"داعش" تخدم نظماً عربية

13 أكتوبر 2014
+ الخط -

إرهاب داعش الذي تحذّر واشنطن العالم منه، يشبه نووي صدام حسين. وأشك أن نظاماً عربياً واحداً يعتقد بما تروجه واشنطن من مبالغات في خطر داعش و"الإرهاب" الذي تحمله إلى العالم. لكن، لكل دولة عربية أسبابها في مشاركة واشنطن الحرب، بدءاً بالانصياع التقليدي للمطالب الأميركية، ولو بعد تمنُّعٍ ومساومة، وانتهاءً بالرغبة في تقنين التدخل العسكري العربي، بعيداً عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ومن دون قرار أممي، أو حتى تفويض من جامعة الدول العربية. وهذا، بذاته، أمر يستحق التوقف عنده طويلاً، وتحليل تداعياته بصورة معمقة، لا تكفيها مساحة هذه الزاوية.
لكن، ثمة سبب آخر، ربما أهم، يتجلى في الإلحاح العربي على واشنطن توسيع نطاق تلك الحرب، لتطال تنظيمات وجماعات إسلامية أخرى. فالهدف العربي ليس داعش لذاتها، وإنما بداية تكتمل باستهداف جماعات الإسلام السياسي، في مقدمتها "الإخوان المسلمون". وبعيداً عما إذا كان مفهوم الإرهاب ينطبق فعلياً، سواء على داعش أو "الأخوان"، فالعرب ليسوا أكثر قيمية ولا مبدئية؛ وإلا لما قبلوا مجاراة واشنطن، بينما يتهمونها بالانتقائية وازدواجية المعايير. ذلك الهدف العربي واضح ومعلن، مقايضة صريحة: قتال داعش في مقابل تصفية "الإخوان" وغيرها من الحركات الإسلامية السياسية غير الجهادية.
لا أحد يسأل عن أسباب، أو طرق، تضخم خطر داعش التي كان عدد مقاتليها حتى ما قبل دخولها الموصل بأسابيع قليلة، دون خمسة آلاف، وفقاً للتقديرات الأميركية. وهي التقديرات نفسها التي قفزت، لاحقاً، بالرقم، وعلى نحو مفاجئ، إلى ثلاثين ألفاً. وفضلاً عن مبالغات غير منطقية في عدد العناصر التي تقاتل في صفوف داعش، فإن عمليات التأهيل والانضمام والتدريب، ثم المشاركة في العمليات، لم تكن تجري في كوكب آخر، بعيداً عن أعين أجهزة دول كثيرة. بل إن تقارير غربية كثيرة تناولت بالرصد تدفق مئات من جنسيات أوروبية، وغيرها، إلى سورية، وانضمامهم إلى الجماعات الجهادية المسلحة هناك، على مدى الأعوام الثلاثة منذ تحولت الثورة السورية حرباً مسلحة. ولم تجر أي محاولة لوقف هذا التدفق، حتى بعد أن تعاظمت قوة جماعات وصفت بالمتشددة، قبل أن يعتبرها الغرب إرهابية، مثل جبهة النصرة وداعش والنقشبندية وغيرها. بل إن دولاً عربية كانت سباقة في تعديل مواقفها، ولو ظاهرياً، فاتخذت إجراءات لاستعادة المقاتلين من أبنائها مع تلك الجماعات، ومنع انضمام جدد إليها. لكن، الملفت أن ذلك التطور ترافق مع تجريم جماعات الإسلام السياسية، أيضاً، وليست الجهادية فقط. ولما كانت بعض تلك الدول العربية متهمة، أصلاً، بالتورط في دعم تلك الجماعات الجهادية وتمويلها وتسليحها، فإن التخلي عنها فجأة، وتجريمها، يبدو مجرد غطاء لتمرير تجريم الأخرى السياسية. من هنا، يأتي التناقض المحسوب في المواقف العربية من حرب أميركية مفتعلة على تنظيمٍ، يعلم العرب يقيناً أن خطره أقل كثيراً مما يزعم الأميركيون، بل ربما كانت نظم عربية أكثر دراية من الأميركيين والغرب بإمكاناته وارتباطاته. الأمر عند العرب، ربما أكثر مما عند واشنطن والغرب، لا صلة له بمشروعية تلك الحرب، قانونياً أو أخلاقيا، ولا حتى بجدواها عملياً.
كانت داعش وأخواتها في خدمة دول ونظم عربية، بقتالها ضد نظام الأسد ومحاولتها إطاحته. ثم ها هي حالياً في الخدمة مع تغيير الوظيفة، لتنتقل لدى الدول نفسها من طرف يستحق الدعم والغطاء إلى مساحة التجريم والعداء.
داعش هي داعش، هي التي ترتكب حالياً إرهاباً تكفيرياً مذموماً، ونفسها التي كانت تباشر ضد بشار جهاداً ثورياً محموداً. لم تتغير، ما تغير هو الموقف تجاهها، وكيفية الاستفادة منها. بل ما زاد عليها من قوة وما صدر عنها من تهديدات، والفضل الأكبر فيه للأطراف التي تقصفها حالياً، وتحذر من مخاطرها.

 


 

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.