الانتصار لعنصر التخييل في السيرة الذاتية

08 ديسمبر 2014
+ الخط -
شكّل اهتمام التحليل الأدبي المعاصر بالسيرة الذاتية تحوّلًا مهمّا في النظرية النقدية المعاصرة، مقترنا بعملية إحياء السياقات الذاتية للنص، الذي يجعل الذات والـ "أنا" منطقا للكتابة.

وفي هذا السياق جاء كتاب الباحث والشاعر المغربي محمود عبد الغني: "السند والشهادة؛ دراسة في السيرة الذاتية لابن خلدون" (منشورات الزمن، الرباط).

دافع الكاتب عن نصية السيرة الذاتية في هذا البحث، من خلال مؤاخاته بين النصّ ومكوناته الصغرى والكبرى، باعتبارها عوامل مضمرة تمارس من خلالها الذات أنشطتها، كذات عاشت، وكذات كتبت، واستحضار الذات القارئة كعنصرٍ مضمن ومرجعي. 

وتطرق الكاتب إلى "جسر الهوى" الذي يربط بين السيرة الذاتية والتخييل الذاتي، معتبرًا أن السيرة الذاتية تقدّم حالة فردية، عن طريق تأريخٍ مميّزٍ للذات، وعقد صلة معينة مع قارئها، وتتأتى كينونة النص السيرذاتي من كونه تخييلًا ذاتيًا مصنوعًا من كلمات، ومن تنظيم الفضاء والزمن ومستوى الحقيقة التي تكونه، وهو ما سمّاه الباحث بـ "عهد السيرة الذاتية الجديد"، الذي تغلّب فيه مصطلح "التخييل الذاتي" على المصطلح الأم "سيرة ذاتية".

كما درس أشكال سوء الفهم للسيرة الذاتية، في غياب أي وعي بنهضة القيمة التعبيرية للفرد، وحدّد تلك الاعتراضات في صنفين؛ أحدهما أيديولوجي والآخر جمالي. 

كلّ هذه الطروحات النظرية أسعفته في مقاربة السيرة الذاتية لابن خلدون: "التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا"، معتمدًا على طبعة جديدة موسومة بـ "رحلة ابن خلدون"، وتناول بعض كتابات القدماء، الذين كتبوا عن ذواتهم من دون تصنيف ما كتبوه تحت جنس محدد، حيث ظلّ مصطلح "السيرة" يقتصر على حياة الرسول الكريم.

وتتبّع الباحث هذا المصطلح حتى أصبح يستعمل كمعنى لحياة الشخص بصفةٍ عامّة، عبر رحلة معرفية بين أروقة المتون والكتب، ووجد أنه من الحتمي التساؤل: "لماذا كتب ابن خلدون سيرته الذاتية في مناخ معرفي وعقلي يدين تعبيرات الذات إدانة دينية واجتماعية؟". 

لذا حلّل المكوّنات الأدبية الجوهرية في هذا المتن السيرذاتي الفريد في الثقافة العربية، من دون أن يتّهم الثقافة العربية الإسلامية بالقصور الفكري والثقافي، لأنها كانت منتجة لأسئلة الجماعة والغير، مما جعل الفرد الذاتي يتفادى التعبيرات الذاتية، التي كان ينظر إليها على أساس أنها تعبيرات انطوائية أو نرجسية.


المساهمون