سواعد فلسطين: واقع الانتهاكات بين حواجز الاحتلال وحدّة البطالة

27 ابريل 2015
فلسطيني يصرخ على جنود الاحتلال (Getty)
+ الخط -
تبدأ رحلتهم بعد منتصف الليل لقطع حواجز الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتم اجتياز البوابات الحديدية والالكترونية الامنية المعقدة سيراً على الأقدام، وذلك لتوفير قوت يومهم برغم ظروف العمل غير الإنسانية التي يفرضها المحتل في المناطق الفلسطينية التي تقع تحت سيطرته المطلقة.

التفتيش الذي تقوم به قوات الاحتلال يعرّي العمال، الإذلال المقصود يسلب منهم كرامتهم. وفي كل يوم يتكرر المشهد ذاته، ازدحام شديد، طوابير طويلة أمام الحواجز، إصابات نتيجة الإجراءات والتدافع والاكتظاظ وضيق الممرات، وفي النهاية، عدد كبير من الذين ينتظرون لساعات على أمل العبور، يتم منعهم من إكمال طريقهم، فيعودون الى منازلهم خاليي الوفاض... مشهد غريب عن أي منطق، شعب يتم ترهيبه في كل مرة يريد فيها دخول أراضٍ هي له، والعمل في مصانع قائمة على ترابه، والإفادة من مدخول هو حقه.

 لا يقتصران على إجراءات حواجز الاحتلال، ولا على التنكيل الوظيفي في سوق العمل التي يسيطر عليها الاحتلال ذاته، بل يمتد كذلك إلى منشآت سوق العمل الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، نتيجة محدودية فرص العمل وغياب تطبيق قانون العمل، وضعف الأجهزة الرقابية، وإفادة المتمولين من حاجة الفلسطينيين لفرصة عمل لخفض أجورهم وإلزامهم بساعات العمل الطويلة.

بين الدخول النظامي والتهريب
يقول العامل ادريس من محافظة الخليل "أخرج من منزلي بعد منتصف الليل حتى أصل إلى حاجز "ترقوميا" العسكري في طريقي للعمل داخل الأراضي المحتلة، أجد عدداً من العمال على الحاجز، خاصة يومي الاحد والخميس، حيث يتدفقون بكثرة للتسجيل على الحاجز ثم يصلون الفجر ويبدأون بالدخول الى مراكز عملهم". ويضيف ادريس إن سياسة التفتيش المذلة على الحاجز أفقدتنا رغبتنا في العمل، لكن ظروف الحياة تجبرنا على الاستمرار والتحمل.

علاء أحد العمال الذين يدخلون الى الأراضي المحتلة من خلال التهريب قرب الخليل يقول لـ "العربي الجديد": "نتعرض لإطلاق النار أحياناً او الاعتقال عند محاولتنا للدخول للعمل داخل المناطق المحتلة، هناك مئات من العمال يدخلون بهذه الطريقة، فإما الدخول تهريباً وإما البقاء لفترات طويلة على المعابر حيث نبقى خائفين من الاعتقال وفرض الغرامات المالية ومنعنا من الدخول لفترات طويلة".

محمد من طولكرم يروي بدوره عن السياسات التي ينتهجها الاحتلال بشأن الفلسطينين، ويقول لـ "العربي الجديد": "هناك سياسة تتبعها قوات الاحتلال على الحواجز العسكرية لاذلال العامل الفلسطيني حيث انها تقوم بتفتيشنا بشكل يومي عدا عن ضيق الحاجز ووجود ممرات صغيرة لا نستطيع التحرك بسببها اضافة الى اعتداءات الجنود علينا".

