هذا الواقع الجديد تزامن مع رغبة تركية تبدو جدية بحلّ "الهيئة"، وتهديد روسي باستمرار العملية العسكرية في إدلب ما لم يتمكن الأتراك من تفكيك هذا التنظيم سلمياً. كل هذه المعطيات وضعت "هيئة تحرير الشام" أمام خيارات صعبة ومصيرية، تختلف عن كل المراحل والتكتيكات السابقة، والتي تعاطت فيها "الهيئة" ببراغماتية، بحسب "متطلبات المرحلة"، من تغيير اسمها أكثر من مرة، الى فك ارتباطها إدارياً بتنظيم "القاعدة"، إلى تبني مطالب الثورة السورية صورياً، إذ أن تركيبة تنظيم شمولي كـ"النصرة" من الصعب جداً أن يتخذ قراراً يتعلق بتفكيك نفسه من أجل مصلحة عامة، أو استجابة لمطالب شعبية، الأمر الذي قسم قياداته بين صقور يرفضون فكرة حلّ التنظيم أو حتى انصهاره ضمن فصائل الجيش الوطني، وفريق آخر يقبل بفكرة الانصهار شريطة أن يكون له دور قيادي ضمن التشكيل الجديد. كما برزت مشكلة المقاتلين الأجانب في التنظيم التي ما زالت دون حل. ومما صعّب من مهمة "النصرة" في هذه المرحلة، طريقة أدائها خلال المعارك في كل من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والتي أفقدت التنظيم كل مبررات وجوده، فهو من ناحية لم يستطع الصمود أمام هجمات النظام، وبالتالي ذريعة أن حل "الهيئة" سيجعل إدلب فريسة سهلة أمام النظام لم تعد مقبولة، ومن ناحية أخرى، يرى كثيرون أن تنظيم "الهيئة" ساهم بحصار "جيش العزة"، الأمر الذي اعتبره سكان تلك المناطق مؤامرة للقضاء على الفصيل الثوري الوحيد الأقل ارتباطاً بأجندات دولية.
وأمام هذا الواقع الجديد من المتوقع أن يشهد الشارع السوري مزيداً من التصعيد ضد "جبهة النصرة"، مع مزيد من الضغط من قبل تركيا، التي في حال لم تنجح بإقناع "النصرة" بتفكيك نفسها وفق آليه ترضي روسيا، فقد تشهد المنطقة تصعيداً عسكرياً شاملاً ضد "الهيئة" إما من خلال الفصائل المدعومة من تركيا، أو من خلال إعطاء الذريعة للنظام وروسيا لاستكمال عمليتهما العسكرية في المنطقة وقتل المزيد من المدنيين، لتبقى "جبهة النصرة" هي المشكلة الأساسية في المنطقة وذهابها هو بداية الحل.