08 نوفمبر 2024
"الإخوان المسلمون" بين النزعة المحلية والمعارضة في المنفى
درجت جماعة الإخوان المسلمين (مصر) على القول إن التواصل مع الجهات الخارجية يكون من خلال الدولة وتحت سلطتها، غير أنه بعد إزاحة الرئيس محمد مرسي من السلطة، ظهرت توجهاتٌ لا تتسق مع الميراث التقليدي، فمن جهةٍ اتجهت الجماعة إلى زيادة نشاطها السياسي في الخارج. ومن جهةٍ أخرى، زادت كثافة الاتصالات مع حكومات (وبرلمانات) دول غربية، باعتبار هذه الاتصالات من النشاط السياسي والمعارض للحكومة في مصر، وهو ما يلقي بظلالٍ على منهجية تناول السياسات الداخلية، والتي هي محل خلاف مع الدولة.
وقد استقرّت قاعدة الانضواء تحت مظلة الدولة منذ لقاء الرئيس أنور السادات مع مرشد جماعة الإخوان المسلمين الراحل عمر التلمساني في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وحتى تنحي الرئيس حسني مبارك في 2011، حين استقر النقاش حول مسألتين: التأكيد على أن قبول دعوة السفارة البريطانية يكون بموافقة وزارة الخارجية المصرية، وأن مناقشة المسائل الداخلية تكون بين المصريين وليس مع الأجانب، غير أن توجهات السنوات الأخيرة كشفت عن حدوث التواءٍ في التناول السياسي، حيث اتضح وجود ميل شديد إلى الانخراط في أنشطةٍ خارجية تقضي على مفاهيم تبدو تقليدية في أدبيات الجماعة، ساعد على ترسيخها وجود القيادة داخل مصر. وبالتالي، يشكل نقل صلاحياتٍ كثيرة إلى الخارج المصدر الرئيسي لهذه التغيرات.
وعلى الرغم من ذلك، زاد تطلع "الإخوان" إلى تشكيل كيانات معارضة في المنفى. وبمرور الوقت، صارت تشكل جزءا كبيراً من نشاطها السياسي. ولا تعد هذه الجزئية مهمةً بحد ذاتها، بقدر ما إنها تكشف عن انحياز واضح للاعتماد على مصادر تأييد خارجية، وكان التغير الأكثر أهمية في تشكيل كياناتٍ معارضة في الخارج، ونقل صلاحياتٍ كبيرة إلى مكتب "الإخوان" في لندن، وهو ما يشكّل نقلة نوعية في نزوح لعملية اتخاذ القرار، أو الإعلان عنه إلى خارج الدولة، وفي بيئة متشككة في تعريف حركة الإخوان المسلمين، تميل إلى وضعها ما بين التطرّف والإرهاب.
ظهرت عدة تشكيلات لمعارضة الإخوان في المنفى، في مقدمتها "المجلس الثوري"
(أغسطس/ آب 2014) و"لجنة إدارة الأزمة" و"البرلمان الشرعي المنعقد في الخارج"، وعلى الرغم من عنفوان التأسيس وطموحاته، كانت آثار هذه الكيانات مربكة، فلم تقتصر على تراجع تأثيرها الخارجي، لكنها كانت عاملاً مهماً في انقسامات الإخوان المسلمين.
وقد ذهبت حركة الإخوان المسلمين إلى أن الولايات المتحدة كانت سبباً رئيسياً في وقف التجربة الديمقراطية (بيان من الإخوان المسلمين في 16 يوليو/ تموز 2013)، وكان ذلك عن طريقين؛ تمويل "منظمات مصرية وأجنبية لإحداث فوضى في مصر بغرض إسقاط الثورة"، فيما عرف بقضية التمويل الأجنبي (ديسمبر/ كانون الأول 2011)، كما تبنت طريقاً آخر عبر اتباع توجهاتٍ لاحتواء مصر، بعد وصول محمد مرسي إلى الرئاسة، وإبقائها دولة ضعيفة، وذلك عبر إعاقة قرض صندوق النقد الدولي ودعم العلمانية، كما افتعلت المشكلات الاقتصادية "لتأليب الجماهير ضد النظام" وإسقاطه، وفرض حصار اقتصادي، حيث يشير إلى الطابع العدائي للسياسة الأميركية تجاه حكم "الإخوان" لمصر، حيث يراه (البيان) متسماً بالغدر والنفاق والتلون والتدخل العنيف في الشؤون الداخلية، واعتباره بمثابة سياسةٍ لوقف محاولات مصر الاستقلال والاعتماد على الموارد الذاتية.
