يقدّم جياكوني أربع شخصيات مختلفة تماماً: خياط وصانع دمى وعالم ماورائيات وعالمة فيزياء، يحاول كلٌ منهم تفسير العالم، كلٌ بطريقته، فلا بد من تفسير لتحمّل العيش فيه.
قبل شروع الكاميرا في الذهاب إلى أماكن شخوصها، ترصد لمدة خمس دقائق وجه أسد مستلقٍ على صخرة كبيرة، يحرّك حدقتيه وعضلات وجهه بالتناسب مع حركة الذباب الكثيف على أنفه.
رويداً رويداً، تتعالى أصوات البشر وأبواق سياراتهم، تخطف الكاميرا لقطة لعين الأسد الحزينة والمهزومة قبل أن ينهض من مكانه ويترك صخرته، فتكشف أمامنا طبيعة المكان الساحر بحجارته المرقطة والتلال المفتوحة على الأفق.
نبدأ بالتعرف إلى شخصيات الفيلم عقب لقطة ثانية تُظهر صرصاراً ضخماً ميتاً على الأرض وأسراب نملٍ تتعاون على تفكيك أجزائه.
قلّما تُظهر الكاميرا وجوه الشخصيات أثناء الكلام، بل تفتش في أماكن عملهم، لتبيّن في الوقت ذاته، تطابقات وتناقضات رهيبة بين ما يقال وبين تجهيز مكان العمل.
في هذا الحيّز، يغوص المخرج الشاب أكثر، ليكشف عن فلسفة اللغة التي تفرضها كل مهنة؛ فعند الخياط، تُظهر الكاميرا القمصان والبناطيل مرتبة ومكويّة بعناية، بينما يكون كلامه هادئاً وغير مباشر، على عكس الكلام المرتبك والمتردد لـ نيومار عالم الماورائيات الذي تظهر في مخبره العقاقير.
تنتقل الكاميرا إلى صالة المسرح، حيث المقاعد فارغة تماماً وصانع الدمى يحركها من فوق ويقول: "أنا أؤثر على الدمى كما أنها تؤثر على شخصيتي، أعرف جيداً بأنني عندما لا أُحسن تحريكها ستموت، أي أنها ستبقى دمى قماشية".
الخياط أيضاً يسرد قصة الزبون الذي طلب منه أن يفصّل ملابس تليق بمناسبة مهمة، فأجّله أسبوعاً لأنه يريد أن يفكر بشيء لائق. بقي الزبون أكثر من شهر منتظراً إلى أن جاء وصرخ غاضباً: "العالم كله خُلق في ثلاثة أيام، وأنت تحتاج إلى ثلاثة أشهر لتنهي لي ملابسي"، فأجابه الخياط على الفور: "يا سيد، لا أسمح أن تقارن الملابس التي أخيطها بما ذكرت، هل يعجبك هذا العالم كثيراً!".
قبل أن نصل إلى نهاية الفيلم، حين تتحدث عالمة فيزياء عن نظرية آينشتاين وبودولسكي وروزين، تكون الشخصيات العادية قد وصلت من خلال حكاياتها إلى جدل العلم نفسه، فالحياة سابقة على النظرية وعلى العلم ذاته.