17 ابريل 2019
"فيسبوك" وغضب الجماهير حركةً احتجاجية
مع كل حركةٍ احتجاجيةٍ تحدث في بقعة ما، يُثار من جديد التساؤل عن دور شبكات التواصل الاجتماعيّة، "فيسبوك" خصوصا، في اندلاع تلك الحركة وسيرورتها. تتعدّد الآراء في هذا الشأن، وتندرج بين ضفتي أقصى المتفائلين والمرحّبين بهذا الدور وأقصى المتشائمين والمشككين به.
بدايةً، لا بدَّ من توسيع زاوية الرؤية إلى "فيسبوك"، والنظر ليس فقط على أنّه شبكة تواصل اجتماعيّة؛ بل تناوله في إطاره الأوسع، باعتباره من أكبر الشركات الربحية في عالم الإنترنت، برأس مال قارب 12 مليار دولار في شهر إبريل/ نسيان 2018. وتعتمد أرباحه بشكل أساسي على تفاعلات المستخدمين (2.2 مليار مستخدم) ودوام اتصالهم والتصاقهم بالحائط الأزرق أطول وقت ممكن. ولذلك يطوّر "فيسبوك" شبكة معقدة من الخوارزميات، ويحدثها باستمرار، للحفاظ على رصيده البشري الذي يدرّ له مليارات سنوياً. وكل تصريحات "فيسبوك" التي تصرّ على أولوية العلاقات الإنسانية فيه، ومجابهة المعلومات الكاذبة، ما هي إلا واجهة لاستمرارية مملكته المالية، ولن تعنيه حقيقة التبادلات والعلاقات التي تُبنى من خلاله إلا بقدر عائداتها المادية.
يمنح "فيسبوك" الفرصة للمستخدمين في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم وميولهم بطرقٍ سهلة
ومتنوعة، وهو يجمع بين بعدين مترابطين وجاذبين للمستخدم: إعلامي وعلائقي. فمن جهةٍ، أصبح "فيسبوك" مصدراً رئيسياً للمعلومة بالنسبة للمستخدم/ الإنسان "الخمول" الذي يبحث عن معلومةٍ بسيطةٍ وسهلةٍ، بغض النظر عن موضوعيتها وصحتها. ومن جهة أخرى، يُبقي "فيسبوك" المستخدم على اتصال شبه دائم مع شبكة من المستخدمين الآخرين (الأصدقاء)، يتفاعل ويتبادل معهم باستمرار.
هكذا، وبشكل شبه تلقائي، يقرّب "فيسبوك" بين المستخدمين المتشابهين في الميول والآراء، ويسهل بناء علاقة ما بينهم، بحيث ينتظم هؤلاء في جُزر متجاورة، مغلقة أو مفتوحة، يستطيعون من خلالها التفاعل حول قضيّة، أو أمر، أو حدث ما. والمجال متنوع ومفتوح لمختلف الميول والقضايا والتوجهات، سياسيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة أو ثقافيّة وغيرها.
ضمن هذا المنطق، يتبلور الاستخدام السياسي لـ"فيسبوك"، حيث الفرصة متاحة للمستخدمين الملتزمين بقضيّة ما، أو الغاضبين من واقع ما في التعبير عن آرائهم، وبناء علاقات ترابطيّة فيما بينهم، فمشاعر الغضب والإحساس بالظلم تنتشر بسرعة، وتشكل إطاراً عاماً جامعاً ومحفزاً للتعبير عن الغضب بشكل جماعي، حيث يشكّل "فيسبوك" عقدة وصلٍ تجمّع الغضب في حيّز افتراضي واحد، إلا أن اجتماع آلاف المستخدمين حول قضيّةٍ ما لا يعني بالضرورة مشاركتهم جميعاً في عملية تحديد ملامح وإطار عمل هذا التجمّع من خلال نقاشات وتبادلات مستمرّة. على العكس، فقد أثبتت دراساتٌ عديدة أن مستخدمين قليلين جدا ينخرطُون في نقاشاتٍ بنّاءةٍ وهادفةٍ في صفحات "فيسبوك" المفتوحة؛ وتكون أغلب التبادلات في صورة آراء مجرّدة، أو أحكام قيمة، أو مناكفات جانبية، تصل إلى حد الثرثرة أو التهجم والإساءة الشخصية.
