يستمتع أطفال مخيم الأزرق للاجئين السوريين في الأردن هذا الصيف بتناول "البوظة" (المثلجات)، وهذه متعة تتحقق لهم للمرة الأولى بعد فصول الصيف التي قضوها منذ إقامتهم في المخيم، في منطقة صحراوية معزولة.
توفُّر "البوظة" في المحال التجارية التي يملكها اللاجئون داخل المخيم، حدثٌ أسعد الطفل منتظر (12 عاماً) الذي يكشف أنه يتناولها للمرة الأولى منذ قدومه إلى المخيم قبل عامين، فيما يذكر صديقه أحمد (14 عاماً) أنه تناولها الصيف الماضي عندما غادر المخيم برفقة العائلة في إجازة لزيارة أقارب يقيمون في العاصمة.
أصبحت "البوظة" حدثاً ممكناً بعد وصول التيار الكهربائي إلى المخيم في يناير/كانون الثاني الماضي، كما يقول صاحب محل "حلويات الخير" حسين أبو ركبة. يشرح: "قبل الكهرباء كنا ننتج حلويات فقط. وبعد الكهرباء أحضرنا ماكينات البوظة واشتغلنا فيها مع بداية الصيف".
وصول التيار الكهربائي إلى المخيم مطلع العام الجاري ساعد على تحسين معيشة سكان المخيم، بعد أن اعتمدوا طويلاً على مصدر وحيد للطاقة والضوء يتمثّل في الفوانيس الشمسية التي كانت تصرف لهم لحظة وصولهم إلى المخيم، والتي لم تلبِ الحدود الدنيا من احتياجاتهم. لكن التيار الكهربائي الذي وصل من خلال شركة الكهرباء الوطنية، شكّل تحدياً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تمثل بفاتورة مالية قدرت قيمتها بنحو 1.5 مليون دينار سنوياً، وعدم وصول الخدمة إلى جميع سكان المخيم، لذلك دشنت المفوضية، أول من أمس الأربعاء، محطة لتوليد الطاقة الشمسية داخل المخيم بكلفة تقارب تسعة ملايين دولار.
وستوفّر المحطة في المرحلة الأولى الكهرباء على مدار الساعة لنحو 20 ألف لاجئ من أصل 35 ألفاً عدد القاطنين في المخيم ليصار في المستقبل القريب توفيرها لجميع اللاجئين. وقالت نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة كيلي كليمنتس إن "الطاقة الشمسية ستوفر من كلف التشغيل للمخيم بشكل يمكننا من استثمار المال في سبل أخرى لدعم اللاجئين". وبافتتاح المحطة يكون مخيم الأزرق حاز لقباً عالمياً هو "أول مخيم للاجئين في العالم يستخدم الطاقة المتجددة".
وتشير كليمنتس إلى أثر التيار الكهربائي في تحسين ظروف عيش اللاجئين، فهو "يوفّر بيئة أكثر أماناً لجميع سكان المخيم، ويعطي الأطفال فرصة للدراسة بعد غروب الشمس، وقبل كل شيء يسمح لجميع سكان المخيم بأن يعيشوا حياة أكثر كرامة".
تلك الآثار يلمسها الطفل في الصف الرابع الابتدائي، عبد الله الأسعد، الذي يشير إلى أنه كان يضطر لإنهاء واجباته المدرسية قبل حلول الظلام، حتى لا يجد نفسه يتمّمها على ضوء الفانوس أو الشموع. وفيما يعدد عبد الله التغيرات التي طرأت على حياته منذ وصول الكهرباء بالقول "الحين بحلّ واجباتي بأي وقت، وكمان بتابع الرسوم على التلفزيون، وبشرب ميه باردة"، يعبّر شقيقه الصغير حسن عن فرحته بالتيار الكهربائي "زمان كان اطفي اطفي، هسا أضوي أضوي".
وفيما يفرح الأطفال بالبوظة والتلفزيون وحرية إنجاز الواجبات المدرسية، يتحدّث الكبار عن أثر أعمق تركه وصول الكهرباء. تقول الأربعينية أم أحمد: "وين كنا ووين صرنا". بعد أن عاشت اللاجئة التي وصلت إلى المخيم بعد شهرين من افتتاحه، حياة شبه بدائية، تغسل خلالها ملابس العائلة على يديها، وتطارد الظل هرباً من حرارة مسكنها المبني من المعدن والذي يتحوّل خلال فصل الصيف إلى ما يشبه الفرن الحراري، وتبرّد مياه الشرب بالفخار الملفوف بقطع القماش، أصبحت تمتلك اليوم غسالةً حديثة ومروحة وتلفزيون، وتنتظر خلال أيام قليلة شراء ثلاجة.
ومثلما تغيّرت حياة اللاجئين داخل مساكنهم، تغيرت خارجها كذلك، إذ باتوا يستطيعون الخروج مساءً لقضاء حوائجهم، والتجول بأمان أكثر، بعد أن أضيأت شوارع المخيم.