عودة برلمان مبارك: الكل يوافق

11 يناير 2016
المصريون خلال الثورة (جويل كاريليت/ GETTY)
+ الخط -
أنتجت التكتلات الانتخابية المصرية برلماناً يمثل الفئات الرأسمالية الكبيرة، تقاسمت تلك الفئات سلطة التشريع في ما بينها وكرست بوجودها عودة ظاهرة تزاوج السلطة والمال بشكل فج. لذا وصف البرلمان بأنه برلمان الثورة المضادة، أنتج هذا البرلمان عبر تعاون أجهزة الدولة والنخب الحزبية المحسوبة عليها، ليتم تشكيل البرلمان طبقاً لأهداف السلطة.
لم يكن الأمر سراً، فالمتسابقون يمثلون ذات الطبقات المستغلة التي تسعى لتحقيق مصالحها والعودة للمشهد السياسي مستخدمة البرلمان. الأحاديث المتداولة أخيراً من جانب المقرّبين من الأجهزة الأمنية كشفت كيف تمت إدارة المشهد بالتفصيل. كيف ضمنت السلطة عدم تمثيل أي فئات اجتماعية غير مجموعات المصالح التي ارتبطت بنظام مبارك، وهي ذاتها الكتل الاقتصادية التي تدعم السلطة اليوم.

التفّت وجوه النظام القديم على المكسب الذي صنعته الثورة وهو تحرير الصناديق الانتخابية من التزوير، فاستبدل التزوير المباشر بعقد اتفاقات وترتيب صفوف مجموعات المصالح، وأقَرّت نصوصاً قانونية حاكمة للعملية الانتخابية، وقامت بإجراءات تستهدف استبعاد الطبقات الشعبية من التمثيل. أهّلت السلطة مجموعات المصالح للفوز، وظّفت الكتل الاقتصادية المتنافسة المال لكسب نفوذ سياسي يحافظ على مصالحها. المقاعد تقاسمتها عدة كتل سياسية تمثل مصالح اقتصادية مشتركة، قائمة "في حب مصر" وكتلة "حزب المصريين الأحرار" و"الوفد" و"حزب مستقبل وطن"، كتل تقف خلفها استثمارات ضخمة صرفت مليارات الجنيهات وتنتظر جني الثمار واستغلال البرلمان لمصالحها. الكتلة الأكبر والأوضح بلا شك هي كتلة "في حب مصر" والتي تجمع شخصيات من البيروقراطية القديمة وممثلي أجهزة أمنية وكبار التجار المحتكرين للسلع، وهي في مجملها فئات توسّعت ونما دورها اقتصادياً وسياسياً عبر الاستفادة من القوانين والقرارات التي مكّنتها من فرص استغلال موارد وأصول الدولة من أراض وشركات.
اختلاف منابع تلك الكتل قد ينتج خلافات شكلية، كالاختلاف مثلاً على رئاسة البرلمان، لكن ذلك لم يمنع أن تلك الكتل ستتفق في النهاية على سياسات اقتصادية واحدة تبارك الاستمرار في منح تسهيلات وإعفاءات و"استثنائيات" لرجال الأعمال. لن ينتج هذا البرلمان سوى قوانين اقتصادية ترسخ عملية النهب وتضفي عليه مشروعية باسم الشعب.
قبل أن ينعقد البرلمان حوّلت الدولة ملف الاقتراض للبرلمان لأخذ الموافقة عليه، لم تتم تلك الخطوة احتراماً لرأي البرلمان بالطبع، لأنه وفقاً لتشكيله ما هو ألا أداة في يد السلطة والتكتلات الاقتصادية، ولكن السبب في هذه الخطوة هو إعطاء طابع من الشرعية على القرض. إضافة إلى أن قرض صندوق النقد مشروط بموافقة البرلمان، لما سيترتب عليه من شروط اقتصادية ستكون قاسية، وفي الوقت نفسه ستؤدي موافقة البرلمان على الاقتراض إلى تقاسم عواقب القرار بين السلطة التنفيذية والتشريعية.
تبرز الشواهد والتحليل للكتل المكونة للبرلمان أنه سيصبح أداة لإقرار الهيمنة السياسية والاقتصادية الكاملة، وأنه سيوافق على إجراءات وخطوات اقتصادية، منها الاستدانة من الخارج، وسينفي نواب البرلمان الذين تشدقوا بحب مصر وبتحريرها من المؤامرات الخارجية كل كلامهم. سيتخذ البرلمان قراره بالموافقة رغم ما سيفرضه القرض من آثار اجتماعية ضارة سيتحملها الشعب. وستتضاعف الأزمة الاقتصادية عبر تراكم الديون.

ليس ملف الاقتراض وحده هو المهمة الاقتصادية للبرلمان في أولى أيامه، فهناك مهام أخرى تتصل بالمسألة الاقتصادية، أبرزها مراجعة كافة التشريعات التي أصدرتها السلطة، وعلى رأسها بنود الموازنة والاتفاقيات الاقتصادية والقرارات التي تزامنت مع المؤتمر الاقتصادي وكذلك القوانين التي تتعلق بالسياسة الضريبية وقانون العمل والتأمينات الاجتماعية. طبيعة البرلمان والكتل المكوّنة له تحمل مؤشرات بأن كل القوانين ستتم الموافقة عليها دون نقاش يذكر. إننا أمام إعادة إنتاج برلمان مبارك المعروف ببرلمان "موافقة".
---------
سوف تساق مبررات عديدة عن حالة الموافقة المتكررة، أولها أن الدستور يلزم البرلمان أن يقر مئات القوانين في فترة زمنية لا تتعدى نصف شهر، حسب المادة 156 (في غياب مجلس تشريعي يحق لرئيس الجمهورية سن القوانين على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد). ورغم أن هناك تفسيراً مختلفاً لهذه المادة ينفي وجوب مناقشة القوانين خلال هذه الفترة الزمنية، إلا أنه سيتم تطبيق التفسير الأول.
وأمام هذا التناقض ما بين المفهوم المستقر عليه من سيادة للشعب عبر ممثليه في البرلمان والسيادة الفعلية للتكتلات الاقتصادية التي تتناقض مصالحها مع أغلبية الشعب، ستقول النخب المؤيدة للسلطة علينا الالتزام بالدستور بالموافقة على التشريعات ويمكن للمعترضين تقديم طلبات أو مقترحات بتعديل تلك القوانين في ما بعد.
كما ستساق في الإطار نفسه مبررات للموافقة على مجمل القرارات الصادرة في غياب البرلمان، منها أن تلك القوانين والقرارات ترتب على إقرارها مصالح واتفاقيات ستعرّض مصر للتحكيم الدولي إذا تم الإخلال بها، وهو المبرر ذاته الذي طرحته الحكومات المتعاقبة حين صدرت أحكام قضائية ببطلان قرارات بيع بعض الشركات للأجانب.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية/ جامعة القاهرة)

اقرأ أيضاً: نظام مستبد عادل
المساهمون