الفصل الثامن
الخروج من سورية كواجب
أردنا نشر هذه الصور لكي تعلم عائلات المتوفّين في معتقلات النظام أن أقاربهم قد توفوا. كان يجب أن يدرك هؤلاء ماذا كان يحصل في السجون ومراكز الاعتقال، ذلك أنه عندما سيسقط بشار الأسد، سيعمل النظام على تدمير كل الأدلّة التي تدينه، هذا أمر مؤكد.
لكن لماذا يحتفظ النظام بهذه الصور؟ غالباً ما كنتُ أطرح على نفسي هذا السؤال. لماذا يوثّق جثث ضحايا التعذيب ويحتفظ بصورهم؟ أنا مجرد شخص بسيط ولست سياسياً، وسأجيب بكل بساطة: الأجهزة الأمنية للاستخبارات لا تنسّق في ما بينها. لا يعرف كل جهاز ما يفعله الجهاز الآخر. كل من هذه الأجهزة يدير تنظيمه بنفسه ويعمل وفق مصالحه، من القضاء العسكري والأجهزة الأمنية...
النظام يوثّق كي لا ينسى شيئاً
منذ خمسين عاماً، توثّق الشرطة العسكرية أدلّة حوادث ووفاة الجنود لمصلحة القضاء العسكري. النظام يوثّق كل شيء لكي لا ينسى شيئاً. من أجل ذلك، يقوم بتوثيق قتلاه. الصور الفوتوغرافية تفيد القضاة والمحققين. هي ضرورية لإتمام الملفات. إن قرر القضاة يوماً ما إعادة فتح هذا الملف أو ذاك، سيحتاج إلى هذه الصور. بعد انطلاق الثورة، وخلال الحرب، لم يفعلوا إلا الاستمرار بهذا الروتين، لا أكثر، من دون أن يتصور النظام أن هذه الصور قد تنقلب يوماً ما ضدّه.
اقرأ أيضاً: "الهولوكوست المصور": ضحايا تعذيب النظام السوري في المشافي العسكرية
تشعر الأجهزة الأمنية السورية بأنها تتمتع بحصانة مطلقة. لا يتصوّر ضباطها وعناصرها بأنه قد يأتي يوم يتمكن فيه أحد ما من محاسبتهم على تجاوزاتهم. يدرك هؤلاء أن قوى كبرى تساند النظام. كما أنهم لم يتخيلوا يوماً أن هذه الصور يمكن أن تخرج إلى العلن وتُنشر في الخارج.
في الحقيقة، أتساءل إن كان مسؤولو الأجهزة الأمنية أكثر غباءً ممّا نتصور. فهؤلاء، المشغولون بقمع المتظاهرين، ونهب الشعب، وقتله، نسوا أن تجاوزاتهم موثقة. أنظروا إلى الهجوم الكيميائي على منطقة غوطة دمشق. كان المسؤولون يعرفون جيداً أنه ستكون هناك أدلة تدينهم، وعلى الرغم من ذلك استهدفوا المنطقة.
لكن في العمق، لماذا يقوم النظام بتصوير كل هذه الجثث التي تعرضت للتعذيب حتى الموت؟ وحده النظام يمكنه الإجابة بدقة على هذا السؤال. حتى أنني على ثقة بأنه لا يزال يصوّر الجثث على الرغم من الصور التي سرّبتُها ونشرتها. كما أنني على ثقة بأن عناصر النظام لا يزالون يعتقدون بأن المتظاهرين والثوار من الجيش السوري الحر هم "إرهابيين" مدفوعين من عملاء أجانب وأنهم يدمرون سورية. في بداية الثورة، كان معظم العسكريين يظنون ذلك. بعدها، أدرك كثير منهم أن ذلك ليس صحيحاً، لكن بعدما سفكت الكثير من الدماء.
