العالمة الاسكتلندية هانا ريتشي تطمئن: ما يمرّ به كوكب الأرض ليس سيئاً جداً

14 يوليو 2024
عالمة البيانات الاسكتلندية هانا ريتشي، 21 سبتمبر 2023 (إكس)
+ الخط -

في كتاب أصدرته عالمة البيانات الاسكتلندية هانا ريتشي أخيراً، تحت عنوان "ليست نهاية العالم"، تحاول الطمأنة بأنّ ما يمرّ به كوكب الأرض ليس سيئاً جداً، وذلك بخلاف كلّ التحذيرات التي تُطلق في سياق الأزمات التي تهدّد كوكبنا، على سبيل المثال، تغيّر المناخ والتلوّث والطاقة والغذاء وما إليها. ويتضمّن كتاب ريتشي معلومات تبدو مفاجِئة، من بينها على سبيل المثال أنّ الهواء في مختلف أنحاء العالم أقلّ تلوثاً ممّا كان عليه في الماضي، وأنّ إزالة الغابات آخذة في الانحسار، وأنّ البصمة الكربونية الفردية في البلدان الغنية تتراجع منذ عقود، بالإضافة إلى أنّ العالم بدأ يودّع السيارات التي تعمل بالوقود، وربّما يودّع الفحم قريباً.

ويتناول كتاب عالمة البيانات الاسكتلندية والباحثة في جامعة أكسفورد والقائمة على موقع "أور وورلد إن ديتا" (عالمنا من خلال البيانات)، في عدد من صفحاته، ما تطرّق إليه كتاب المؤلّف الكندي ستيفن بينكر "الملائكة الأفضل لطبيعتنا: لهذا تراجع العنف" الذي تناول فيه الانخفاض التاريخي للعنف بين البشر.

تقول هانا ريتشي، البالغة من العمر 30 عاماً، لوكالة فرانس برس، من إدنبره: "لا نأخذ في الاعتبار إلى أيّ مدى كان ماضينا صعباً، إذ كان نصف الأطفال يموتون، وكانت الأمراض شائعة، وكان الناس بمعظمهم فقراء، وكان الجوع ينتشر في العالم". وفي تعليق على "لكنّ آثار تغيّر المناخ تزداد سوءاً" الذي استوقفتها من خلاله وكالة فرانس برس، تفيد ريتشي بأنّ "ليس علينا نكران ذلك أو التقليل من أهميته، لكنّه ينبغي علينا كذلك إيلاء اهتمام بالحلول". تضيف: "غالباً ما يكون حدسنا بشأن وضع العالم مخطئاً، وكثيراً ما نخطئ كذلك بشأن الطريقة الفضلى لتخفيض تأثيرنا البيئي الفردي".

وبأسلوب يوصَف بأنّه قاسٍ، تتحدّث ريتشي عن الغربيين الذين يريحون ضمائرهم من خلال الدعوة إلى سلوكيات ذات تأثير محدود على كوكب الأرض المهدّد بالخطر، من قبيل إعادة تدوير العبوات أو عدم ترك الأجهزة الكهربائية والإلكترونية في وضعية استعداد، في حين أنّهم يقومون في الوقت نفسه بأفعال تنطوي على ضرر أكبر لهذا الكوكب مثل تناول اللحوم أو قيادة السيارات أو السفر جواً بالطائرات.

يُذكر أنّ العالمة الاسكتلندية المعروفة بتناول البصمة الكربونية في مختلف دوائرها تندّد بدعوات بلادها إلى سلوكيات مرتبطة بالأساليب الطبيعية، من قبيل إشعال النار بالحطب الذي يلوّث البيئة بطريقة كبيرة في الواقع. وتشير إلى أنّ "تناول البقرة العشب في حقلها يبدو سلوكاً مستداماً، لكنّ الأرقام تظهر أنّ اللحوم البديلة أفضل بكثير من لحوم الأبقار، في مختلف المعايير البيئية تقريباً".

وفي إمكان الإحصاءات التي تناولتها هانا ريتشي في كتابها أن يكون لها التأثير نفسه الذي يتعرّض له شخص يعاني من قصر نظر ويحاول وضع نظارّتَيه للمرّة الأولى. وتزعزع الباحثة قناعات المعسكر البيئي، إذ تقول: "صحيح أنّني أؤيد اللحوم الاصطناعية والكائنات المعدّلة وراثياً"، مضيفةً: "لا أستمتع بأن أكون مدّعية، بل ما يهمّني هو الحقيقة".

وتثير استنتاجات عالمة البيانات الاسكتلندية بشأن كوكب الأرض وما يواجهه الدهشة. فهي كانت قد كتبت، على سبيل المثال: "إذا توقّف جميع الأوروبيين عن استخدام البلاستيك غداً، فلن تشهد المحيطات أيّ تغيّر تقريباً"، موضحةً أنّ نظام إدارة النفايات فعّال نسبياً في أوروبا. وفي مثال ثانٍ، سألت: "هل تعلمون أنّ زيت النخيل، العدوّ المعلَن لعدد كبير من المنظمات غير الحكومية والماركات بسبب إزالة الغابات المرتبطة بإنتاجه، هو نبات منتج بطريقة مدهشة؟ فأشجار النخيل تنتج زيتاً أكثر بعشر مرّات لكلّ هكتار مقارنةً بما تنتجه البدائل الأخرى مثل أشجار جوز الهند". وتابعت: "إذا قاطعنا زيت النخيل واستخدمنا محلّه البدائل (المتاحة)، فسوف نحتاج إلى مزيد من الأراضي الزراعية".

في سياق متصل، وفي ما يخصّ استخدام الأسمدة في الزراعة، ترى ريتشي أنّ "العالم غير قادر على التحوّل إلى الزراعات العضوية، لأنّ عدداً كبيراً منّا يعتمد على الأسمدة للاستمرار"، من دون الخوض في تأثيرها على التربة.

وتحمّل هانا ريتشي ما تسمّيه "إحصاءات الزومبي" التي تنشرها وسائل إعلامية مسؤولية تضليل الناس، موردةً مثالاً عن المعلومة التي تزعم أنّ ثمّة "60 محصولاً متبقياً" فقط بسبب تدهور الأراضي، والتي تكرّرت على مدى عشر سنوات من دون ذكر مصدر موثوق.

وليس من الصدفة أنّ أمثلة كثيرة في الكتاب تتعلّق بما نأكله. وتقول ريتشي إنّ الطاقة التي تتسبّب في ثلاثة أرباع ظاهرة الاحترار المناخي تشهد مرحلة انتقالية، تشمل بدء اعتماد السيارات الكهربائية والمضخات الحرارية والطاقة الشمسية، لافتةً إلى أنّ النظام الغذائي الذي يساهم بنحو ربع الاحترار ما زال بعيداً من إطلاق ثورته. بالنسبة إلى ريتشي، فإنّ "الطعام هوية وكذلك مسألة شخصية جداً"، مضيفةً أنّ "الناس لن يبدأوا في تناول العدس والتوفو" بين ليلة وضحاها، إلا بعد قراءة "ليست نهاية العالم" ربّما.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون