"الاعتراف بدولة فلسطين" في قلب البرلمان الفرنسي

29 نوفمبر 2014
بدأت رحلة الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين (باتريك كوفاريك/فرانس برس)
+ الخط -

من كان يتصوّر حقاً، أن تدخل قضية فلسطين البرلمان الفرنسي، باعتبارها موضوعاً مركزياً للنقاش؟ لم يتم ذلك حتى عندما اعترف الرئيس ياسر عرفات بإسرائيل، وألغى الميثاق الوطني الفلسطيني، وحتى حين زار فرنسا واستقبله عشرات الآلاف من الفرنسيين والعرب، دلالة على الاعتراف به كرجل للدولة.

بغضّ النظر عن المداولات ونتائجها، وتحديد خريطة الدولة الفلسطينية وغيرها من المواضيع والشروط، فإن ذكر فلسطين لم يعد مرتبطاً بالتصرفات المعادية للسامية، بل إن غالبية الشعب الفرنسي تتقبّل فكرة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس.

وتبدو إسرائيل قلقة، لأن فلسطين أصبحت شأناً مهماً في الحياة السياسية الفرنسية بامتياز، وظهر ذلك عبر تكريس صحيفة "لومانيتيه"، لسان حال الحزب الشيوعي الفرنسي، ملفاً شاملاً في عددها الصادر، أمس الجمعة، للحدث التاريخي.

وعنونت الصحيفة على صفحتها الأولى، "الدولة الفلسطينية: النواب الفرنسيون على موعد مع التاريخ". وعرّجت على استطلاع جديد للرأي، يشير إلى تأييد 63 في المائة من الفرنسيين الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
والغريب أن هذا الاستطلاع، الذي أجرته وكالة "إيفوب"، يكشف أن 50 في المائة من أنصار "الجبهة الوطنية" و56 في المائة من أنصار "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، اليمينيين، يؤيدون الاعتراف بفلسطين، في حين تصل النسبة لدى الاشتراكيين إلى 79 في المائة، وتبلغ ذروتها لدى "جبهة اليسار" بنسبة 85 في المائة.

كما أجرت الصحيفة لقاء مع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، أكد فيه على مسؤولية فرنسا التاريخية. علماً أن "لومانيتيه"، كرّست موضوعاً طويلاً، على صفحتين، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحربه ضد الفلسطينيين، بمن فيهم فلسطينيو الداخل.

وتناولت صحيفة "لوموند" موضوع الاعتراف بدولة فلسطين في عدد أمس، وعنونت على صفحتها الأولى: "الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بين الدعم الحقيقي والاعتراف بالعجز". وذكرت في الموضوع الذي خصّصت له صفحتين، أن "الفلسطينيين بدّلوا من تكتيكاتهم في الأمم المتحدة. فالرئيس محمود عباس يريد نقل مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن". ورأت الصحيفة في خطوته "خطة عمل دبلوماسية، يخشاها الإسرائيليون الذين باتوا في موقع المُتَّهَم".

وتطرّقت الصحيفة إلى موقف البرلمان الأوروبي، وكتبت أن "اليمين الأوروبي نجح في تأخير التصويت إلى شهر ديسمبر/ كانون الأول". وهو ما يرى فيه النواب اليساريون الأوروبيون رغبة في دفن المشروع من قبل اليمين الأوروبي، الذي قال مسؤول فيه "إن الاجتماعيين الديمقراطيين وجدوا في فلسطين وسيلة للحياة، ولكن الوقت ليس مناسباً".

من جهتها، أجرت صحيفة "ميترو"، لقاءً مع نائب من يسار الحزب الاشتراكي، الوزير السابق، بنوا هامون، أحد المبادرين لفكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، شدد فيه على أن "الوقت بات مناسباً للاعتراف بفلسطين". وأضاف أن "هذا الاعتراف الرمزي إن حصل، سيتسبب في اعترافات أخرى، ويتيح للرئيس فرانسوا هولاند، الاعلان عن مبادرات على المستوى الأوروبي".

ولم يفت هامون التذكير بأن "الاعتراف هو طريقة، من قبل الاشتراكيين الفرنسيين، ليعلنوا عن وفائهم للخط السياسي الذي ندافع عنه، منذ خطاب الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في الكنيست الاسرائيلي سنة 1982". كما أجرت الصحيفة لقاء مع رئيس الأقلية اليمينية في البرلمان، كريستيان جاكوب، سخر فيه من مبادرة الاشتراكيين، ورأى أن "الأمر عبارة عن بعض نواب لن يتمكنوا من حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لأنها مسألة تُعالَج على مستوى الدول ورؤساء الدول".

ويشاطر قادة يمينيون آخرون، جاكوب موقفه، ومنهم رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون، وانضم إليهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي نصح، في لقاء له مع صحيفة "لوفيغارو" اليمينية، رفاقه بألا "يصوّتوا على قرار الاعتراف بدولة فلسطين". وسبق لـ"لوفيغارو"، أن أجرت استفتاء بين قرائها حول مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووصل عدد المؤيدين إلى 55 في المائة.

وسمحت الصحيفة لبعض الإسرائيليين المؤيدين لخطوة الاعتراف بالتعبير عن آرائهم، ولكنها منحت مجالاً أوسع لرافضي الاعتراف، ومن بينهم الأمين العام السابق لـ"أطباء بلا حدود" ومؤسس "أطباء العالم"، ريشار روسين، الذي وجّه رسالة مطولة تحمل عنوان "القرار الاشتراكي من أجل فلسطين: الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة"، يطلب فيها من النواب رفض الاعتراف. وبرّر أن "الاعتراف، إن حصل، فسيشعل نيران حرب آتية مع إسرائيل".

المساهمون