ليس انتصاراً أن تشيد مملكةً على الجماجم، أو على الشرذمة؛ وليس فخراً أن يكون محتل الأرض وأعوانه أساساً بالبقاء، وليس بطولةً ولا نصراً أن تحكم مكاناً مستباحاً لم تستطع حمايته؛ ولا السيادة تأتي من بقعةٍ زُرعت بسلاح الآخر، وعصاباته الحامية.
اتضحت ملامح انهيار النظام في سورية حتى للمرتمين عند بسطاره العسكري؛ فهم بلا أمان. والملالي في إيران ليسوا قادرين على رفعه من المستنقع، ولكنهم يلوذون بالبقاء معه في الوحل، حريصين على ألا يخرجوا من سورية، كيلا يخرجوا من إيران ذاتها.
التقط الخميني، في العام 1978، في منفاه في مدينة نوفيل لوشاتو الفرنسية، الإشارات الأميركية التي أرسلها مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك، زبغنيو بريجنسكي، والتي كانت تومئ إلى البحث عن وكيل لمحاربة الشيوعية، المتمثلة بالاتحاد السوفييتي السابق.
تشريع أميركي يجعل إعادة تأهيل نظام الأسد ضرباً من المستحيل؛ إنه "قانون قيصر"؛ والإصابة القاتلة لا تخصّ نظام البراميل فقط، بل تمتد إلى كل مَن يحميه أو يمد له يد العون، ومن يسعى إلى إعادة تأهيله.
أي وطن هذا الذي يتمسك بعض أهله بهذا الاحتلال، أو ذاك، وبذلك التصريح، أو الموقف، أو ذاك؛ معتقدين أن ذاك الموقف وتلك القوة هي التي تبقيهم في السلطة وتهزم إخوتهم السوريين أو تقتلعهم وتبعثرهم في أربعة أصقاع الأرض؟!
يمكن أن يتم سلب حقوق الشعوب بالقوة، وبوجود أنظمة عميلة رخيصة؛ ولكن لا يمكن أن يتحول إلى حالة قانونية؛ فكل ما وقّعه نظام الاستبداد في سورية للروس وللإيرانيين لاغ وباطل وغير قانوني؛ ببساطة لأنه "فاقد للأهلية".
تشابكات القوى المتدخلة بالشأن السوري هي التي تحول دون إيجاد حل، فكل واحدة من تلك القوى تتشابك مع الجميع؛ فإذا كان عدد القوى المتدخلة ستة، فعدد التشابكات ستة وثلاثون، وإن سبعة فاثنان وأربعون، وهكذا.
يمتلك المبعوث الأممي إلى سورية المستقيل، ستيفان دي ميستورا، قدرات دبلوماسية جبارة، ويتقن عدة بهلوانيات وخبرات عديدة نادرة لفريقه الداعم؛ فشل الرجل في تتويج سيرة نصف قرن من التألق الدبلوماسي بنجاح في مهمةٍ لا أنبل: إعادة سورية إلى السلام والأمان.
روسيا اليوم في زاويةٍ لا تُحسَد عليها؛ فهي ترتبك بـ "لجنة دستورية" من أجل سورية، قاتلت من أجل إنشائها. وها أميركا توعز للمبعوث الأممي، دي ميستورا، بأن أمامه حدا زمنيا، لينجز عمله؛ وكأننا بأميركا تستلم زمام الأمور، وتحدّد إيقاع العملية.
حرب عالمية على نارٍ شبه ساخنة؛ تغذّيها روسيا علّها تخرج من ورطاتها، وعلّها تعود إلى العالمية ثانية. وتعود أميركا إلى نهجها المربح القديم: حصاد الجنى في الفصل الأخير من الحرب؛ إلا أن النموذج الحالي يجعل الجنى كبيراً؛ لكن مكلفاً.