وعلى خلاف ذلك التوجه، منذ اندلاع الأزمة السياسية في أواخر 2013، شاركت جماعة الإخوان المسلمين في وفودٍ لمقابلة ممثلين برلمانيين ووزارة الخارجية الأميركية، فقد التقى وفد البرلمان من 23 يناير/ كانون الثاني إلى 3 فبراير/ شباط 2015 بأعضاء الكونغرس والخارجية، والمجلس الثوري مع لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس (11 يونيو/ حزيران 2015 )، كما كانت هناك زيارات برلمان النمسا (يوليو/ تموز 2015). تسبّب الإعلان عن اللقاءات في الولايات المتحدة (يناير/ كانون الثاني 2015) من الزائرين المصريين، وبعد فترة قصيرة من انتهاء اللقاء، مترافقة مع حديثٍ عن مراسلاتٍ مع دولٍ عديدة، كرسالة تحفيز للمطالبين بعودة الشرعية وإظهار وجود دعم دولي.
كانت اللقاءات التالية في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني (يونيو/ حزيران 2016)، عبر جلسة استماع لقيادات بجماعة الإخوان المسلمين حول طبيعة الإسلام السياسي، وكان من بينهم إبراهيم منير (نائب المرشد العام)، حيث ترى أن التواصل مع بريطانيا يأتي تعبيراً عن الانفتاح والتعريف بسلوكها السياسي، وهو ما لا يتسّق مع سياسة الإذعان في حل مشكلات "الإخوان" الداخلية، وترك الأزمة السياسية تتفاعل في مصر في النصف الأول من 2013، وهو ما يكشف عن اتجاهاتٍ متناقضة من السلوك السياسي.
جاءت الزيارات المتكرّرة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني وأعضاء في الكونغرس الأميركي، في سياق السعي إلى الحصول على الدعم الغربي، فكل الخطوات التي اتخذت في هذا الاتجاه كانت تعمل على حشد التأييد، وعدم الاعتراف بالوضع القائم في مصر. وفي هذا السياق، دشّنت حواراتٍ مع مؤسسات حكومية في أوروبا والولايات المتحدة، لعرض التعريف بـ "القضية المصرية"، وهي سياساتٌ أو مواقف تقع تحت محاولات تدويل مشكلة سياسية داخلية. وعلى أية حال، يمكن القول إنه، في ظل أزمات الشرق الأوسط، سوف يشكّل تنامي علاقات "الإخوان المسلمين" بالدول الغربية واحداً من المصادر المهمة لاستمرار الأزمات بين "الإخوان" والحكومات العربية.
فمع احتدام الأزمة السياسية في 2013، حدث تغييرٌ في المنظور للسياسات الغربية، بدايةً من القبول بالتعامل مع وساطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وانتهاءً بمخاطبة حكوماتٍ
غربية، ما يثير الجدل بشأن تغيير مفهوم الإخوان، بعد سبعين عاماً، عن التدخل (النفوذ) الخارجي في الشؤون الداخلية، بشكلٍ يسمح بتكثيف النشاط السياسي في المنفى، واعتباره من متطلبات الإصلاح السياسي في مصر، وهو ما يعكس تراجعاً عن أفكار التحرّر.
يمكن تفهم التعامل مع وساطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في 2013، باعتباره حالة طارئة، تساعد في فك الاشتباك حول النزاع على السلطة، لكن استمرار الثقة في البلدان الغربية وسيطاً في الأزمة الداخلية، والسعي إلى مخاطبتها، على الرغم من تضاؤل الآمال في تحريك الموقف السياسي، يعكس غموض منظور التعامل مع الأزمة السياسية، فحتى وقتٍ قريب، ظل اعتقادٌ بأن مواقف الولايات المتحدة تشكل ضغطاً وقيوداً على السياسة المصرية، فقد شاع تداول مقاطع صوتية لمناقشاتٍ في مجلس الشيوخ ترفض استمرار المساعدات العسكرية لمصر، وتم تصويره مؤشّرا على حدوث تغير في العلاقات الأميركية ـ المصرية، وهذا نموذجٌ من أخطاء كثيرة في تحليل السياسات الخارجية والارتكان لتصرّفات الآخرين أساساً للضغط على الحكومة في مصر. وهنا، ويمكن القول، إنه بغض النظر عن الاختلاف على سياسات السلطة، فإنه في ظل هذه الظروف، يمكن اعتبار أن للحكومات الأجنبية مدخلاً للمساندة والتأثير، ما يشكل قيوداً على تسوية المشكلات الداخلية، حيث يقترب، بصيغة أو أخرى، من فكرة التدخل الخارجي.