يقول عضو المكتب التنفيذي ومسؤول دائرة الإعلام في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين محمد العطاونه، ان عدد العمال والعاملات الفلسطينيين بلغ مليون و170 ألف عامل، يدخل منهم إلى سوق العمل الخاضعة لسيطرة الاحتلال ما يقارب 52 ألف عامل، ممن يحملون تصاريح، إضافة إلى أكثر من
 و25 ألفاً تقريباً يعملون في المستوطنات داخل أراضي الضفة الفلسطينية والقدس،.ويتعرض هؤلاء العمال الى الكثير من المضايقات من الجانب الاسرائيلي، في مقدمتها تقييد حريتهم في الوصول إلى أماكن عملهم والاعتداء عليهم سواء على الحواجز العسكرية، أو جدران الفصل العنصري بما يخالف الاتفاقيات الدولية الصادرة التي تنص على ضمان حرية الحركة والتنقل للعمال.

إضافة إلى انتهاك حقوق العمال الأساسية والتفاوت في قيمة الأجر اليومي والشهري المدفوع للعامل الفلسطيني مقارنة بمثيله من العمال الاسرائليين والأجانب. ناهيك عن انتشار ظاهرة "السماسرة"، الذين يؤمنون عمال فلسطينيين للمشغل الاسرائيلي بدون ضمان حد أدنى من الحقوق.

استغلال في السوق الفلسطينية
من جهة اخرى، يلفت العطاونه الى ارتفاع نسبة البطالة في الضفة بسبب سياسات الاحتلال، وتحكم الأخير في السماح بإدخال المواد الخام المستخدمة في الصناعة بحكم سيطرته على المعابر، بالاضافة الى التضييق على عملية تصدير المنتجات الفلسطينية بما يسببه ذلك من محدودية في توفر فرص العمل في ظل غياب سياسات تنموية اقتصادية حكومية من شانها التخفيف من حدة هذه المشكلات.

ويضيف كذلك، أن عدداً كبيراً من أصحاب العمل الفلسطينيين لا يلتزم أيضاً بتطبيق قوانين وتشريعات العمل خاصة قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لعام 2000 الذي ينظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، الى جانب غياب تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور المتدني جداً والبالغ 1450 شيكلاً، وعدم ربطه بجدول غلاء المعيشة الذي تم إصداره والعمل به بداية عام 2013 . ويوضح النقابي العطاونه أنه وفي ظل هذه الظروف الصعبة تغيب كذلك متطلبات الحماية الاجتماعية للعمال والعاملات، إلى جانب التسويف والتلكؤ من قبل الحكومة وأصحاب العمل في إقرار مشروع قانون عادل للضمان الاجتماعي للعاملين والعاملات في القطاع الخاص.

يوميّات الانتهاك
الانتهاكات تحاصر العمال الفلسطينيين من كل صوب، يقول العامل فايز محمد الذي يعمل في احدى مستوطنات منطقة سلفيت لـ "العربي الجديد"، "أعمل في المستوطنة منذ أكثر من 15 عاماً دون أي حقوق أو واجبات بسبب سياسة الاحتلال وأذكر أن عاملاً أصيب بقطع في إصبعه أثناء وجودنا في ورشة الحدادة التي نعمل بها إلا أن صاحب العمل طرده دون تقديم أي مساعدة له".

في هذا الإطار، يؤكد رئيس اتحاد النقابات العمالية الجديدة في فلسطين محمد بليدي بإن هناك 13 معبراً بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 و48 يمر من خلالها عشرات آلاف العمال الفلسطينيين أكثرها استخداما معابر "ايال" و"ترقوميا" و"الجلمة" بالاضافه إلى معبر"قلنديا" الفاصل بين محافظات الضفة الشمالية ومدينة القدس. ويصف بليدي حجم الإذلال الذي يتعرض له العمال والمواطنون الفلسطينيين على المعابر بالكبير جداً وتستخدم فيه عشرات الكاميرات وأجهزة التنصت، التي يتم فيها تفتيش العمال وإذلالهم وتجريدهم من ملابسهم كلياً.

إقرأ أيضا: حسين العباسي:تونس تعيش بوادر ثورة ثانية ‏
المساهمون