أذكر جيداً عندما قام النظام بالإفراج عن "جهاديين" شاركوا في حرب العراق ضد الأميركيين، بعدما كان قد اعتقلهم لدى عودتهم من العراق إلى سورية. حينئذٍ، تساءلنا متفاجئين في قسمنا بجهازنا الأمني: لماذا يقوم بالإفراج عنهم؟ في حينها، لم أتحدث شخصياً مع أي من هؤلاء المعتقلين، لكنهم أُحضروا إلى المقر العام للشرطة العسكرية. كان يتم جلب من يشملهم العفو الرئاسي إلى مركزنا، بما أن كل من وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية العسكرية يرسلون أوامر إلى الشرطة العسكرية والشرطة المدنية.
كان الموقوفون يصلون إلى مقرنا (الشرطة العسكرية) بحافلات مسيَّجة بقضبان حديدية. كان يتم تجميعهم في الباحة ويتم إبقاؤهم في سجن الشرطة العسكرية لما بين 24 ساعة و48 ساعة، قبل أن يتم إرسالهم ليمثلوا أمام قاضٍ يصدر أمر الإفراج عنهم.
العفو عن مقاتلي العراق
كان عناصر الشرطة المولجين بمراقبتهم يتبادلون الأحاديث في ما بينهم. كانوا يتساءلون عن كيف بإمكان النظام الإفراج عن أشخاص حاربوا في العراق. لم يكن هؤلاء يفهمون السبب.
طيلة عامين نسختُ خلالهما الوثائق (الصور)، خفتُ على حياة أفراد عائلتي وعلى حياتي الشخصية. لكنني كنتُ قد سلكتُ طريقاً ولم أكن قادراً أن أعود أدراجي وأن أتراجع. كان عليّ أن أنهي ما بدأتُه. كنتُ على ثقة بأنني سأتوقف يوماً ما عن أداء هذا العمل، لكنني لم أكن أعرف متى بالتحديد. كنتُ أؤجّل هذا الموعد. لكن كان على الأمور أن تسير قدماً، وكان عليّ أن أغادر.
في أحد الأيام، شعرتُ أنني أصبحتُ في خطر متزايد. كان الخطر سبباً في جعلي مصمماً على اتخاذ قرار الخروج إلى المنفى. كان الأمر قاسياً. كنتُ قلقاً. لكن كنا قد خسرنا منزلنا وأعمالنا، وكنا نعيش منذ أشهر في شقة أعارنا إياها أحد معارفنا.
لم يخطر على بالي يوماً أنني سأكون مضطراً إلى مغادرة بلدي. قبل الثورة، كنا نعيش حياة متواضعة، بسيطة، لا نضرب حسابات لليوم التالي، من دون طموحات كبيرة. لم نزر يوماً المناطق الجميلة في سورية. لم يكن لدينا لا الوقت ولا المال لفعل ذلك. لم أكن قد ذهبتُ إلى السينما سوى مرتين في حياتي. لم أكن قد سافرتُ يوماً خارج البلد. لم يكن لديّ جواز سفر أساساً، بما أن المجندين خلال فترة خدمتهم العسكرية كما الجنود وعناصر أجهزة الاستخبارات، لا يسمح لهم بالسفر.
اقرأ أيضاً: أسيرات القهر في رحلة العذاب
عاش جيل أهلي تحت سلطة حافظ الأسد، وتلاه ابنه. لا شيء يمس الحياة اليومية يمكن أن يحصل من دون موافقة الأجهزة الأمنية: الزواج والطلاق والسفر إلى الخارج، حتى اختيار اسم العلم للطفل، كل ذلك كان يتطلب موافقات أمنية. اعتاد السوريون على الحياة في هذا الظلم. صار قوتهم اليومي. كنا نعاني. عندما يتراكم الألم، يتعلّم الإنسان التعايش معه.
اللحظة الحاسمة للخروج
في صباح أحد الأيام، كنتُ في المكتب، وقررت أن أبيت ليلتي هناك لأن عددَنا لم يكن كبيراً، ولم يكن مسموحاً لنا بالذهاب إلى منازلنا. كانت لديّ مهمة لتأديتها خارج دمشق وضاحيتها. في لحظتها، قررتُ الخروج وعدم العودة. عندما وضعتُ قدمي خارج مبنى عملي في الشرطة العسكرية، كنتُ حزيناً وسعيداً في آن واحد. حزين لمغادرة الأصدقاء الذين عملتُ معهم لفترة طويلة، وللذهاب نحو المجهول. لكنني كنتُ سعيداً للتخلّص من هذا الضغط اليومي القاضي بتصوير الأجساد وما يرافق ذلك من تعريضي للتوقيف. لم نكن نعرف أبداً ماذا يخبئ لنا غدنا.