على مسار المعارضة في المنفى، اتسم النشاط السياسي بغياب الأجندة وغموض المؤسّسية، فقد استمرت الحيرة واضحةً في تعريف العمل الجماعي، أو الجبهوي، وسادت حالة تأرجح كانت اقرب إلى التفكك والتناقض، وهو تعبيرٌ، في أحد جوانبه، عن الاختلاف الفكري، لكنه كان أكثر تعبيراً عن ضعف الجدوى والتشكّك في العمل المشترك، فبالنظر إلى الكيانات التي تشكلت لخدمة المسار السياسي (الثوري)، يمكن القول إنها اتسمت بهشاشة المؤسسية، وانعدام الأطر والأدوات المحاسبية، وكان بعضها أقرب إلى الطابع الشخصي، وهو ما يظهر على نحو واضح في الكيانات العاملة في مجالي الإعلام والإغاثة، حيث تشكل معضلة عدم اتساق الخطاب السياسي السمة الأكثر وضوحاً.
وقد كشفت السنوات الماضية عن نتائج ضعيفة الجدوى، حيث تراجع تأثير جماعة الإخوان
المسلمين وحلفائها في بناء مسارٍ ثوريٍّ، أو في معالجة الأزمة السياسية. وكان التراجع كبيراً في انخفاض القدرة على إقناع الحكومات الغربية باتخاذ موقفٍ سياسي واضح، مساند للمعارضة. وبغض النظر عن غموض الأجندة السياسية، كان العامل الأكثر أهميةً أن حركة الإخوان تشهد حالة فوضى داخلية، وتباينا في الخطاب السياسي، وبشكلٍ يعكس جوانب اختلال هيكلي، وتضاؤل المبادرات السياسية، وهو ما يعزّز اهتزاز مصداقيتها أمام الأطراف الأخرى؛ في الداخل والخارج، وهي امتداد لمظاهر لخصائص مستمرة عقوداً، لم تستطع خلالها استشراف السياق السياسي ومآلاته والتحوط لمخاطره. يشكل هذا الجانب مسألةً حرجةً مع إثارة الجدل حول تصنيف الإخوان حركة إرهابية على المستويات الداخلية والدولية، حيث يتحول النقاش حولها إلى ضغوط سياسات دولية، بما يحدّ من نشاطها في الخارج، ويجعل نشاطها عبئاً على الدول المضيفة.
ويمكن القول إن الاتجاه إلى المعارضة من الخارج يكشف عن تناقضاتٍ داخلية، فعلى الرغم من التواصل مع الحكومات الغربية، تظهر قناعاتٌ أخرى، تفيد بأن الرهان على الغرب ليس خياراً حاسماً، لكونهم أقرب إلى رعاية الديكتاتوريات، وهي حالةٌ تكشف عن الفصام السياسي. لذلك، كانت استجابة بعض الحكومات الغربية محدودةً لمطالب "برلمان الخارج" أو "المجلس الثوري" بعدم الاعتراف بالنظام القائم، ويرجع تواضع الاستجابة إلى أن هذه المحاولات ظلت من دون طرح تصوراتٍ تتلاقى مع المصالح الغربية، ومن دون وضع خريطةٍ للخروج من المشكلات السياسية التي تبلورت منذ بداية 2013، فيما كانت أكثر تركيزاً على توضيح انعكاس المخاطر المترتبة على الأزمة السياسية على البلدان الغربية، كما كانت أكثر اهتماماً بشكاوى حقوق الإنسان وانتهاكاتها.
