام رجال الشرطة الإسرائيليون والشبان اليهود بالاعتداء على رجال الدين بالضرب والإهانة والشتم والبصق في طرقات القدس وفي الكنائس، أو تعرض بعضهم للاعتقال والإبعاد. وشملت الاعتداءات أيضاً قتل القوات الإسرائيلية حارس قبر البستان، فيما قتل المتطرفون اليهود الأب فيلمنوس خاسابس بعد رفضه بيع أرض لهم. كذلك تم قتل راهبتين في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية طعنا بالسكين. كما تعرضت بعض الأماكن الدينية المسيحية للحريق المتعمد مثل حريق الكنيسة المعمدانية، وإحراق المكتبة الإنجيلية، وتفجير قنبلة في دير الروح في العيزرية شرقي القدس وإشعال النار في كنيسة القديس بولس الأسقفية في القدس المحتلة.
وبحسب التقرير، فإنه "حتى المقابر المسيحية لم تسلم من الاعتداءات اليهودية الحاقدة، كاستعمال أحد أجزاء مقبرة الروم الأرثوذكس ملهى ليلياً. كما قام العديد من الشبان اليهود بارتكاب أعمال مشينة داخل الكنائس"، فضلاً عن استعمال كنيسة القديس يوحنا المعمدانية القديمة في عين كارم مرحاضاً، بعد أن قاموا بتحطيم أبوابها.
واستولت إسرائيل على أراضٍ وممتلكات مسيحية، كمصادرة أراضي الوقف المسيحية قرب العيزرية وأبو ديس شرقي القدس التي أقيمت عليها مستوطنة "معاليه أدوميم"، والأراضي الوقفية في حي النكفورية (الطالبية)، فضلاً عن دير أبو طور وأبو غوش ودير الصليب، التي أقام الاحتلال عليها مبنى الكنيست والمتحف الإسرائيلي، وأراضي القديس جيورجوس (الخضر) قرب بيت لحم لشق طريق التفافي. ويضاف إلى ذلك تحويل الكثير من بنايات الأوقاف المسيحية في وسط القدس إلى مبانٍ ووزارات ودوائر حكومية وإلى متنزهات وساحات سيارات، كما في أراضى الوقف بباب العامود في شارع الأنبياء.
لاهافا: زعيم متطرف وعقيدة عنصرية
وقد جاهر عدد من الحاخامات والمرجعيات الدينية اليهودية بتأييدهم الصريح لإحراق الكنائس، وخصوصاً الحاخام بنتسي غوبشتاين، الذي يقود حركة "لاهافا"، مستنداً إلى أحكام "فقهية" أصدرتها مرجعيات دينية يهودية عاشت في القرون الوسطى تؤكد أن المسيحية هي ضرب من ضروب "الوثنية والشرك"، على حد قوله، وبالتالي لا يجوز السماح بوجود المسيحيين ولا دور العبادة الخاصة بهم على "أرض إسرائيل". وخلال مؤتمر "فقهي" نظم في القدس المحتلة أخيراً، استند غوبشتاين إلى فتوى أصدرها الحاخام موشيه بن ميمون، الذي عاش في القرن الثاني عشر، والذي يطلق عليه "الرمبام"، وتحث على عدم السماح للمسيحيين بأداء طقوسهم الدينية على أرض إسرائيل.
ويشار إلى أن حركة "لاهافا"، التي تأسست في العام 1999، أعلنت قبل عام مسؤوليتها عن إحراق مدرسة تدرس باللغات العبرية والعربية والإنجليزية بحجة أن مسيحيين ويهودا يدرسون في هذه المدرسة.
وعلى الرغم من أنشطة "لاهافا" الإرهابية إلا أن كلاً من جهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك" والنيابة العامة في إسرائيل يرفضان اعتبارها تشكيلاً إرهابياً. وكشفت صحيفة "هارتس" قبل أيام أن الجيش الإسرائيلي سمح للحاخام غوبشتاين بتقديم أنشطة "توعية دينية" لجنود الجيش. وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش يواصل السماح لغوبشتاين بتنفيذ الكثير من الأنشطة الثقافية داخل قواعد الجيش، على الرغم من أنشطة حركته الإرهابية.
وتلْقى أنشطة هذه الحركة دعماً من عدد من رموز اليمين المتطرّف، ولاسيما باروخ مارزيل وإيتمار بن غفير، وكلاهما كانا من قادة حركة "كاخ" المحظورة التي أسّسها الحاخام مئير كهانا، في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت تطالب بطرد الفلسطينيين، وهو ما يدفع البعض إلى وصفها بأنها امتداد لحركة كاخ.
وتشتهر "لاهافا" بتعرضها للمقدسيين الذين يعملون في مصانع إسرائيليّة أو كسائقي سيارات أجرة في شقي المدينة الشرقي والغربي. وتشتد وطأة عمليات التنكيل التي تقودها "لاهافا"، بشكل خاص، ضدّ المقدسيين الذين يعملون في مرافق تعمل فيها يهوديّات، تحت ذريعة الحرص على تقليص فرص التواصل بين الفتيات اليهوديات والشباب العرب.
اقرأ أيضاً: "لاهفا": مثال التطرّف اليهودي ضدّ المقدسيين