إذاً، كيف تتحوّل حالة الغضب الجماهيري والشعور بالظلم إلى فعلٍ احتجاجيٍّ جماعيٍّ في "فيسبوك"؟ من يحدد إطار هذا الفعل، أدواته وأهدافه الأساسيّة؟ تكمن الإجابة في هيكليّة "فيسبوك" نفسه، وتنوّع العرض التقني الذي يوفره للمستخدمين، فبالإضافة إلى الحساب الشخصي، يتيح "فيسبوك" حيّزين رئيسيين للتجمّع والتبادل: المجموعات المغلقة والصفحات المفتوحة. يتيح الحيّز الأول تجميع المستخدمين من خلال اصطفاء استباقي، حيث لا يدخله إلا من هو "ثقة"، وملتزم بأفكار المجموعة وتطلعاتها. تتم في هذه المجموعات المغلقة عملية تحديد إطار المجموعة وهويتها، أهدافها، وطرائق عملها وآلياته، من خلال حوارات وتبادلات مستمرة، يشارك فيها غالبية أعضاء المجموعة. ولا يعني هذا الأمر بأي حال أن حيّز النقاشات محصور فقط في "فيسبوك"، بل هناك نوع من التكامليّة بين النقاشات في أرض الواقع، وتلك التي تجري عبر وسائل تواصل أخرى، إلا أنّ الصفة العامة لها أنها نقاشاتٌ على نطاق محدود نسبياً، وتتم بين أفرادٍ يحملون أفكاراً وتطلعاتٍ متقاربة. كما يرتبط انتقال تلك الأفكار وآليات العمل من الحيّز المغلق إلى الحيّز المفتوح بتهيؤ جملةٍ من العوامل الذاتيّة والموضوعيّة وبالسياقات السياسيّة/ الاجتماعيّة التي تُنتج فيها. وعندما يتحقق هذا الانتقال، تلقى مشاعر الغضب والإحساس بالظلم صدىً لدى عينةٍ واسعةٍ من المستخدمين في الصفحات المفتوحة.
يشارك هنا المستخدمون في عملية إحياء واستمرارية إطار وآليات العمل الجماعي المبنيّة مسبقاً، ليس بالضرورة من خلال النقاشات والتبادلات البنّاءة؛ إنما وبشكل أساسي من خلال ما يتيحه البناء التقني لـ "فيسبوك" من إمكانات وأساليب مشاركة تفاعليّة علائقيّة متنوّعة (نشر، إعجاب، مشاركة، استبيانات، وغيرها). إذاً، المجموعات المغلقة تحفّز المستخدمين على التبادل والنزوع للمشاركة في العمل الجماعي، بينما تزيد الصفحات المفتوحة من ميول المستخدمين للاستهلاك "السلبي" للمعلومة.
تعتبر حركة السترات الصفراء في فرنسا تجسيداً واقعيّاً لآلية العمل هذه، حيث بدأت إرهاصاتها الأولى في شهر مايو/ أيار 2018 بعد أن انتشرت عريضةٌ احتجاجيّةٌ في الإنترنت، ردّاً على الارتفاع المستمر في أسعار المحروقات. تكاثرت بعدها "صرخات الغضب" في "فيسبوك" وتبلورت بأشكال عدّة: فيديوهات صوّرها مواطنون عاديون، سائقو الشاحنات تحديداً، مجموعات فيسبوكية مغلقة، أو تنظيم فعاليّات (events) على "فيسبوك". تزامنت هذه النداءات الغاضبة مع تحديثٍ مهم في خوارزميات عمل "فيسبوك"، بعد أن عانى الأخير من هروب أعداد كبيرة من روّاده باتجاه شبكاتٍ أخرى مطلع عام 2018. أعطى هذا التحديث الجديد المسمّى (Edgerank) أولويةً للعلاقات بين أفراد العائلة والأصدقاء على حساب الصفحات الإعلامية (باستثناء المدفوع منها طبعا)، وزاد من فرصة التبادل بين المستخدمين، ضمن نطاقٍ جغرافي محلي. كما أعطى الأفضليّة للصور والكلمات المفتاحية، فبمجرد تفاعل المستخدم مع محتوى ما؛ سيجد صفحته أًغرقت بعروضٍ لصفحات ومجموعات تتناول المحتوى نفسه. وسهّل هذا التحديث عمليّة تجميّع الغضب الشعبي في مجموعات محليّة مغلقة، وزاد من إمكانية التعاون وبناء عمل جماعي ما. وشكّلت هذه المجموعات على "فيسبوك" مجالاً لنقاشات وتبادلات ومقترحات متعدّدة، ونمتْ في رحمها البذرة الأولى للفعل الاحتجاجي الذي اندلع في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. كما استُخدمت في هذه المجموعات تقنية البث المباشر، حيث يقوم أحد مديري الصفحة، وهم القوّة الحقيقيّة المحرّكة للعمل الجماعي، بالتبادل بشكل شبه يومي مع المشتركين، ما ساهم في بروز أسماء (قيادات) كثيرة على المستوى المحلي.