بشكل عام، توضح مراجعة أدبياتٍ للمعارضة في المنفى محدودية التأثير السياسي للمعارضة، ما يعود إلى القيود التي تفرضها التغيرات السريعة للبيئة الدولية. ومن هذه الوجهة، يتشابه أداء كيانات الإخوان المسلمين في المنفى مع الاتجاه العام للتجارب الأخرى، حيث سارت نحو التفكّك وتدهور الفاعلية. وبالإضافة إلى العوامل المتعلقة بالبيئة الدولية، تشير تصريحات متكرّرة لعدم جاهزية "الإخوان" لتولي السلطة، وأنها دخلت مضطرةً للمشاركة في مضمار التنافس عليها. وبهذا المعنى، لم تتوفر فكرة أو مشروع لإدارة الدولة أو استشراف مسارات الانتقال السياسي، أو طرح بدائل للسياسات الانتقالية، وهو ما يعكس وجود مشكلةٍ هيكلية في التفكير السياسي، لا تقتصر فقط على الأداء في المرحلة الحالية.
ويظهر النقاش بشأن مسألة توجّه "الإخوان المسلمين" إلى المعارضة من الخارج إشكاليات التحرّر والاستقلال والتبعية لدى "الإخوان"، وهو ما يثيره الربط بين الصراع الداخلي والسعي إلى الاستحواذ على تأييد البلدان الغربية بشكلٍ يقود نحو تعميق التبعية، وتشكيل حلقةٍ مفرغةٍ للأزمة السياسية، ما يضعف بدائل الخروج منها، ومن ثم، فإن استمرار هذه الأوضاع سوف يضع جماعة الإخوان مشكلة إقليميةً ومسألة صراع بين عدد من الدول، وخصوصاً بعد اندلاع الأزمة السياسية في الخليج العربي.
وقد استقرّت قاعدة الانضواء تحت مظلة الدولة منذ لقاء الرئيس أنور السادات مع مرشد جماعة الإخوان المسلمين الراحل عمر التلمساني في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وحتى تنحي الرئيس حسني مبارك في 2011، حين استقر النقاش حول مسألتين: التأكيد على أن قبول دعوة السفارة البريطانية يكون بموافقة وزارة الخارجية المصرية، وأن مناقشة المسائل الداخلية تكون بين المصريين وليس مع الأجانب، غير أن توجهات السنوات الأخيرة كشفت عن حدوث التواءٍ في التناول السياسي، حيث اتضح وجود ميل شديد إلى الانخراط في أنشطةٍ خارجية تقضي على مفاهيم تبدو تقليدية في أدبيات الجماعة، ساعد على ترسيخها وجود القيادة داخل مصر. وبالتالي، يشكل نقل صلاحياتٍ كثيرة إلى الخارج المصدر الرئيسي لهذه التغيرات.
وعلى الرغم من ذلك، زاد تطلع "الإخوان" إلى تشكيل كيانات معارضة في المنفى. وبمرور الوقت، صارت تشكل جزءا كبيراً من نشاطها السياسي. ولا تعد هذه الجزئية مهمةً بحد ذاتها، بقدر ما إنها تكشف عن انحياز واضح للاعتماد على مصادر تأييد خارجية، وكان التغير الأكثر أهمية في تشكيل كياناتٍ معارضة في الخارج، ونقل صلاحياتٍ كبيرة إلى مكتب "الإخوان" في لندن، وهو ما يشكّل نقلة نوعية في نزوح لعملية اتخاذ القرار، أو الإعلان عنه إلى خارج الدولة، وفي بيئة متشككة في تعريف حركة الإخوان المسلمين، تميل إلى وضعها ما بين التطرّف والإرهاب.
ظهرت عدة تشكيلات لمعارضة الإخوان في المنفى، في مقدمتها "المجلس الثوري"
وقد ذهبت حركة الإخوان المسلمين إلى أن الولايات المتحدة كانت سبباً رئيسياً في وقف التجربة الديمقراطية (بيان من الإخوان المسلمين في 16 يوليو/ تموز 2013)، وكان ذلك عن طريقين؛ تمويل "منظمات مصرية وأجنبية لإحداث فوضى في مصر بغرض إسقاط الثورة"، فيما عرف بقضية التمويل الأجنبي (ديسمبر/ كانون الأول 2011)، كما تبنت طريقاً آخر عبر اتباع توجهاتٍ لاحتواء مصر، بعد وصول محمد مرسي إلى الرئاسة، وإبقائها دولة ضعيفة، وذلك عبر إعاقة قرض صندوق النقد الدولي ودعم العلمانية، كما افتعلت المشكلات الاقتصادية "لتأليب الجماهير ضد النظام" وإسقاطه، وفرض حصار اقتصادي، حيث يشير إلى الطابع العدائي للسياسة الأميركية تجاه حكم "الإخوان" لمصر، حيث يراه (البيان) متسماً بالغدر والنفاق والتلون والتدخل العنيف في الشؤون الداخلية، واعتباره بمثابة سياسةٍ لوقف محاولات مصر الاستقلال والاعتماد على الموارد الذاتية.
