"سيكاريو": أضداد في عالم الجريمة

05 اغسطس 2015
بلانت في لقطة من الفيلم
+ الخط -

بعد عامين على فيلمه الناجح "سجناء"، يعود المخرج الكندي دينيس فيلنوف في جديده "قاتل مأجور" إلى الجريمة كموضوع لفيلم آخر ومحرّك أساسي لصناعة دراما جذابة.

وفي الفيلمين معاً، يبدو أنه يعرف كيف ينتقل في هذا الموضوع الرحب، ويقدّم في كل مرة أشياء تحمل أسلوبه، وتبتعد عن معرفة الناس بالأبعاد الجامدة لهذا الموضوع الفني.

"سيكاريو" اسم كان يطلق في الماضي على بعض المتعصّبين من اليهود، وهو يعني الآن في المكسيك "القاتل المأجور". وإلى المكسيك، سيتم إرسال فريق تابع لـ"مكتب التحقيقات الفيدرالي" بقيادة العميلة كيت ماسي (تمثيل إيملي بلانت)، في مهمة سرية للقضاء على تجارة المخدرات على الحدود الأميركية المكسيكية.

يقتحم الفريق في أول عملياته منزلاً في ضواحي أريزونا، يكتشف فيه عشرات الجثث المتعفنة والمتخفية وراء جدران البيت، ثم يتم تكليف ماسي بالتعاون مع ماتْ (تمثيل جوش برولين)، الذي قدّم نفسه كعميل فيدرالي، لكن ماسي لم تطمئن له بسبب حالة الغموض التي تشوب تحرّكاته.

سينضم لها كذلك العميل أليخاندرو (تمثيل بينيثيو ديل تورو)، ثم يدخل الفريق غمار حرب كبرى في منطقة مضطربة وعنيفة، من أجل الوصول إلى متزعّم العصابة وقطع رأس الأفعى.

تستمر ماسي في تتبّع مصادرها، ويزداد الشك والغموض بين هذا الثلاثي، وإصرار كل طرف منهم على سلوك طريق مغاير لمحاربة تجار المخدرات، لتبقى ماسي وفية لمبادئها في العمل بينما اندفع زميلاها وراء رغبتهما في الانتقام والعنف عملاً بقاعدة "الغاية تبرّر الوسيلة".

الفيلم الذي كتب نصه تايلور شريدين، يركز على جوانب كانت مهملة في أفلام الجريمة، لدى المجرم والشرطي، كالدوافع وردود الفعل.

فالنص يبوح في أماكن كثيرة منه بلحظات اتخاذ الإنسان لقرارات خاطئة بخصوص مصائر الآخرين، ويترك الأسئلة معلّقةً هكذا؛ من دون إجابات سهلة ومباشرة، بل يدفع المشاهد إلى التفاعل مع الأحداث والمشاركة في بناء المعنى على غير عادة أفلام الحركة والجريمة.

وما يميّز أعمال دينيس فيلنوف، هو حفره العميق في قضايا مكرّرة لديه بأساليب مختلفة كقيمة الحياة لدى الإنسان، عندما يصرّ في أفلامه دائماً على التقاط مشاهد القتل والخطف والتعنيف، ثم البحث في دوافع الإنسان للقتل والانتقام، خصوصاً في فيلميه السابقين "سجناء" (2013) و"العدو" (2013)، ويمكن اعتبارهما بمعية "قاتل مأجور" ثلاثية تتحرّك داخل المجال نفسه.

إضافة إلى عنايته الكبيرة بالتقاط مشاهد الفيلم، خصوصاً لحظة تتبع الكاميرا لإطلاق النار وخليط الغبار المتناثر، تتوسّطه أشعة الشمس ومزيج ألوان مناسب بين الأصفر والبني بمختلف مستوياته.

الفيلم نجح أيضاً في رسم التقابلات بين مفهومي الخير والشر وفق تصوّر فني ذكي من المخرج، فيه الكثير من الحث على التفكير، وتقليب المعنى بخلاف أفلام الجريمة المعتادة.

ويبدو أن صاحب "حريق" انتبه منذ وقت مبكر من مسيرته إلى أهمية وقيمة الأسماء داخل أفلامه، تحديداً في تعامله المستمر مع الممثل جاك جيالنهال ثم هيو جاكمان، الآن يختار لفيلمه ثلاثة أسماء مهمة هي إميلي بلانت وجوش برولين وبينيثيو ديل تورو، وهذا الثلاثي أعطى دفعة كبيرة للفيلم، وربما كانوا أحد أهم عوامل دخوله المسابقة الرسمية لـ "مهرجان كان" لهذا العام.

يمكن اعتبار فيلم "قاتل مأجور" أحد أهم الأفلام المنتجة هذه السنة، فقد ترك انطباعاً جيداً ضمن المسابقة الرسمية لـ "مهرجان كان"، وجمهور السينما ينتظر نزوله القاعات قريباً، ليس فقط لأن اسم مخرجه صار لوحده ضامناً لجودة أفلامه، بل بفضل الأسلوب الفني الذي يتمتع به أيضاً والذي صار له عشاق كثر.

المساهمون