نجحت مجموعات العمل المحلية في "فيسبوك" في نقل الغضب الجماعي من الحيّز الافتراضي المغلق إلى الحيّز المفتوح، ومنه إلى أرض الواقع، فهي ساهمت في كسر عزلة المواطنين،
وسهّلت التفاعل فيما بينهم على قاعدة الغضب والشعور بالظلم. أصبحت الروابط "الضعيفة" التي بنتها تلك المجموعات قويةً، وأكثر حيويّة خلال الاحتجاج الجماعي على الأرض. شهد عندها المجال "الفيسبوكي" في فرنسا نشاطاً غير مسبوقاً، حيث عدّلت مجموعاتٌ مغلقةٌ من خصوصيتها، وتحولت مفتوحة، وأُنشئت صفحاتٌ مفتوحةٌ جديدةٌ لتساهم في فرض الحدث على أجندة الوسائل الإعلاميّة المتنوعة. تكمن كلمة السّر السحرية هنا باتساع نطاق مرئيّة (visibility) الصفحة المفتوحة. بمعنى آخر، تستمد الأخيرة مشروعيتها واستمراريتها من تفوقها العددي، فصفحة تملك 20 ألف متابع لا تقارن بأخرى يزيد عدد متابعيها عن المليون، إلا أن إحراز التفوق العددي في "فيسبوك" ليس أمر تلقائيا، بل يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وخبرة تقنية عالية. لذلك لم تتمكّن صفحات كثيرة من الاستمرار، وغادرت المشهد لمصلحة صفحات أخرى، يديرها مستخدمون أكثر تنظيماً ومهنيةً في تطويع الجانب التقني/ الاجتماعي لـ"فيسبوك".
إذاً، شكّلتْ المجموعات المغلقة على "فيسبوك" قوّةَ الدفع الأولى التي ساهمت في تجميع الغضب وانفجاره عملا جماعيا محليّا منظّما. بُني هذا الأخير وتطوّر من خلال النقاشات والحوارات ضمن الجزر المغلقة، ومن ثم انتشرَ وأخذ بُعداً إعلامياً بفضل ما وفرته الصفحات المفتوحة من ممارساتٍ تقنيّةٍ ساهمت في رفع مستوى مرئية الحدث وفرص انتشاره.
بدايةً، لا بدَّ من توسيع زاوية الرؤية إلى "فيسبوك"، والنظر ليس فقط على أنّه شبكة تواصل اجتماعيّة؛ بل تناوله في إطاره الأوسع، باعتباره من أكبر الشركات الربحية في عالم الإنترنت، برأس مال قارب 12 مليار دولار في شهر إبريل/ نسيان 2018. وتعتمد أرباحه بشكل أساسي على تفاعلات المستخدمين (2.2 مليار مستخدم) ودوام اتصالهم والتصاقهم بالحائط الأزرق أطول وقت ممكن. ولذلك يطوّر "فيسبوك" شبكة معقدة من الخوارزميات، ويحدثها باستمرار، للحفاظ على رصيده البشري الذي يدرّ له مليارات سنوياً. وكل تصريحات "فيسبوك" التي تصرّ على أولوية العلاقات الإنسانية فيه، ومجابهة المعلومات الكاذبة، ما هي إلا واجهة لاستمرارية مملكته المالية، ولن تعنيه حقيقة التبادلات والعلاقات التي تُبنى من خلاله إلا بقدر عائداتها المادية.