وعلى خلاف ذلك التوجه، منذ اندلاع الأزمة السياسية في أواخر 2013، شاركت جماعة الإخوان المسلمين في وفودٍ لمقابلة ممثلين برلمانيين ووزارة الخارجية الأميركية، فقد التقى وفد البرلمان من 23 يناير/ كانون الثاني إلى 3 فبراير/ شباط 2015 بأعضاء الكونغرس والخارجية، والمجلس الثوري مع لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس (11 يونيو/ حزيران 2015 )، كما كانت هناك زيارات برلمان النمسا (يوليو/ تموز 2015). تسبّب الإعلان عن اللقاءات في الولايات المتحدة (يناير/ كانون الثاني 2015) من الزائرين المصريين، وبعد فترة قصيرة من انتهاء اللقاء، مترافقة مع حديثٍ عن مراسلاتٍ مع دولٍ عديدة، كرسالة تحفيز للمطالبين بعودة الشرعية وإظهار وجود دعم دولي.
كانت اللقاءات التالية في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني (يونيو/ حزيران 2016)، عبر جلسة استماع لقيادات بجماعة الإخوان المسلمين حول طبيعة الإسلام السياسي، وكان من بينهم إبراهيم منير (نائب المرشد العام)، حيث ترى أن التواصل مع بريطانيا يأتي تعبيراً عن الانفتاح والتعريف بسلوكها السياسي، وهو ما لا يتسّق مع سياسة الإذعان في حل مشكلات "الإخوان" الداخلية، وترك الأزمة السياسية تتفاعل في مصر في النصف الأول من 2013، وهو ما يكشف عن اتجاهاتٍ متناقضة من السلوك السياسي.
جاءت الزيارات المتكرّرة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني وأعضاء في الكونغرس الأميركي، في سياق السعي إلى الحصول على الدعم الغربي، فكل الخطوات التي اتخذت في هذا الاتجاه كانت تعمل على حشد التأييد، وعدم الاعتراف بالوضع القائم في مصر. وفي هذا السياق، دشّنت حواراتٍ مع مؤسسات حكومية في أوروبا والولايات المتحدة، لعرض التعريف بـ "القضية المصرية"، وهي سياساتٌ أو مواقف تقع تحت محاولات تدويل مشكلة سياسية داخلية. وعلى أية حال، يمكن القول إنه، في ظل أزمات الشرق الأوسط، سوف يشكّل تنامي علاقات "الإخوان المسلمين" بالدول الغربية واحداً من المصادر المهمة لاستمرار الأزمات بين "الإخوان" والحكومات العربية.
فمع احتدام الأزمة السياسية في 2013، حدث تغييرٌ في المنظور للسياسات الغربية، بدايةً من القبول بالتعامل مع وساطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وانتهاءً بمخاطبة حكوماتٍ
يمكن تفهم التعامل مع وساطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في 2013، باعتباره حالة طارئة، تساعد في فك الاشتباك حول النزاع على السلطة، لكن استمرار الثقة في البلدان الغربية وسيطاً في الأزمة الداخلية، والسعي إلى مخاطبتها، على الرغم من تضاؤل الآمال في تحريك الموقف السياسي، يعكس غموض منظور التعامل مع الأزمة السياسية، فحتى وقتٍ قريب، ظل اعتقادٌ بأن مواقف الولايات المتحدة تشكل ضغطاً وقيوداً على السياسة المصرية، فقد شاع تداول مقاطع صوتية لمناقشاتٍ في مجلس الشيوخ ترفض استمرار المساعدات العسكرية لمصر، وتم تصويره مؤشّرا على حدوث تغير في العلاقات الأميركية ـ المصرية، وهذا نموذجٌ من أخطاء كثيرة في تحليل السياسات الخارجية والارتكان لتصرّفات الآخرين أساساً للضغط على الحكومة في مصر. وهنا، ويمكن القول، إنه بغض النظر عن الاختلاف على سياسات السلطة، فإنه في ظل هذه الظروف، يمكن اعتبار أن للحكومات الأجنبية مدخلاً للمساندة والتأثير، ما يشكل قيوداً على تسوية المشكلات الداخلية، حيث يقترب، بصيغة أو أخرى، من فكرة التدخل الخارجي.
