غياب الحضانات في مصر يُخسر الاقتصاد

24 نوفمبر 2014
المؤسسات تتهرب من إلزامية إنشاء حضانات (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
تحاول هند عبد الله العاملة في شركة للملابس الجاهزة، التنسيق بين دوام العمل وتأمين حضانة لابنها. تتجه كل يوم عند السابعه ‏صباحاً إلى أقرب حضانة من المنزل، تهرول إلى عملها وهي في غاية القلق والتوتر. "فشعور الذنب ‏يجتاحني؛ لأنني على يقين بأن رضيعي لا يحصل على الرعاية المناسبة في الحضانة التي أضعه فيها، ولكن ليست لدي خيارات أخرى" تقول. وتشرح "لا يمكنني الحصول على ساعة الرضاعة في عملي، وإلا ‏سيكون تقييمي النهائي منخفضا، وستقوم إدارة الشركة بالتخلص مني، مثلما ‏حدث مع مئات العاملات".‏
وتضيف لـ"العربي الجديد" أن "أقساط الحضانات الخاصة باهظة، وتتراوح بين ‏‏1200 و3000 جنيه شهرياً". وتلفت إلى أنها "مضطرة للعمل لكي أساعد زوجي في مصاريف المنزل، وإلا لكنت جالست ابني".
وتقول هند "القانون ألزم ‏صاحب العمل بضرورة إتاحة حضانة للعاملات في حال زاد عددهن عن 50 ‏عاملة. ونحن في المصنع لا نقل عن 300 عاملة، إلا أن القانون لم يُنفذ. لا بل نتعرض يومياً للخصومات، بسبب التقييم السلبي من الشركة؛ جراء التأخير في ‏الصباح أو الغياب لمرض أبنائنا".

تحييد النساء
تقول نائب رئيس اتحاد نقابات عمال مصر وسكرتير المرأة ‏والطفل في منظمة العمل العربية، سحر عثمان: "إن أزمة الحضانات في مصر ‏كارثة بالمعني الحرفي للكلمة، لا سيما أن الدولة رفعت يدها تماماً من ‏توفير حضانات للأطفال، وتركت الأمر برمته للقطاع الخاص، فلجأ الأخير إلى الاتجار بأزمة الأم العاملة".
وتضيف عثمان لـ"العربي الجديد": "لا تقف حدود المعاناة هنا، بل إن نظام الحضانات الموجود في مصر أيضاً، لا يعمل بنظام الوردية (الشيفت)، الأمر الذي يتسبب في مشاكل للعديد من العاملات".
وتشير عثمان إلى أنها "تقدمت باقتراح إلى المجلس القومي للمرأة؛ من أجل ‏الضغط على المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة، لتنفيذ قانون المرأة ‏والطفل وقانون العمل، وإلحاق حضانات بمقر العمل، أو صرف بدل ‏حضانة لتعويض الأم عما تقوم بدفعه. إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً!". وتضيف "لا ‏بل تسعى بعض المؤسسات إلى إنشاء حضانات غير مطابقة للشروط، كالحضانات التي كانت في مستشفى بالقاهرة إلى جانب مشرحة الموتى".‏
ولا يتوقف الأمر عند حد عدم تنفيذ القانون، بل إن بعض المؤسسات تخشى من تعيين الإناث؛ حتى لا يطالبن فيما بعد بحضانة أو إجازة أمومة. الأمر الذي يؤثر كلياً على ما يقرب من 8 ملايين امرأة عاملة.

‏ضغوطات نسائية
من جانبها تقول عضو نقابة العاملات في مستشفى ‏القصر العيني في مصر، سامية عبدالرحمن: "إن القطاع العام سعى إلى تأسيس حضانات ‏للنساء، إلا أنه توقف عن ذلك منذ ما يقرب من عشر سنوات؛ ما دفع النقابات ‏المستقلة إلى مطالبة الإدارات التي تتحجج دائماً بغياب الإمكانات ‏والمكان الملائم للحضانة، بضرورة توفير حضانات للأطفال".
وتشير عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إلى أن ثورة 25 ‏يناير، أكسبت النساء العاملات القدرة على الضغط والتأثير. فكونّ نقابات مستقلة تعبر عنهن يمكنها الضغط وتوفير ‏المطالب.
وتضيف: "ساعد ضغط الممرضات والعاملات في إجبار إدارة مستشفى القصر العيني على توفير مكان صالح لحضانة ‏أطفال العاملات، خاصة خلال فترات العمل الليلية".
وفي المقابل، فإن العديد من المجالس المهتمة بتأمين حقوق النساء، خاصة الأمهات، باتت منصات فارغة. حيث تشير عضو المجلس القومي للأمومة والطفولة، فاطمة خفاجي، إلى أنها ‏قدمت استقالتها منذ أيام قليلة من المجلس القومي؛ اعتراضاً على تحويل ‏المجلس إلى "ديكور غير فاعل" في قضايا المرأة. وتقول: "إن قضية الحضانات من ضمن قضايا عديدة صمت عنها المجلس، ‏واكتفى بالحديث عن مشاركة المرأة في الاستحقاقات الدستورية ‏كناخبة وليس كمرشحة، معتبراً أن دور المرأة سياسي في الأساس، وليس حقوقياً".‏

خسائر الاقتصاد
غياب تنفيذ القانون في مصر، سبب خسائر كبيرة في الاقتصاد. حيث يؤكد خبير التخطيط الاقتصادي الدكتور عادل عامر، أن غياب الحماية الاجتماعية للنساء يؤثر على الاقتصاد المصري. ويقول: "تتخطى نسبة النساء العاملات في مصر 45%، مع احتساب قيمة ‏الاقتصاد غير الرسمي. وبالتالي فإن غياب حضانات ‏الأطفال يؤدي إلى عزوف الكثير من النساء عن العمل؛ ما يفقد الاقتصاد المصري ما يقارب 11% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي".
ويشير إلى أن أزمة النساء في مصر تؤثر سلباً على الاقتصاد، "إذ نلاحظ ارتفاع نسب البطالة بين النساء، بسبب عزوف العديد منهن عن العمل، والبقاء مع أطفالهن. كما أن عشرات ‏الدراسات النفسية والاجتماعية أكدت انخفاض إنتاجية المرأة في ‏المؤسسات المختلفة، نتيجة للتوتر الذي يعتريها بسبب عدم الاطمئنان ‏على أبنائها الصغار في الحضانات التي وضعوا فيها".
دلالات
المساهمون