آثار بن علي على طرقات تونس: حفر جارفة‏

05 يناير 2015
الشتاء يكشف البنية التحتية المتهالكة (فتحي بلايد/فرانس برس)
+ الخط -
تغنّت السيّدة فيروز كثيراً بالشتاء، إلا إنّ غالبية التونسيّين يعتبرون قدوم هذا الفصل إنذاراً بموسم جديد من المعاناة ‏خصوصاً في تنقّلاتهم. ففي بعض شوارع العاصمة التونسيّة ومعظم مدن البلاد، هطول الأمطار بغزارة يعني أن تلتزم البيت وتلغي كلّ ‏مواعيدك والتزاماتك، أو أن تغامر بالخروج وتستعدّ لرحلة مجهولة وسط البحيرات المنتشرة في أغلب الأحياء. 
بعيدا عن المطار والشوارع الكبرى المعبّدة بحرفيّة والضاحية الشمالية السياحيّة، أو بمعنى آخر بعيدا عن الواجهة المعدّة ‏بإتقان لاستقبال الوافدين الأجانب على تونس، فإنّ واقع البنى التحتيّة سيئ جداً وخصوصا الطرقات. واقع لا يعكس أبدا ما روّجه نظام المخلوع زين العابدين بن علي، طيلة عقود من اهتمامه في تطوير البنى التحتيّة للبلاد ومدّه لشبكة متطوّرة من الطرقات داخل المدن وخارجها.‏

حفر تقطع الأرزاق
أوّل المتضرّرين من انقطاع الطرقات خلال هطول الأمطار هم سائقو سيّارات الأجرة. العمّ يوسف الذّي يمتلك سيّارة ‏تاكسي في العاصمة، يشرح أنّ معظم الطرقات تصير غير سالكة خلال فصل الشتاء وخصوصا مع الأمطار الغزيرة. ‏يضيف أنّ سائق الأجرة يجد نفسه في حيرة بين ضرورة النزول للعمل من أجل تحصيل لقمة العيش وبين خطر تضرّر ‏السيّارة من المياه خصوصا مع ارتفاع أسعار قطع الغيار وتكاليف التصليح. ويقول بتهكّم: "كلّ حيّ في مدن البلاد يتحوّل غصباً عنه إلى نسخة مشوّهة من ‏مدينة البندقيّة الإيطاليّة في كلّ شتاء". ‏
وفي هذا السياق، يتحدث المهندس أكرم الجبري، حول طبيعة شبكة الطرقات في تونس وسبب غرق البلاد كلّما هطلت ‏الأمطار، ويقول: "شبكة الطرقات في تونس تمتدّ على ما يزيد عن 19 ألف كيلومتر وتتنوّع بين طرق سيّارة ‏وطرق وطنيّة وطرق محليّة تخضع لسلطة ورقابة البلديّات وطرق فلاحيّة".
ويتابع: "تعاني الطرقات من مشكلات مرتبطة بنوعية المواد التي لا توفر نسبة ‏عالية من السلامة، حيث لا تتجاوز مدّة صلاحيّة الطريق سنتين على الأكثر في حين من المفروض أن ‏تكون المدّة عشر سنوات".

المطر "نقمة"!
قطع الطريق، ليس سوى بداية المعاناة وإيذان بعديد الانعكاسات السلبيّة التي تطال المواطنين وتعطّل حياتهم. هكذا بدأت ‏المواطنة جليلة حبوبي حديثها لـ "العربي الجديد"، شاكية من حالة الطرقات. وتقول: "عندما تهطل الأمطار ‏بغزارة، يصبح الوصول إلى وسط المدينة أشبه بالمستحيل. لا نعود قادرين على تأمين حاجياتنا ولا ‏يستطيع الأطفال الوصول إلى مدارسهم، ويتحوّل الحيّ إلى جزيرة معزولة".
ولا تقف الأمور عند هذا الحدّ، ‏تضيف حبوبي، ان "المياه التي تتجمّع في الطريق تصل إلى بيوتنا وتتلف أثاثنا بالإضافة إلى الأوساخ والأتربة التي تحملها ‏إلينا".‏
وتنعكس حال الطرقات على مجمل الاقتصاد المحليّ، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي الذّي يشير إلى أنّه "في كشف الموازنات البلديّة لسنة ‏‏2013، تبيّن أن الاعتمادات المخصصة ‏للصيانة والتعهد ارتفعت عشر مرات تقريبا من 5 ملايين دينار سنة 1987 إلى 83 مليون دينار سنة 2013، كما بلغت ‏خسائر مشاريع التعبيد ما يناهز 100 مليون دينار خلال السنوات الخمس الأخيرة".‏
ويضيف الجويلي: "هذه الخسائر الهائلة ناتجة من‎ ‎‏ نوعية المواد الأولية المستعملة في‎ ‎تونس‎ ‎في مجال الهندسة المدنية للطرقات ‏والتي تعتبر من النوع المتوسط إذا ما طبقت عليها المواصفات الفنية. كما أن بعض المقاولين تنقصهم الخبرة والدراية الكافية في مجال اختصاصهم وهو ما ينعكس سلبا على جودة ‏المشاريع". ويقول إنّ "التلاعب في مجال البنى التحتيّة والاستهتار بالمعايير الفنيّة والفساد في ‏الصفقات العموميّة هو النزيف الذي يثخن الموازنات العامة ويتسبّب في إهدار المال العام".‏
في نفس السياق، يشرح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الهذيلي، الانعكاسات السلبيّة لوضعيّة الطرقات ‏على الاقتصاد التونسيّ عبر التساؤل عن مدى جديّة التشجيعات المقدّمة من الدولة للاستثمار الداخليّ والخارجيّ على حدّ ‏سواء في حين تتغافل عن واحد من أهمّ الأسباب التي تنفّر المستثمرين وهي البنى التحتيّة الرثّة في البلاد. ويتابع "إلى حدّ هذه ‏الساعة لا تملك تونس من الطرقات السيّارة سوى 360 كيلومتراً، في حين لم تتجاوز نسبة التغطية لشبكة الطرقات الـ 60% من إجماليّ مساحة البلاد. ‏هذا بالإضافة إلى ما تسبّبه الانقطاعات المستمرّة للطرقات خلال فصل الشتاء، ممّا ينعكس حتما على مردوديّة الإنتاج الذي يعاني من انخفاض مستمرّ".
المساهمون