مع اجتيازي بوابة المجمع العسكري، لم أفكر بأهلي. لم أفكر سوى بأن أكون بأمان: كيف أجتاز الحدود بسلامة؟ تملّكني خوف كبير. شعرتُ باطمئنان نسبي بسبب المهمة العسكرية التي من المفترض أن أنجزها والتي تسمح لي بأن أعبر بحرية نسبية الحواجز في دمشق وضواحيها.
كان لدي موعد مع عضو في المعارضة عند محطة حافلات. كانوا قد وصفوا لي الشخص المذكور وكان بدوره يعرف شكلي. كان لدى كل منّا رقم هاتف الآخر في حال احتجنا للتواصل، على الرغم من أن هاتفي كان مراقباً. كان ذلك اللقاء يحمل المخاطر. كنتُ أخشى أن يخونني ذلك الشخص وكان بدوره يخاف أن أكون جاسوساً عند النظام. لحسن الحظ، كنتُ أعرف المكان، وهذا ما طمأنني. تعرفنا إلى بعضنا البعض، من دون الإكثار من الكلام، صعدنا في سيارته وانطلقنا.
فاجأني هذا الشخص لكونه كان يعرف الكثير من الناس. لقد عبرنا عدداً من الحواجز حتى من دون أن يُطلب منّا إظهار بطاقاتنا الشخصية. ثم سلكنا طريقاً فرعية يملأها الحصى وقلما تسلكها السيارات للخروج من دمشق. وبعد اجتيازنا حوالي 50 كيلومتراً، سلّمني هذا الشخص لرجل آخر الذي سلمني بدوره لثالث لم أكن أعرفه نهائياً. كان يتم تسليمي إلى شخص مختلف كلما كنا نجتاز نحو 50 كيلومتراً. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تسمح لك بالتجول في سورية اليوم. عليك مرافقة أشخاص يعرفون مناطقهم جيداً، طرقاتها ودروبها غير المراقبة لتفادي الحواجز. لكن الدقائق التي تتخلل تبديل السيارة والسائق كانت فعلاً مثيرة للقلق لدي. كنتُ أتساءل: هل سيخونني هذا؟ هل أنا بأيدٍ أمينة؟
ثم وصلتُ إلى الحدود الجنوبية. مكثتُ هناك لفترة من الوقت في منزل أحد الأشخاص الموثوق بهم، في منزله العائلي، مع أولاده وزوجته. كانت الزوجة تعرف أنني منشق لكن لم تكن تدرك ما كانت وظيفتي بالتحديد. كانت تلك المنطقة الحدودية المعروفة باحتضانها المنشقين، محاصرة من قوات النظام.
كان عليّ انتظار اللحظة المناسبة لاجتياز الحدود بشكل غير شرعي. بعد بضعة أيام، بدأتُ أملّ من المكوث في المنزل. خرجتُ وشاهدتُ جمعيات تساعد المدنيين وتوزع عليهم المواد الغذائية من طحين وحليب. كانت تلك المساعدات مصدرها دول عربية وغربية. في أحد الأيام، ولحظة توزيع المساعدات، سقط صاروخ على بعد 20 متراً من تواجدنا. فكرت أن ذلك لم يكن بالصدفة، وأن الجيش يملك مخبرين من دون شك في المنطقة!
اقرأ أيضاً: درعا: وفاة أم "شهداء التعذيب" قهراً على أبنائها الستة
العيش وأنت جائع
مع مرور الأيام، صارت العائلة التي أمكث عندها تعاملني كجزء منها. لكنني كنتُ أشعر بأنني أشكل ثقلاً عليهم. كان أفراد العائلة عديدون، وكانت المواد الغذائية نادرة. كانت الجدة تحضّر بنفسها الخبز لأن المخبز في البلدة سبق أن دمّره النظام.