يمنح "فيسبوك" الفرصة للمستخدمين في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم وميولهم بطرقٍ سهلة
هكذا، وبشكل شبه تلقائي، يقرّب "فيسبوك" بين المستخدمين المتشابهين في الميول والآراء، ويسهل بناء علاقة ما بينهم، بحيث ينتظم هؤلاء في جُزر متجاورة، مغلقة أو مفتوحة، يستطيعون من خلالها التفاعل حول قضيّة، أو أمر، أو حدث ما. والمجال متنوع ومفتوح لمختلف الميول والقضايا والتوجهات، سياسيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة أو ثقافيّة وغيرها.
ضمن هذا المنطق، يتبلور الاستخدام السياسي لـ"فيسبوك"، حيث الفرصة متاحة للمستخدمين الملتزمين بقضيّة ما، أو الغاضبين من واقع ما في التعبير عن آرائهم، وبناء علاقات ترابطيّة فيما بينهم، فمشاعر الغضب والإحساس بالظلم تنتشر بسرعة، وتشكل إطاراً عاماً جامعاً ومحفزاً للتعبير عن الغضب بشكل جماعي، حيث يشكّل "فيسبوك" عقدة وصلٍ تجمّع الغضب في حيّز افتراضي واحد، إلا أن اجتماع آلاف المستخدمين حول قضيّةٍ ما لا يعني بالضرورة مشاركتهم جميعاً في عملية تحديد ملامح وإطار عمل هذا التجمّع من خلال نقاشات وتبادلات مستمرّة. على العكس، فقد أثبتت دراساتٌ عديدة أن مستخدمين قليلين جدا ينخرطُون في نقاشاتٍ بنّاءةٍ وهادفةٍ في صفحات "فيسبوك" المفتوحة؛ وتكون أغلب التبادلات في صورة آراء مجرّدة، أو أحكام قيمة، أو مناكفات جانبية، تصل إلى حد الثرثرة أو التهجم والإساءة الشخصية.
إذاً، كيف تتحوّل حالة الغضب الجماهيري والشعور بالظلم إلى فعلٍ احتجاجيٍّ جماعيٍّ في "فيسبوك"؟ من يحدد إطار هذا الفعل، أدواته وأهدافه الأساسيّة؟ تكمن الإجابة في هيكليّة "فيسبوك" نفسه، وتنوّع العرض التقني الذي يوفره للمستخدمين، فبالإضافة إلى الحساب الشخصي، يتيح "فيسبوك" حيّزين رئيسيين للتجمّع والتبادل: المجموعات المغلقة والصفحات المفتوحة. يتيح الحيّز الأول تجميع المستخدمين من خلال اصطفاء استباقي، حيث لا يدخله إلا من هو "ثقة"، وملتزم بأفكار المجموعة وتطلعاتها. تتم في هذه المجموعات المغلقة عملية تحديد إطار المجموعة وهويتها، أهدافها، وطرائق عملها وآلياته، من خلال حوارات وتبادلات مستمرة، يشارك فيها غالبية أعضاء المجموعة. ولا يعني هذا الأمر بأي حال أن حيّز النقاشات محصور فقط في "فيسبوك"، بل هناك نوع من التكامليّة بين النقاشات في أرض الواقع، وتلك التي تجري عبر وسائل تواصل أخرى، إلا أنّ الصفة العامة لها أنها نقاشاتٌ على نطاق محدود نسبياً، وتتم بين أفرادٍ يحملون أفكاراً وتطلعاتٍ متقاربة. كما يرتبط انتقال تلك الأفكار وآليات العمل من الحيّز المغلق إلى الحيّز المفتوح بتهيؤ جملةٍ من العوامل الذاتيّة والموضوعيّة وبالسياقات السياسيّة/ الاجتماعيّة التي تُنتج فيها. وعندما يتحقق هذا الانتقال، تلقى مشاعر الغضب والإحساس بالظلم صدىً لدى عينةٍ واسعةٍ من المستخدمين في الصفحات المفتوحة.
