"النهضة" تقامر بوحدتها

16 ديسمبر 2014

حمادي الجبالي ... هل تصدق توقعاته ؟ (فبراير/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -
يبدو أن حركة النهضة لا تزال معرضة لمزيد من دفع ثمن اختياراتها في مرحلة ما بعد الثورة، فبعد أن خسرت موقع القوة السياسية الأولى في تونس، في الانتخابات البرلمانية، ها هي تخسر الرجل الثاني فيها. فاستقالة حمادي الجبالي منها، في هذه المرحلة بالذات، ليست حدثاً بسيطاً، على الرغم من أن الاستقالة كانت منتظرة منذ انسحابه من الأمانة العامة، وبعد غيابه عن معظم اجتماعات هياكل الحركة. وعلى الرغم من حضوره الشكلي في فعاليات المؤتمر الصحافي لانطلاق الحملة الانتخابية للحركة، فإن ذلك لم يكن سوى آخر محاولة لإنقاذ صورة "الجماعة الموحدة".
لم يكن الجبالي ضمن الفريق الأول الذي أسس "الجماعة الإسلامية في تونس" مع مطلع السبعينيات. فذاك الجيل لم يبق منه سوى الشيخين راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، في حين اختفى البقية بين من خرج أو أُخرج أو توفي أو فضل البقاء بعيداً عن عالم السياسة. مع ذلك، سيتعزز دور الرجل الذي يدرج ضمن الجيل الثاني للحركة تدريجيا، إلى أن تولى رئاسة الحركة في ظروف المواجهة الحاسمة في المرحلة الأخيرة من حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، ثم كان من أول سجناء الجنرال زين العابدين بن علي، ليس فقط لإدارته صحيفة الفجر، الناطقة باسم الحركة، وإنما الأهم كونه أب التنظيم الذي تمت إعادة بنائه تحت إشرافه، بشكل استطاع أن يصمد قبل أن ينهار كلياً تحت ضربات الأجهزة الأمنية. ولهذا السبب، وبفضل صموده داخل السجون فترة تجاوزت 16 عاما، واستئناف السعي من أجل تنشيط الخلايا النائمة للحركة، بعد الإفراج عنه، يحظى الجبالي بتقدير واسع من كوادر الحركة الأساسية وقواعدها. وكان يعتبر الرجل الأقرب لخلافة الغنوشي في المستقبل.
لم ينجح حمادي الجبالي في تسيير شؤون الدولة، ولم تساعده حركة النهضة على تحقيق نتائج أفضل في أثناء رئاسته الحكومة. هذا ما يقوله ويؤكده في جلساته الخاصة. وعندما حاول أن يفصل بين الحكومة والأحزاب، بما في ذلك النهضة، رفض الغنوشي ذلك بقوة، واعترض عليه مجلس الشورى، فلم يجد سبيلاً لحماية ماء الوجه سوى الاستقالة من الحكومة. حرصت القيادة على الاحتفاظ بالسلطة، فخرجت منها بعد أشهر، من دون أن تحقق الحق الأدنى الذي كان سيضمنه الجبالي، وهو حكومة تكنوقراط برئاسة نهضوية.
أصبح الوضع، اليوم، مختلفا. لم تكن استقالة الجبالي الأولى من نوعها، إذ انسحب أعضاء عديدون، وأسسوا حزباً منافساً لحركة النهضة، أطلق على نفسه "حزب البناء الوطني". لكن، تبين أن تأثيره بقي محدوداً جدا. ولا يعرف إن كانت لاستقالة الجبالي تأثيرات تنظيمية كبرى، خصوصاً وأنه لم يعلن عن رغبته في تأسيس حزب جديد، وإنما أعلن عن رغبته في تأسيس جمعية تدافع عن الحريات. لكن، من المتوقع أن تفتح استقالته الباب أمام استقالات أخرى لكوادر أقل حجما وقيمة.
دخلت قيادة حركة النهضة في مغامرة حرجة، عندما أصرت على البقاء على الحياد في الجولة الثانية للرئاسية، على الرغم من ضغوط تعرضت لها من داخل التنظيم، ومن خارجه، لدفعها نحو الانحياز علناً للمنصف المرزوقي. وحتى تتمكن هذه القيادة من المحافظة على مصداقيتها وحماية الحركة من أي تفكك أو نزيف قوي، فإنها في حاجة إلى شرطين: أن يفي الباجي قايد السبسي بوعوده احترام الحريات العامة، وعدم الالتفاف على المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة، ويقطع الطريق أمام عودة المنظومة القديمة التي سيكون الإسلاميون في مقدمة ضحاياها. وأن تنجح الحركة في إفشال محاولات عزلها وإخراجها نهائيا من طبخة الحكومة المقبلة.
إذا حصل العكس، وخرجت الحركة من المولد بلا حمص، فستدفع ثمناً غالياً على جميع الأصعدة. عندها، تصدق توقعات الجبالي، وتفشل براغماتية الغنوشي.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس