المطارات التونسيّة فضاءات للتسوّق والنهوض التجاري

25 مايو 2015
ارتفاع عدد السياح تونس يساهم في تنشيط التجارة الحرة(Getty)
+ الخط -
تشير الإحصائيات الدوليّة إلى أن عائدات الأسواق الحرّة العالميّة في المطارات بلغت ما يناهز 60 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي يجعل من الأسواق الحرة أحد أهم روافد العملة الصعبة بالنسبة للعديد من الدول التي تعاني من أزمات اقتصاديّة خانقة وتراجع مبادلاتها التجاريّة.

كانت تونس من بين الدول التي عانت طيلة السنوات الأربع الأخيرة من مشاكل اقتصاديّة أثرت على جميع القطاعات دون استثناء، وخصوصاً تلك المرتبطة بالعملة الصعبة، على غرار السياحة والمبادلات التجاريّة. ولكن الأسواق الحرّة في مختلف المطارات التونسيّة قلّما كانت محور اهتمام الاقتصاديّين، رغم تصاعد حجم معاملاتها وتأثيرها في الاقتصاديات المحليّة.

لم تكن تونس يوماً بمنأى عن تعاظم دور الأسواق الحرّة في الاقتصاد المحليّ، حيث تزامن تطوير البنى التحتيّة للنقل الجويّ في البلاد مع تطوير الفضاءات الخاصّة بتلك الأسواق التي توجد في جميع المطارات الدوليّة التونسية والبالغ عددها ثمانية مطارات.

فضاءات
للتسوّق
يؤكد المسؤول في مطار تونس (قرطاج الدولي)، فارس سعدي، أن المطارات لم تعد أدواتاً ملاحية وحسب، ولم تعد تمارس وظيفتها التقليديّة كمحطّة للمسافرين، بل تحولت إلى فضاءات كبرى للتسوّق ومصدر مهمّ من مصادر العملة الصعبة وتنشيط الحركة التجاريّة في البلاد.

ويقول لـ"العربي الجديد": "يوجد في تونس العديد من المطارات الكبرى، تشمل مطار تونس، قرطاج، مطار جربة الدولي، مطار صفاقس الدولي، مطار طبرقة الدولي ومطار المنستير الدولي، حيث تتنافس كبريات الشركات العالمية للاستثمار داخل هذه المطارات. إذ إنّ عدد المنتوجات المعروضة في هذه المطارات تجاوز 16 ألف منتج محليّ ودوليّ، وهو ما له انعكاسات مهمّة على صعيد التشغيل ودعم القطاع التجاريّ في البلاد، حيث تشغّل هذه الأسواق بصفة مباشرة وغير مباشرة 5000 من اليد العاملة".

أمّا عن استغلال الأسواق الحرّة، فباستثناء مطار النفيضة الدولي ومطار المنستير الذي تحتكر شركة TAV التركية جميع أنشطتهما، تمثّل هذه الفضاءات مصدر دعم مالي مهمّ للدولة عبر المناقصات التي تطلقها سلطة الإشراف، وهي وزارة النقل، لاستغلال الأسواق وإدارتها والتي لا تقلّ قيمتها عادة عن 800 مليون دولار. ويتابع: "تستفيد مصالح الديوانية والجمارك التونسيّة من عائدات الحركة التجاريّة النشيطة في المطار".

من جهة أخرى، تلعب هذه الأسواق دوراً مهماً في تشجيع السياحة وتمكين القادمين أو المغادرين للبلاد من تأمين حاجياتهم من التبضّع دون مشاكل وعبر توفير أكبر قدر ممكن من الخدمات والبضائع المتنوّعة، بحسب السعدي.

خيار استراتيجي

وفي سياق متصل، يؤكّد الخبير الاقتصادي، محمد ياسين السوسي، أنّ المراهنة على الأسواق الحرّة في مختلف المرافق الجويّة في البلاد هو خيار ضروري لتعويض جزء من خسائر البلاد الاقتصاديّة وانخفاض احتياطي العملة الصعبة الناجمة عن تراجع القطاع السياحي والمبادلات التجاريّة خلال السنوات الأخيرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "تجاوز حجم المعاملات التجاريّة في مطار تونس، قرطاج، 150 مليون دولار في العام 2014، في حين يتجاوز حجم تلك المبادلات في جميع المطارات التونسيّة 600 مليون دولار سنوياً".

إلى ذلك، يشير الخبير محمد ياسين إلى تغيّر النمط الاستهلاكيّ للمسافرين، خصوصاً التونسيّين، حيث تحوّلت تلك الأسواق إلى وجهة مئات الآلاف من المواطنين والأجانب لاقتناء ما قد تمنعه السوق المحليّة التونسيّة نظراً لطابعها الحمائيّ أو نظراً لما يفرض على تلك المنتوجات من ضرائب مرتفعة تؤدّي إلى عرضها خارج المطارات بأسعار خياليّة. بل وتوسّعت عمليات التحايل على قوانين السوق المحليّة لتصبح المتاجرة بالسلع المعروضة في الأسواق الحرّة خارج المطارات مهنة مربحة للعديد من التونسيّين الذين يستغلّون كثرة تنقّلهم خارج البلاد لاقتناء وإعادة بيع بعض المنتجات التي تنفرد بها متاجر المطارات.

ويلفت ياسين إلى أن الأرقام الواردة حول حجم معاملات السوق الحرّة في المطارات دفعت الدولة نحو التفكير بجديّة في توسعة مطارات تونس الدوليّة والعمل على استغلال تلك الفضاءات بشكل أكثر فاعليّة كونها تنعكس مباشرة على القطاع السياحيّ والجبائيّ للبلاد.

ويقول: "تراجع عائدات القطاع السياحيّ خلال السنوات الماضية إضافة إلى تزايد حاجيات البلاد من العملة الصعبة، يجعل من مسألة تطوير الأسواق الحرّة والرفع من حجم معاملاتها ونطاق خدماتها ضرورة ملحّة لتغطية تراجع القطاعات الأخرى. كما أنّ النمط المستحدث الجديد المعروف بسياحة المطارات لا يجب أن يظلّ خارج حسابات المسؤولين التونسيّين، خصوصاً في ظلّ خطط الدولة لتطوير حجم التدفق السنوي من 10 ملايين مسافر سنوياً إلى 20 مليوناً خلال السنوات الخمس المقبلة والذّي يُنتظر أن ينعكس إيجاباً على إيرادات البلاد عبر الأسواق الحرّة.

 
المساهمون