"عواصم الثقافة": كما تنتقل الأعراس

29 مايو 2017
(من مدينة صفاقس العتيقة، تصوير: زاهر كمون)
+ الخط -

في نهاية آذار/ مارس من السنة الجارية، اختتمت فعاليات تظاهرة "صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016"، وسلمت المشعل إلى مدينة الأقصر المصرية. ظننّا وقتها أن سجل هذه التظاهرة بما عرفته من انتقادات كثيرة وبعض الملامح الإيجابية قد طُوي إلى الأبد، غير أن اسم "صفاقس" عاد من جديد إلى صدارة المشهد الثقافي التونسي بتتابع ظهور مجموعة من الإصدارات خلال الأسبوعين الأخيرين، أي أن هذه الكتب التي كانت منتظرة خلال أيام التظاهرة لم يكتب لها الظهور إلا بعد اختتامها.

يلتقي ذلك مع ما يحدث في الجزائر مع فيلم "عبد الحميد بن باديس" والذي كان هو الآخر من ضمن مشاريع "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015" ولكن ها هو لا يرى النور إلا في منتصف 2017.

حيال ذلك، يمكننا اعتبار أن مسألة التأخّر ليست متعلّقة بصفاقس وحدها، بل ربما بكامل فكرة عواصم الثقافة العربية، ومدى جدّية الالتزام ببرامجها. لا بدّ أن نذكر أيضاً تساؤلات المتابعين (وعددٍ من الفنانين الذين برمجوا) عن العديد من الفعاليات التي جرى الإعلان عنها ولم تر النور طوال التظاهرة في المسرح والفنون التشكيلية والسينما وغيرها، رغم المدّة الزمنية الطويلة التي كانت أمام المشرفين.

فهل إن هؤلاء عليهم أن ينتظروا مزيداً من الوقت كي تنفّذ تلك البرامج كما حدث مع الكتب؟ ولكن، أي معنى لمثل هذه المنجزات بعد انتهاء الدورة؟ وإذا جرى تنفيذها بالفعل ألسنا وقتها إزاء أكثر من "عاصمة ثقافية" في العالم العربي؟

بالعودة إلى مجموعة الكتب الصادرة مؤخراً، نقرأ على أغلفتها عناوين مثل "التعليم في جهة صفاقس قبل الاستعمار الفرنسي" لـ علي الزيدي، و"صفاقس جدلية الماء والظمأ" لـ يوسف الشرفي، و"قراءة في ديوان علي غراب الصفاقسي" لـ سهيرة شبشوب، و"مصطفى الفارسي روائياً" لـ مصطفى الكيلاني، و"أنطولوجيا السرد في صفاقس" لـ عبد المجيد بن البحري ومحد دمّق، و"مدوّنة النقائش العربية بمعالم مدينة صفاقس" لـ فوزي محفوظ ولطفي عبد الجواد.

لا نحتاج إلى تأويلات بعيدة كي نرى أن هذه القائمة من العناوين ذات نزعة محلّية مبالغ فيها، لا تتماشى مع التوجّهات العامة لتظاهرة ذات بُعد عربي، وتهدف إلى إشعاع ثاني أكبر المدن التونسية. ينبغي هنا أن نلاحظ عاملاً بارزاً آخر هو اعتماد أسماء أكاديميين في تأليف هذه الكتب، ومعظمهم من أبناء صفاقس أيضاً.

ما يحدث عن منشورات "صفاقس" أو مع فيلم "قسنطينة" يؤكّد أن مشروع عواصم الثقافة العربية الذي ينتقل من مدينة إلى أخرى بحاجة إلى مراجعة عميقة، فالمسألة ليست مجرّد احتفالات تنتقل من هنا إلى هناك كما تنتقل الأعراس من بيت إلى آخر، إذ إن فكرة هذه التظاهرة تقوم على إيجاد فضاء ثقافي عربي جامع، ووضع لبنات دينامية ثقافية مستمرة. ما أبعدنا عن كل ذلك.

المساهمون