ما نراه اليوم من ولعٍ بتصوير الجريمة ليس مجرد ابتزازٍ وسوء استخدام لتقنية مسالِمةٍ بطبعها. هناك كابوسٌ كامنٌ في هذه الماكينة التقنية الهائلة، ويبدو أن الصعود المتسارع لليمين الكارهِ، وتقاطعه مع التقنية، بدأ يُخرجُ أسوأ ما في الإنسان والآلة سوياً.
يأتي معجم الدوحة التاريخي للغة العربية في زمن عربي مهزوم، فلم يعد في حنجرة المواطن العربي غير المرارة، إذ حصلت مُصادرةٌ منهجية لآمال الناس، وكانت التتمة الطبيعية لهذا كله أن يشيع الكفرُ بيننا؛ ليس الكفر بالله، وإنما الكفر بالقيمة والمعنى.
في علم الحاسبات والرقميات، يتناسب الوزن المعرفي لأي رسالةٍ، أو معلومةٍ، مع صعوبة التنبؤ المسبق بها، وتصبح قيمتها المعرفية صفراً، إذا كانت لا تحمل إلا وجهاً واحداً معروفاً سلفاً.
القدرة على رؤية المحجوب في أي مشهد، من دون افتعال، موهبةٌ بحق وركنٌ أساسي لأي تحليل سياسي قيّمٍ وعميق. وهي كغيرها من المواهب، ليست مادة يمكن تعليمها أو اكتسابها، فهي عملة نادرة في سوقٍ صار غارقاً بالنقد المزيف.
يتضمن التمسك بالمبادئ احتمالاً لألمٍ حاضر، صوناً لمصلحة أعمق لا تبدو ظاهرةً على الفور، وليست النفعية المتحللة من الأخلاق، في المقابل، أكثر من عجزٍ عن احتمال الألم الحاضر، أو شبق بالإشباع الفوري للرغبات.
المُتشفّي بأُسرَةٍ تلقى حتفها سحقاً بالخرسانة المسلحة لا يمكن أن يشعر بحزن حقيقي على أي كان. وما يبديه من تأثرٍ في سياق آخر، وعلى بشرٍ آخرين، ليس سوى إكسسوار انفعالي يخدم غاية سياسية.
ما دمت تجترح مسمياتٍ مُهينة لخصومك، وتخترع تسميات مُعقَّمة لنفسك فأنت المنتصر، ولو كنت مهزوماً. ربما يتعلق الأمر بقناعةٍ أسطوريةٍ قديمة، مفادها بأن الواقع قد يُحاكي كلامَنا إذا ما كررنا كلامَنا بما فيه الكفاية.
لا يوجد تعليم في العالم قادر على إصلاح خامة رديئة وطويّة وضيعة، وفي ظل أنظمة تصطفي أردأ من في المجتمع، وأوضع من فيه، ليخدموا في صفوفها، فكل هذا العلم وكل هذا التعليم ليس سوى استمرار للتخلف بوسائل أخرى.
عندما ينحسر الطرح عن النهوض بالمجتمع واجتثاث الفقر وتفكيك الفساد وإدارة عجلات الصناعة، ليصبح في آلية التنكيل الجسدي الأمثل بمن يسرق، وقسمة أملاك الموتى على الأحياء، فنحن بصدد الحديث عن جمعياتٍ تطوعيةٍ ومنتديات نقاشٍ عامة أكثر من حركاتٍ سياسية جادة.
النظر إلى الأسفل ليس سعياً إلى شرعنة الرداءة وحسب. إنه مشاغَلةٌ عن الأعلى، وصدٌّ للناس عن الأمل وحجبٌ لفكرة الأفضل. وهو يخاطب الخوف الذي في الإنسان، ويعادي فكرة المستقبل، ويروّج نمطا أبديّا من الحاضر، لا يزول ولا ينتهي