عندها، فهمتُ ماذا يعني أن تعيش وأنتَ جائع في منطقة محاصرة. في دمشق، في منطقة سيطرة النظام، كان لدينا خبز وما نشتريه لنأكله. لم نكن ندرك فعلاً في دمشق أن جزءاً من الشعب السوري يعاني من الجوع. فحيث مكثتُ في المنطقة الحدودية، كان الناس يقفون في الصف لساعات من أجل الحصول على كيس صغير من المواد الغذائية. لم أتصوّر يوماً أنني سأعيش هذه اللحظات.
كنتُ أخرج أحياناً خلال النهار إلى الحدائق المجاورة. كانت لا تزال هناك محاصيل زراعية. كنتُ أقطف العنب. كان سكان تلك المنطقة أسخياء. لم يكن من المستحسن أن أبتعد كثيراً عن المنزل. في مساء أحد الأيام، عاد رب المنزل إلى البيت ولم يجدني هناك وغضب مني عندما عدتُ. كان يخشى أن أكون قد وقعتُ في قبضة مخبري النظام أو المجموعات المسلحة المتطرفة.
اجتزتُ الحدود مختبئاً في سيارة. عندما دخلتُ إلى البلد الحدودي، وجدتُ العديد من أفراد عائلتي في انتظاري. كنتُ سعيداً بلقائهم بأمان. لكن هذا البلد كان يعجّ بالعملاء ولم نكن مطمئنين. هناك، كان العديد من المنشقين قد تمت تصفيتهم. كنا نتوخّى عدم مخالطة الكثير من السوريين اللاجئين بكثرة إلى هذا البلد. مكثنا هناك لأشهر عدة، قبل أن نلجأ إلى أوروبا.
سامي وأبو خالد
لا يستطيع قيصر سرد كيف تمت حمايته. في مطلع العام 2013، كان ثوار من الجيش السوري الحر يراقبونه بسرية. من دون أن يعلم، وطيلة أشهر، كانوا يتعقبون كل تحركاته عن بُعد. كان المسؤول عن هؤلاء، أبو خالد، رجل قصير القامة، مقلّ في الكلام، من منطقة القلمون. أضاع أبو خالد ورجاله، لمرتين، المخبرين، قبل أن يُخرجوا الأدلة الجرمية التي جمعوها في المستشفيات العسكرية بالمزة وتشرين.
كان قد مر عامان على الثورة وعلى سقوط سورية في الحرب. صارت خارطة سورية مقطعة إلى أجزاء: بقع خاضعة للنظام، وبقع أخرى تمسك المعارضة بزمامها وتحاول إرساء إدارة جديدة فيها مثلما كان حاصلاً في الشمال، قرب الحدود التركية. كانت بعض خطوط الجبهات تستقر لفترة، وتتحرك أخرى. كان قد صار مستحيلاً التنقل بين منطقة وأخرى عبر الطرقات الرئيسية. كان لزاماً معرفة أين تُنصب حواجز الطرف المعادي، والتأكد من الطرقات والدروب التي تسمح بتفادي الحواجز، مع ما يفرضه هذا لناحية سلوك طرقات طويلة تتطلب ساعات وأحياناً أياماً.
دخل تنظيم "داعش" إلى الساحة السورية وهمّه محاربة المعارضة أكثر من قتال النظام، وصار إخراج قيصر من البلد أمراً طارئاً. صار قيصر واقعاً أكثر وأكثر بين نارين، واقعاً ضحية الشعور بالذنب لمشاركته، رغماً عنه، بمجازر النظام. أراد التوقف عن مواصلة مهنته مراراً، لكن كل مرة كان هناك من يقنعه بالاستمرار لأنه وحده كان قادراً على جمع الأدلة من داخل النظام. كان صديقه سامي على اتصال مع ناشط من المعارضة "المعتدلة" والسلمية يقوم بإرسال الصور المسربة، عبر البريد الإلكتروني المشفّر إلى الخارج. تم جمع الآلاف من هذه الصور بهذه الطريقة عبر قيصر وإرسالها إلى الخارج. هل كان على قيصر مواصلة عمله هذا، تحت خطر أن يفتضح أمره، في حين أنه الشاهد الرئيسي على آلة الموت التي يديرها بشار الأسد؟
في يوميات الحرب واستمرار عملية قيصر، لم تكن حساسية هذا الملف ظاهرة بالضرورة. من أجل إدراك حساسية الملف، كان يجب الإمعان في النظر إلى تلك الصور، واستعراضها ببطء. الإمعان في النظر إلى تلك الضحكة على هذه الوجوه اليافعة، لاستيعاب أنها وجوه جنود من النظام السوري، يضعون قفازات الأطباء الجراحين في أياديهم. سوريون يستعرضون وهم يجلسون القرفصاء أمام الكاميرا، سعداء أمام جثث سوريين آخرين. كان يجب التوقف أمام الصورة، بفزع، صورة جثة جارٍ أو قريب.
يعرف سامي هذه المعاناة ويعرف فعاليتها. قرر إرسال الصورة التي وجدها على القرص الصلب في حاسوب أحد أصدقائه وهو طبيب مسجون من قبل النظام، لأبو خالد. في الحرب السورية، تتم ملاحقة كل من يعمل في المجال الطبي. فهم يعتنون بالجرحى أياً كانوا ـ متظاهرين سلميين أم ثوار مسلحين أو سكان حي تسيطر عليه المعارضة أو حتى مليشيا تابعة للنظام ـ ويعتبرهم النظام "إرهابيين".
منذ الأشهر الأولى للثورة، لم تعد المستشفيات العامة آمنة. كانوا يبترون من دون سبب طبي أيدي الناشطين، أو يتركون متظاهرين مصابين بجروج طفيفة يموتون. من أجل معالجة المدنيين، بدأ الأطباء بالعمل في السر، في المطابخ والأقبية والغرف الصغيرة التي لا تنطبق عليها معايير النظافة ومع نقص في كل ما يحتاجونه من مخدّر ومطهّر وغيرها من الأدوات الطبية...
وبشكل مشابه للناشطين والثوار، اتخذ الكثير من العاملين في المستشفيات أسماء وهمية، لتجنب الكشف عن هويتهم وحماية عائلاتهم. في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، تم استهداف المستشفيات بشكل مقصود عن طريق قذائف وصواريخ النظام. أن يكون المرء طبيباً أو ممرضاً أو مساعداً طبيّاً، يوازي اليوم خطر حمل كلاشينكوف على جبهة القتال.
كان سامي يعرف إذاً ما يفعله حين أرسل صورة جسد ذاك الطبيب لأبو خالد. تم توقيف الرجل على حاجز تابع للجيش النظامي حين كان في طريقه لمقابلة قائد الجيش السوري الحر. تعذّب حتى الموت: تورّم وجهه، وتخلخلت عظامه ووصلت صورته وفق القنوات الرسمية إلى أرشيف الشرطة العسكرية. ومن ثم عن طريق قيصر على قرص صلب من قبل سامي. وأخيراً على الحاسوب الخاص بأبي خالد. وهنا كانت الصدمة.
في اليوم التالي، سلك سامي طريق المزرعة العائلية لأبي خالد، التي تقع في مرتفعات القلمون والمعزولة في الجبل، والتي تطل على بضعة تلال هي دفاع طبيعي ضد المعتدين. هناك تحدث الرجلان مطولاً. قال أبو خالد "علينا مساعدة قيصر على الانشقاق، وعليه أن يخرج حياً من البلاد، وأن تصل صوره للعالم أجمع".
نظّم أبو خالد هروب البطل المجهول. اجتاز قيصر الحدود وهو يختبئ داخل سيارة. عشرات الملايين من الملفات سجلت على قرصين صلبين، واحد مع نسخ الصور أرسل عبر البريد الإلكتروني بنوعية منخفضة الجودة إلى الخارج، والآخر مع الصور الأصلية بنوعية عالية الجودة بقي في سورية. سيقوم أبو خالد لاحقاً باجتياز الجبال على الحدود اللبنانية بشكل سري لتهريب القرص الصلب وتسليمه لسامي في بيروت.
الكشف اقترب وزمن العدالة يأتي بعده.
اقرأ أيضاً: معتقلات الأسد.. النصل الذي يزيده العالم إيغالاً