"الموت الجميل" على أسرّة العمر الطويل... وقد كدنا ننساه

03 ديسمبر 2014
الموت الذي نتوقّعه.. ولا يغدر بنا (Getty)
+ الخط -


"اذكروا محاسن موتاكم"، حديث منسوب إلى النبي محمّد (ص). ونحن في لبنان لم نَعتَد أن نفعل شيئاً غير أن نذكر مساوىء موتانا. يصير الموت منصّة هجوم، خصوصاً في السياسة. أصلاً معظم "الموت" الذي أصابنا في السنوات العشر الأخيرة موت "مقصود". قل هو: قتلٌ، وليس موتاً بالمعنى "العادي".

على الأرجح هذا ما اعتاد البشر على فعله منذ بدء التاريخ، وإلا لما خاطب رسول الله البشرَ ليأمرهم بذكر محاسن موتاهم. لكنّه، بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية غير المعلنة في لبنان، اختلف الأمر في الأيّام القليلة الفائتة.

فقد بثّت التلفزيونات صور جنازة الفنانة صباح، وهي جنازة كانت أقرب إلى الاحتفال. ليس الاحتفال كما يفعل أخوة "الشهيد" وأقرباؤه ورفاقه، بأن يرقّصوا نعشه، بل الاحتفال لأنّ الراحلة طلبت ذلك.

كذلك بثّت التلفزيونات اللبنانية، في كلّ بيت، صور جنازة الشاعر سعيد عقل، مرفقةً بالأغنيات التي كتبها والقصائد التي غنّاها له مطربون لبنانيون أبرزهم فيروز.

جنازتان "سعيدتان" مقارنة بالجنازات التي شهدها اللبنانيون خلال العقد الفائت. جنازات النوّاب المقتولين، والمدنيين المتفجّرين، والجنود المقتولين على الحدود، والأطفال المقطّعي الأوصال، وصراخ النسوة وشهيق الرجال ودموع المشاهدين التي تختلط بالدماء النازفة من الشاشات.

كما لو أنّ لبنان استعاد "هيبة" الموت، واقتنع اللبنانيون بأنّ "الموت حقّ" وليس "عِقاباً"، أن الموت يصيب من يستحقّونه، وليس من لم ينتبهوا إليه، من ينتظرونه وليس من يغدرهم.

هو موت بلا متفجّرات ولا رصاص. بلا أحقاد مذهبية ولا رهانات خارجية. موت على أسرّة العمر الطويل. ماتوا، صباح وسعيد عقل ونهوند، وقد شبعوا من الحياة، وليس مثل الأطفال الذين تسرقهم الخلافات السياسية من أشهرهم القليلة، أو من سنواتهم الطرية، أو من شبابهم القليل. وليس مثل الذين سرقتهم رصاصات احتفال طائشة، ممزوجة بالحقد الأعمى على الحياة.

هم أعادوا إلى الموت معنىً كنّا شارفنا على نسيانه. الموت على الفراش، الموت الهانىء والهادىء، الموت العاديّ والطبيعيّ، الموت البسيط، بلا تكلّف، كما اعتاد أجدادنا أن يموتوا، في أعمار متقدّمة.

هو الموت الذي لا يؤذي أحداً. اليافعون يدفنون الكبار وليس العكس، الأبناء يدفنون آباءهم وليس العكس. هو الموت الذي ننتظره، وينتطره من ماتوا، وليس الموت المفاجىء.

كما لو أنّ لبنان تذكّر أنّ الموت قد يصير عادياً، وأنّ القتل ليس قَدَراً، والتفجيرات ليست حتميّة تلاحقنا. سعيد عقل ذو الأعوام الـ102 وصباح التي شارفت على الـ90. ربّما إذا جمعنا أعمار من يموتون في تفجير بيروتيّ واحد قد لا يصل إلى 192.

كما لو أنّ الموت استعاد عمله الطبيعيّ. وكما لو أنّ لبنان قد استعاد "الموت الجميل"، الذي لا يهبط كحجرة حزن وغضب ساطع في بحيرة خيباتنا اللبنانية اليومية.

المساهمون