انتظرت سيدة كينيا الأولى، لوسي كباكي، إنهاء زوجها مواي كباكي كلمته التي أكد فيها أنه لم يتزوّج إلا من امرأة واحدة، قبل أن توجه نقداً لاذعاً إلى الصحافيين الذين لطالما نشروا "أخباراً" عن زوجة ثانية للرئيس، مؤكدين هيامه بها وهجره زوجته الأولى.
ويأتي موقف السيدة الأولى في المؤتمر الصحافي وإصرارها على نفي زوجها للشائعات التي طاولت حياتهما الخاصة، ليؤكد أنها لم تفقد حظوتها لدى الرئيس، وأنها ما زالت المسيطرة والمتحكمة وأنّ كبرياءها هو الذي دفعه إلى القول على الملأ: "أريد أن أوضح أنّ ليس لديّ سوى زوجة واحدة عزيزة عليّ، وهي لوسي الموجودة هنا".
وتتعدد نماذج السيدات الأُوَل اللاتي تركن بصمة خاصة في القصور الرئاسية في الدول الأفريقية. على الرغم من أنّ المرأة الأفريقية ما زالت تعاني من التمييز والاضطهاد في مجتمعها، إلا أنّ بعض السيدات الأُوَل في القارة السمراء كسرن القاعدة وأصبحن الآمرات الناهيات ليس فقط في قصورهن ومحيط العائلة الحاكمة بل، أيضاً، في أعلى مستويات السلطة وصنع القرار.
من بين الصور التي ظهرت بها السيدات الأُوَل في أفريقيا، نجد الورعة والمحافظة على التقاليد الأفريقية والوفيّة لذكرى زوجها، وكذلك المتسلطة المحبة للمال والترف، وأحياناً الخائنة للزوج حتى لو كان رئيس البلاد.
خيانة الزعيم
كان في إمكان ويني ماديكيزيلا مانديلا، أن تصبح واحدة من أكثر زوجات الرؤساء الأفارقة تأثيراً، كما كان في إمكانها أن تصبح رئيسة جمهورية جنوب أفريقيا خلفاً لزوجها الزعيم الشهير، نيلسون مانديلا، الذي اكتفى بولاية واحدة. كان لها كل ما تحلم به كامرأة سياسيّة طموحة. كانت لها المكانة والصيت الدولي وكاريزما مانديلا، بالإضافة إلى تاريخها في النضال ضمن "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي". لكن ويني فقدت مكانتها واهتزت الصورة التي ظهرت بها، وهي ترفع يد مانديلا عندما أطلق سراحه، بسبب خيانتها له وارتباطها بعلاقة غرامية مع دالي مبوفو مسؤول في الحزب.
بعدما اكتشف مانديلا قصة الخيانة، ألغى دور السيدة الأولى لترافقه ابنته ماكي في أكثر أنشطته الاجتماعية والسياسية، قبل أن ينفصل الزوجان بهدوء. وفي خطاب إعلان طلاقهما، قال: "أنفصل عن زوجتي بلا اتهامات مضادة، وأضمها بكل الحب والحنان اللذين كننتهما لها داخل جدران السجن وخارجه.. الحب والحنان اللذان شعرت بهما حيالها منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها". لكن المقرّبين منه آنذاك أكدوا أنه صفح عن جميع أعدائه السياسيين، لكنه لم يستطع الصفح عن زوجته.
اقرأ أيضاً: هروب من "دار النعيم"
الأكثر أناقة
تعد شانتال بيا زوجة رئيس الكاميرون بول بيا مثالاً صادقاً على المرأة التي تنطلق من الصفر إلى القمة أو من "الشارع إلى القصر" كما دوّنت في مذكراتها. في مسيرتها كسيدة أولى، حظيت شانتال باحترام كل الأفارقة وإعجابهم بسبب اهتمامها بالعمل الإنساني ونشاطها الخيري في مساعدة الأطفال ومكافحة الإيدز. واشتهرت شانتال بأناقتها وتسريحات الشعر الغريبة، وكانت سفيرة للأناقة والقيم الثقافية الأفريقية، فيما اختيرت أكثر من مرة "السيدة الأولى الأكثر جاذبية" في أفريقيا.
أما غريس موغابى زوجة رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، فقد لعبت الدور الأسوأ الذي يمكن أن تلعبه سيدة أولى، وهو الحكم من وراء ستار. استغلت غريس تقدّم زوجها في العمر (92 عاماً) لتسيطر على البلاد، خصوصاً بعد إقالة نائب الرئيس وعدد من كبار المسؤولين. وحالياً تقوم "الأم غريس" كما يطلق عليها أنصارها، بحملة لخلافة زوجها الذي أمضى 36 عاماً على رأس الدولة.
ويحفل سجلّ غريس بتجاوزات عديدة، لعلّ أبرزها سحب 140 ألف دولار أميركي للسفر في رحلة إلى هونغ كونغ، في وقت كان شعب زيمبابوي يعاني. وكانت رحلاتها إلى عواصم الموضة الأوروبية محلّ انتقادات الصحافة التي أطلقت عليها لقب "العميل الأول" للمحلات الأوروبية، وكانت ترد عليهم قائلة: "هل التسوّق جريمة؟". ويدافع موغابي وهو أقدم زعيم أفريقي، عن أسلوب حياة زوجته وسكرتيرته السابقة، غريس ماروفو، نافياً تهمة البذخ عنها. لكنه لم يستطع تبرير صعود زوجته السريع وتورّطها في تجارة الألماس من منجم مارنج (شرق).