على مسار المعارضة في المنفى، اتسم النشاط السياسي بغياب الأجندة وغموض المؤسّسية، فقد استمرت الحيرة واضحةً في تعريف العمل الجماعي، أو الجبهوي، وسادت حالة تأرجح كانت اقرب إلى التفكك والتناقض، وهو تعبيرٌ، في أحد جوانبه، عن الاختلاف الفكري، لكنه كان أكثر تعبيراً عن ضعف الجدوى والتشكّك في العمل المشترك، فبالنظر إلى الكيانات التي تشكلت لخدمة المسار السياسي (الثوري)، يمكن القول إنها اتسمت بهشاشة المؤسسية، وانعدام الأطر والأدوات المحاسبية، وكان بعضها أقرب إلى الطابع الشخصي، وهو ما يظهر على نحو واضح في الكيانات العاملة في مجالي الإعلام والإغاثة، حيث تشكل معضلة عدم اتساق الخطاب السياسي السمة الأكثر وضوحاً.
وقد كشفت السنوات الماضية عن نتائج ضعيفة الجدوى، حيث تراجع تأثير جماعة الإخوان
ويمكن القول إن الاتجاه إلى المعارضة من الخارج يكشف عن تناقضاتٍ داخلية، فعلى الرغم من التواصل مع الحكومات الغربية، تظهر قناعاتٌ أخرى، تفيد بأن الرهان على الغرب ليس خياراً حاسماً، لكونهم أقرب إلى رعاية الديكتاتوريات، وهي حالةٌ تكشف عن الفصام السياسي. لذلك، كانت استجابة بعض الحكومات الغربية محدودةً لمطالب "برلمان الخارج" أو "المجلس الثوري" بعدم الاعتراف بالنظام القائم، ويرجع تواضع الاستجابة إلى أن هذه المحاولات ظلت من دون طرح تصوراتٍ تتلاقى مع المصالح الغربية، ومن دون وضع خريطةٍ للخروج من المشكلات السياسية التي تبلورت منذ بداية 2013، فيما كانت أكثر تركيزاً على توضيح انعكاس المخاطر المترتبة على الأزمة السياسية على البلدان الغربية، كما كانت أكثر اهتماماً بشكاوى حقوق الإنسان وانتهاكاتها.
بشكل عام، توضح مراجعة أدبياتٍ للمعارضة في المنفى محدودية التأثير السياسي للمعارضة، ما يعود إلى القيود التي تفرضها التغيرات السريعة للبيئة الدولية. ومن هذه الوجهة، يتشابه أداء كيانات الإخوان المسلمين في المنفى مع الاتجاه العام للتجارب الأخرى، حيث سارت نحو التفكّك وتدهور الفاعلية. وبالإضافة إلى العوامل المتعلقة بالبيئة الدولية، تشير تصريحات متكرّرة لعدم جاهزية "الإخوان" لتولي السلطة، وأنها دخلت مضطرةً للمشاركة في مضمار التنافس عليها. وبهذا المعنى، لم تتوفر فكرة أو مشروع لإدارة الدولة أو استشراف مسارات الانتقال السياسي، أو طرح بدائل للسياسات الانتقالية، وهو ما يعكس وجود مشكلةٍ هيكلية في التفكير السياسي، لا تقتصر فقط على الأداء في المرحلة الحالية.
ويظهر النقاش بشأن مسألة توجّه "الإخوان المسلمين" إلى المعارضة من الخارج إشكاليات التحرّر والاستقلال والتبعية لدى "الإخوان"، وهو ما يثيره الربط بين الصراع الداخلي والسعي إلى الاستحواذ على تأييد البلدان الغربية بشكلٍ يقود نحو تعميق التبعية، وتشكيل حلقةٍ مفرغةٍ للأزمة السياسية، ما يضعف بدائل الخروج منها، ومن ثم، فإن استمرار هذه الأوضاع سوف يضع جماعة الإخوان مشكلة إقليميةً ومسألة صراع بين عدد من الدول، وخصوصاً بعد اندلاع الأزمة السياسية في الخليج العربي.