"فلان الفلاني": مانيفستو الثورة

25 يناير 2019
اللي معرفش اسمه دايما بقول يابن عمي(فريدريك سلطان/Getty)
+ الخط -
من المكاسب الحقيقية التي حققتها ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني عام 2011، ظهور الشاعر الشاب مصطفى إبراهيم، الذي أنتج قصائد إبان الثورة تعبّر عنها وتسطر تاريخها بأبيات من الشعر. ومن بين هذه القصائد، جاءت قصيدة "فلان الفلاني" التي لخّصت الحالة الثورية، وأهم ما شهدته من أحداث وأبرز ما رسخته من قيم نبيلة تجسّدت داخل ميدان التحرير.
فمع اندلاع المسيرات من جميع أنحاء مصر، والتي بدا فيها المتظاهرون كجيش جرار يضم مئات الآلاف يهتفون بصوت ترتج له الشوارع: "يسقط يسقط حسني مبارك"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، في مواجهة قوات الأمن والجنود المسلحين بالرصاص المطاطي، والخرطوش، وعبوات الغاز، والعربات المصفحة والمجهزة بمضخات الماء، والتي واجهها الشباب بالإصرار والصلابة والتكاتف، كانت القصيدة حاضرة لتصوّر ذلك كله، فقالت: "فلان اللي كان بيناولني القزايز ويقفلها بعد أما أعبّيها جاز.. فلان اللي يشرب ويسألني عايز؟ فلان اللي كان وشه مليان قزاز.. فلان اللي مطلعش جوّه البرامج وكان بس صوته في قلب الهتاف.. فلان اللي روح أكل واستحمّى فلان اللي ضايع في وسط الآلاف.. فلان اللي غرقّلي خل الكوفيه وشالني ساعة لما جت طلقه فيا.. فلان اللي مات يومها تلزمله ديه من ابن الفلاني اللي كل لحمه حاف".
تبدأ القصيدة بالحديث عن شخص ما مجهول وتقول: "فلان الفلاني اللي كان يومها جنبي ساعة لما بدأوا في ضرب الرصاص". ومن هذا البيت يبدأ الشاعر قصيدته التي غنّاها مصطفى أمين رحلته مع ذلك الـ"فلان" في أيام الثورة قائلاً: "فلان الفلاني اللي معرفش اسمه دايما بقول يابن عمي وخلاص".
جسّدت القصيدة أنبل المشاعر والقيم التي نشأت بين الثوار مثل الإيثار والشهامة والنخوة، مثل إقامة بعض من شباب الأطباء مستشفى ميدانيا في مسجد خلف عمارات الميدان مباشرة، استقبل الجرحى، وعالج الآلاف، واستشهد فيه كثيرون، كما صورت الأُلْفة المذهلة التي نشأت بين جميع مَن هم بالميدان، وصورت أيضاً الصداقات والقيم الجميلة التي افتقدها المجتمع، مثل التهذب، والاستئذان، وتقاسم الطعام، فقالت: "فلان اللي سابلي بقيت سندوتشه ليلة لما شافني بغنّي وجعان.. فلان اللي مش فاكرَه غير شكل وشه فلان اللي عداكي جوه الميدان".
كما صورت مشاهد الأمل الذي سكن الثوار طوال الـ18 يوماً قبل خلع حسني مبارك في البيت الذي يقول: "فلان اللي فتشني بالابتسامة فلان اللي قال هو فعلا حيمشي". و"فلان اللي قاللي حيتنحّى بكره وحنفرح ونرقص وراح تبقى سهره". في الوقت نفسه الذي جسدت معنى التسامح عندما قال الشاعر: "فلان اللي قاللي طريق السلامة ساعة لما قولنا زهقنا وحنمشي". و"فلان اللي مرضيش ياخد مني أجره ساعة لما قلت إني رايح مظاهرة".
الآن، منذ انقلاب الثالث من يوليو، ذهبت هذه النصوص، أو "البيانات الثورية"، أدراج الرياح. أما أصحاب النصوص، فانكفؤوا على أنفسهم، وابتعدوا عن هذا المشهد تماماً، بسبب التضييقات الأمنية التي تعرّض إليها كثير من الفنانين والمثقفين. وراح إعلام السيسي، الآن، يحتفي بأشباه شعراء وشاعرات، يكتبون نصوصاً في غاية الركاكة، ويُظهرهم على الشاشات على أنّهم مبدعون. كما اتجه كثيرون من الشعراء إلى الكتابة بصورة سوداوية، بعيدة كل البعد عن ذلك الأمل الذي منحتهم إياه الثورة.

المساهمون