البذخ وهوس التسوق
لاحقت تهمة البذخ وحياة الترف كثيرات من زوجات رؤساء أفريقيا، من بينهن كونستانسيا أوبيانغ، عقيلة رئيس غينيا الاستوائية ثيودورو أوبيانغ، التي كانت مولعة بالتسوق والسفر وشراء الشقق والشاليهات في أهم المناطق السياحية حول العالم. منذ الطفرة النفطية في غينيا الاستوائية، أصيبت السيدة الأولى، أوبيانغ بهوس التسوق، وبحسب وثائق ويكليكس تملك أوبيانغ ثروة تقدّر بـ 600 مليون دولار، الأمر الذي يجعلها واحدة من أغنى السيدات الأول في جميع أنحاء العالم.
وتسبّبت مغامرات بعض السيدات الأُوَل في كشف حجم الفساد المادي في محيط أزواجهن، الأمر الذي أدى إلى سقوط الأخيرين ومحاكمتهم. سوزان غباغبو زوجة رئيس ساحل العاج السابق، لوران غباغبو، لفتت الأنظار إليها لحجم الإنفاق بصورة عشوائية والثروة التي راكمتها مع زوجها في غضون سنوات قليلة. وهو الأمر الذي شكل بداية سقوط حكم زوجها الذي أطاحت به ثورة شعبية سبقتها أحداث عنف أدّت إلى مقتل ثلاثة آلاف شخص. بعدما عثر على غباغبو وزوجته في مخبإ سري في العاصمة أبيدجان، حُكم على سوزان بالسجن 20 عاماً.
أما جان بيديل بوكاسان، رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى سابقاً، فقد بدأ يفقد قبضته على السلطة حين فرض ارتداء زي رسمي موحد في المدارس، إذ اجتاحت الاحتجاجاتُ البلادَ لأن مصدر هذا الزي كان زوجته كاترين. على الإثر، غادر الزوجان قسراً الحكم والبلاد وعاشا في منفاهما الفرنسي.
اقرأ أيضاً: "شبيكو" تحكم الموريتانيين وتخنقهم
تنافس الضرائر
في موريتانيا، تُعدّ ختو بنت البخاري، السيدة الأولى الأكثر إثارة للجدل من بين "رئيسات" البلاد، بسبب نفوذها القوي إبان حكم زوجها الرئيس السابق، سيدي ولد الشيخ عبدالله، وتدخلها في شؤون الدولة والتمويل الذي تمنحه الدول والمؤسسات لموريتانيا. وقد تسبب خلافها مع جنرالات الجيش في انقلاب عسكري، أنهى حكم ولد الشيخ عبدالله، وحوكم بتهم استغلال النفوذ والفساد.
وكانت بنت البخاري قد فرضت نفسها على المشهد السياسي في موريتانيا، مع إعلان ترشح زوجها للانتخابات الرئاسية، وكانت محط اهتمام الصحافة وجميع الموريتانيين. وقد لعبت دوراً محورياً في الحملة التي قادت زوجها إلى الحكم. وبعد الإطاحة بحكم زوجها، واجهت تهماً بالفساد المالي واستغلال السلطة واقتحمت الشرطة منزلها مرات عدة واقتادتها قسراً إلى التحقيق. وقد جُمّدت الدعاوى القضائية كلها بعد توصل الفرقاء السياسيين في موريتانيا إلى اتفاق يقضي باستقالة الرئيس وتنظيم انتخابات جديدة.
وتأتي عائشة بنت الطلبة في المرتبة الثانية من حيث أكثر السيدات الأول إثارة للجدل في موريتانيا، وقد تطوّر حضورها في المشهد السياسي في آخر حكم زوجها الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع. مراقبون كثر يرون أنها من أسباب الانقلاب على حكم ولد الطايع، فيما تتهمها المعارضة بالتورط في ملفات فساد والتربح غير المشروع في مجالات العقار والنفط.
وإذا كان لقب السيدة الأولى يُمنح تلقائياً لعقيلة الرئيس، ففي بعض الحالات النادرة كان تدخل الرئيس يحدد من هي "السيدة الأولى" ضرورياً. في جنوب أفريقيا وفي حفل تنصيب الرئيس جاكوب زوما، حضرت زوجاته الثلاث، سيزاكيلي كومالو ونومبوميليلو ناتولي وثوبيكا مابهيجا. وقد وقع اختيار زوما، وهو أول رئيس متعدد الزوجات في جنوب أفريقيا، على زوجته الأولى لتقف إلى جانبه وهو يؤدي القسم، ولتكون بذلك السيدة الأولى. لكن الخلافات ما لبثت أن دبّت بين الزوجات لتصدر الرئاسة بياناً تؤكد فيه عدم وجود سيدة أولى رسمية، وأنّ النشاطات التي تقوم بها عادة السيدة الأولى سوف تقسم بين الزوجات، فيما يبقى حضور المراسيم يعتمد على اختيار الرئيس.
اقرأ أيضاً: "فيتو" على سفر الموريتانيّات إلى الخارج