من الذي يعبث بالعقيدة العسكرية للجيش المصري؟

29 مارس 2015
+ الخط -

في 21 أغسطس/آب 2011 تسلق الشاب المصري أحمد الشحات العمارة التي تقع فيها السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وسط هتافات التهليل والتكبير من آلاف المتظاهرين الذين تجمعوا أمام السفارة، مطالبين بطرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير المصري من تل أبيب، احتجاجاً على الاعتداء الإسرائيلى على جنود مصريين داخل الأراضي المصرية، والذي تسبب في مقتل 3 جنود مصريين وإصابة 3 آخرين.

أنزل الشحات العلم الإسرائيلي ورفع العلم المصري مكانه، وتوحدت الهتافات حينها بـ"الله أكبر، وارفع راسك فوق إنت مصري"، وكأننا حققنا انتصاراً عسكرياً. وصار الشحات بعد هذه الواقعة بطلاً قومياً يُحمل على الأعناق وتعقد له المؤتمرات الصحافية وتسعى وراءه الصحف والقنوات، حتى أطلقوا عليه رجل العلَم أو "Flagman" وسبايدر مان المصري، وكرمه محافظ الشرقية حينذاك وأهداه شقة ووظيفة.

في تلك الفترة كان يحكم مصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة المشير حسين طنطاوي، وكنت أنا طالباً في كلية الضباط الاحتياط في القوات المسلحة، انتابني وبعض زملائي شعور قلق ممزوج بنشوة أننا قد تحررنا من السلطة التي كانت تمنع مجرد الاقتراب من الشارع الذي تقع فيه السفارة الإسرائيلية، وأصبحنا الآن نتظاهر أمام السفارة بلا خوف، بل واقتحم بعض المتظاهرين الغاضبين السفارة وألقوا ببعض أوراقها ومحتوياتها في الشارع، شعرنا بأننا بعد ثورة يناير أصبحنا نستطيع أن نرد عدوان إسرائيل ومواجهتها عسكرياً، وقد ننتصر أو نستشهد بسلاح عدو تربينا منذ الصغر على أنه عدونا الوحيد.

في طابور الصباح لاحظ نائب مدير كلية الضباط الاحتياط أن هناك قلقاً ومحادثات جانبية بين الطلاب والضباط والجنود عن تلك الواقعة، فقرر أن يتكلم ليجيب على أسئلة مثارة في أوساطنا، فخطب فينا بعبارات الحماس، وطلب منا اليقظة والاستعداد والكفاءة والانضباط، فالأحداث التي تقع في المنطقة تؤكد أننا سنحارب إسرائيل خلال الثلاث سنوات القادمة وأننا، يقصد طلاب الكلية الذين سيكونون ضباطاً خلال شهور، سنكون رجال هذه الحرب وأسودها.

كنا في الجيش لا نعرف عدواً لمصر وللعرب سوى إسرائيل، جيش الاحتلال المغتصب لفلسطين، الجيش الذي هزمنا في حرب 48 و67 واحتل سيناء حتى انتصرنا عليه في 73، الجيش الذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ، الجيش الذي يقتل الجنود المصريين على الحدود، بالرغم من أنه خلال الـ42 عاماً الماضية لم يخض أي حروب مع إسرائيل، إلا أنه كانت توجد عقيدة راسخة داخل أي جندي وضابط أن العدو هو إسرائيل. هكذا كانوا يدربوننا، ففي تدريب الرماية كان المُعلم يقول للجندي تخيل أن الهدف أمامك هو جندي إسرائيلي سوف يقتلك، فصوب عليه بدقة، واقتله أنت قبل أن يقتلك.

مرت الثلاث سنوات التي أخبرنا عنها نائب مدير الكلية بالاستعداد لمواجهة إسرائيل، ولكننا لم نواجه إسرائيل، بل حاربنا وقتلنا أشقاءنا المصريين والليبيين واليمنيين. مرت الثلاث سنوات فأصبحت إسرائيل آخر دولة يتذكرها الجندي والضابط في الجيش المصري، إن ذكرها، عندما تسأله من عدوك الآن؟! فقد أصبح العدو جماعة الإخوان "الإرهابية"، وأصبحت حركة حماس "الإرهابية" عدواً، وأصبح أهالي سيناء أعداء، وأصبحت قوات فجر ليبيا والثوار في ليبيا أعداء، أصبح الإرهاب هو العدو، وأصبح الحوثيون هم الأعداء. استطاع السيسي أن يروج داخل وخارج الجيش أن عدوهم من تعتبرهم الدولة وقضاؤها "جماعات ومنظمات إرهابية". وأصبح الجندي الآن داخل الجيش، عندما يتدرب على الرماية، يُقال له تخيل أن الهدف الذي أمامك إرهابي أو إخواني، فصوب عليه بدقة، واقتله قبل أن يقتلك.

ورّط قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي الجيش في الاقتتال الداخلي، وغير بوصلة عقيدته العسكرية لدى الجنود والضباط، من أن إسرائيل هي العدو، إلى أن الإرهاب وحماس وليبيا والإخوان ومن سوف تحدده له أميركا وممولوه. ولم ينكر السيسي في حوار له مع قناة "فرانس 24" أن التهجير والعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في سيناء هي حماية لأمن إسرائيل. وقالت القناة العاشرة الإسرائيلية في فبراير/شباط الماضي، إن التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب الآن هو الأقوى منذ قيام إسرائيل، وإن إسرائيل تضع ثقتها الكاملة في الرئيس السيسي وجيشه لحمايتها من أي تهديد قادم من سيناء. ووصل الأمر- بحسب تصريحات محلل الشؤون السياسية في راديو إسرائيل شمعون آران في حديثه لقناة الجزيرة- أن التعاون بين الجيشين المصري والإسرائيلي تجسد في تحليق طائرات من دون طيار إسرائيلية فوق سيناء، لجمع المعلومات حول تحركات المسلحين. وشمل التعاون أيضا، وفقا لآران، اجتماعات أمنية منتظمة وزيارات لمسؤولين إسرائيليين إلى القاهرة.

مرت الثلاث سنوات ولم نحارب إسرائيل كما قيل لنا، بل حارب الجيش المصري عدواً آخر في ميدان رابعة العدوية ومحمد محمود ومجلس الوزراء وميدان رمسيس وميدان النهضة وسيدي جابر والمنصة وكرداسة والحرس الجمهوري ودلجا والمطرية، حارب عدواً آخر في الشيخ زويد ورفح والعريش، حارب عدواً في غزة وليبيا واليمن، وما زال السيسي مرحباً بأي عدو آخر.

أبارك لأحمد الشحات فوزه بالشقة والوظيفة، واقتناصه هذه الفرصة لإنزال العلم الإسرائيلي، قبل أن تتغير البوصلة، فلن يستطيع أحمد أن يتظاهر اليوم أمام السفارة الإسرائيلية، أو في أي ميدان في مصر، وإلا سوف يُسجن أو يُقتل.

المساهمون