يشارك هنا المستخدمون في عملية إحياء واستمرارية إطار وآليات العمل الجماعي المبنيّة مسبقاً، ليس بالضرورة من خلال النقاشات والتبادلات البنّاءة؛ إنما وبشكل أساسي من خلال ما يتيحه البناء التقني لـ "فيسبوك" من إمكانات وأساليب مشاركة تفاعليّة علائقيّة متنوّعة (نشر، إعجاب، مشاركة، استبيانات، وغيرها). إذاً، المجموعات المغلقة تحفّز المستخدمين على التبادل والنزوع للمشاركة في العمل الجماعي، بينما تزيد الصفحات المفتوحة من ميول المستخدمين للاستهلاك "السلبي" للمعلومة.
تعتبر حركة السترات الصفراء في فرنسا تجسيداً واقعيّاً لآلية العمل هذه، حيث بدأت إرهاصاتها الأولى في شهر مايو/ أيار 2018 بعد أن انتشرت عريضةٌ احتجاجيّةٌ في الإنترنت، ردّاً على الارتفاع المستمر في أسعار المحروقات. تكاثرت بعدها "صرخات الغضب" في "فيسبوك" وتبلورت بأشكال عدّة: فيديوهات صوّرها مواطنون عاديون، سائقو الشاحنات تحديداً، مجموعات فيسبوكية مغلقة، أو تنظيم فعاليّات (events) على "فيسبوك". تزامنت هذه النداءات الغاضبة مع تحديثٍ مهم في خوارزميات عمل "فيسبوك"، بعد أن عانى الأخير من هروب أعداد كبيرة من روّاده باتجاه شبكاتٍ أخرى مطلع عام 2018. أعطى هذا التحديث الجديد المسمّى (Edgerank) أولويةً للعلاقات بين أفراد العائلة والأصدقاء على حساب الصفحات الإعلامية (باستثناء المدفوع منها طبعا)، وزاد من فرصة التبادل بين المستخدمين، ضمن نطاقٍ جغرافي محلي. كما أعطى الأفضليّة للصور والكلمات المفتاحية، فبمجرد تفاعل المستخدم مع محتوى ما؛ سيجد صفحته أًغرقت بعروضٍ لصفحات ومجموعات تتناول المحتوى نفسه. وسهّل هذا التحديث عمليّة تجميّع الغضب الشعبي في مجموعات محليّة مغلقة، وزاد من إمكانية التعاون وبناء عمل جماعي ما. وشكّلت هذه المجموعات على "فيسبوك" مجالاً لنقاشات وتبادلات ومقترحات متعدّدة، ونمتْ في رحمها البذرة الأولى للفعل الاحتجاجي الذي اندلع في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. كما استُخدمت في هذه المجموعات تقنية البث المباشر، حيث يقوم أحد مديري الصفحة، وهم القوّة الحقيقيّة المحرّكة للعمل الجماعي، بالتبادل بشكل شبه يومي مع المشتركين، ما ساهم في بروز أسماء (قيادات) كثيرة على المستوى المحلي.
نجحت مجموعات العمل المحلية في "فيسبوك" في نقل الغضب الجماعي من الحيّز الافتراضي المغلق إلى الحيّز المفتوح، ومنه إلى أرض الواقع، فهي ساهمت في كسر عزلة المواطنين،
إذاً، شكّلتْ المجموعات المغلقة على "فيسبوك" قوّةَ الدفع الأولى التي ساهمت في تجميع الغضب وانفجاره عملا جماعيا محليّا منظّما. بُني هذا الأخير وتطوّر من خلال النقاشات والحوارات ضمن الجزر المغلقة، ومن ثم انتشرَ وأخذ بُعداً إعلامياً بفضل ما وفرته الصفحات المفتوحة من ممارساتٍ تقنيّةٍ ساهمت في رفع مستوى مرئية الحدث وفرص انتشاره.
دلالات