التفاوت الصارخ: لبنانيون يعيشون برواتب لا تكفي سعر مسكن

02 سبتمبر 2015
شاب يعتصم في لبنان ضد الفساد (وكالة الأناضول)
+ الخط -
"الموظفون وأصحاب المصالح الصغيرة والمزارعون وغيرهم يعانون من ضائقة مالية مستمرة، فمتطلبات الحياة ليست سهلة"، يقول سليم، وهو مواطن لبناني يعمل في إحدى شركات المعاينة الميكانيكية. ويضيف أن راتبه الشهري لا يكفيه، فهو لا يتخطى الـ 800 دولار أميركي زائد الحوافز، فيما قسط المؤسسة العامة للإسكان وحده 400 دولار أميركي شهرياً، لكي يصبح البيت الذي يسكنه خارج بيروت، ملكه بعد 30 عاماً من الدفعات المتواصلة. ويضاف إلى ذلك فواتير الكهرباء الرسمية والمولد الخاص، المياه الرسمية والمياه المعبأة، الأدوية والمدارس والمصروف اليومي، لينتهي شهره مديوناً بما يوازي قيمة راتبه. وهو ما يرغم سليم على العمل بوظيفة ثانية في أحد محال تصليح السيارات.

يشرح سليم أن الإسكان أتعبه ليس فقط من ناحية الدفعة الشهرية، خلال السنتين الماضيتين، إنما أيضاً الرسوم الإضافية المفروضة عليه لناحية تسجيل المنزل. فرسم تسجيل الشقة في الدوائر الرسمية يصل إلى 6,5% من سعر الشقة الأساسي لكن مع التقسيط يتضاعف هذا الرسم ليصل إلى 12% مما يجبر سليم ومعظم اللبنانيين من المقترضين إلى دفع رسم تسجيل بنسبة مضاعفة. أما الإيجارات فهي لا تقل عن 700 دولار لبيت صغير في بيروت، وتصل إلى ما بين 450 دولاراً وما فوق في ضواحيها... ولكن هل فعلاً كل اللبنانيين يعانون من قضية السكن؟

اقرأ أيضا: سوق العقارات في لبنان: "نار يا حبيبي نار"

قصدت "العربي الجديد" أحد مالكي شركات الوساطة العقارية في بيروت، ويقول مديرها، فضل عدم ذكر اسمه، إن ليس كل اللبنانيين يعانون من الأزمة السكنية. ويشرح أن أسعار الشقق الفخمة في بيروت غير موحدة فلكل شقة سعر وذلك يعود لمكان العقار وتصنيفه. ويلفت إلى أن سعر المتر المربع في المباني الفخمة في بيروت وصل إلى أكثر من 16000 دولار، أي أن سعر شقة بحجم 350 متراً مربعاً يصل إلى 5 ملايين و600 ألف دولار. وفي عملية حسابية بسيطة نستنتج أن تكلفة تسجيل هكذا شقة مثلاً تصل لـ 364 ألف دولار. إلا أن متوسطي الدخل والفقراء هم من يدفع رسوم التسجيل، في حين أنه للأثرياء حيلهم للتهرب من الدفع. إذ يكشف مدير الشركة عن السر في كيفية التهرب من تسجيل الشقق ودفع الضرائب المتوجبة من قبل الشاري على الشكل التالي: "يقوم البائع أي الطرف الأول بإنشاء شركة وهمية والتي لا تكلف أكثر من 5000 دولار وتسجل الشقة باسم الشركة حديثة المنشأ مما يعفيها من الضرائب وعند بيعها للطرف الثاني تنتقل ملكية الشركة للشاري مقابل بضع طوابع وتكاليف لا تذكر وبذلك يصبح للمالك الجديد شقة معفية من الضرائب"...

اقرأ أيضا: لهيب الأسعار

وفي حديث أجرته "العربي الجديد" مع الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي، يقول الأخير إن مروحة الأجور في لبنان عريضة جداً فبين الحد الأدنى والأجور العالية يضيع المنطق. ويحدد الدكتور يشوعي مفهوم الأجر بوصفه بدل أتعاب العمل المقدم ويتغير ويرتفع حسب الخبرة والعطاء من الأجير، كما يتوجب على صاحب العمل رفع راتب الأجير على أسس وظيفية واضحة. ويضيف يشوعي أن هذه المقاربة في لبنان مفقودة ويعطي مثالاً عن الشباب الخريج من الجامعات الذي يقدم المعرفة ولا يتقاضى أكثر من ألف دولار شهرياً، وهذا الأجر لا يكفي مصاريفه. ويشدد يشوعي على حق الموظف بالادخار وأيضاً هذه المقاربة بعيدة عن لبنان.

ويشير يشوعي إلى أن المسؤولية تقع على عاتق المصارف الخاصة كذلك على مصرف لبنان، والتي تعتمد سياسة تعطيل السيولة وعدم دعم الشركات والمؤسسات ومدها بالأموال، وبدل وضع الأموال في أيدي الناس من أجل الإنتاج وزيادة الأجور للطبقات الفقيرة وضعوا 70 مليار دولار في صناديق المصرف المركزي معتبرين أن هذه سياسة رشيدة يحمون من خلالها سعر صرف الليرة والادعاء بحمل مخزون الأموال من العملات الصعبة، ولكن هذه السياسة تمنع أوكسجين الإنتاج عن الشركات والمؤسسات وبالتالي عن الناس.

ويقول يشوعي إن الدين وصل إلى أكثر من 70 مليار دولار وهذا الرقم يكفي لبناء وطن فيه خدمات ممتازة من طرقات ومياه وكهرباء وشقق سكنية للفئات الشعبية وبحبوحة للناس، ولكن كل ذلك غاب بفضل السلطة السياسية الفاسدة التي استولت على هذه الأموال وبدل تقديم الخدمات للناس قدموا الضرائب. ويضيف أنه يجب أن يكون الناتج المحلي 100 مليار بدلاً من 48 مليار دولار. ويتهم يشوعي السلطة بأنها "سرقت البلد، بل أكثر أصبحت تقتل الناس من خلال تسميم الهواء وطمرنا بالنفايات".

اقرأ أيضا: أسعار استئجار المنازل العربية باهظة

بدوره، يتحدث الخبير الاقتصادي الدكتور غالب بو مصلح عن المساكن الشعبية وغيابها التام عن لبنان، واضعاً أمثلة عديدة لمجموعة من الدول التي قامت ببناء المساكن الشعبية بعد الحروب، كألمانيا التي بنت آلاف المساكن وقدمتها للناس مقابل القليل من النقود ومن دون فوائد وكذلك فعلت فرنسا بعد حربها. ويشرح بو مصلح أن الشركات والقطاع الخاص هدفهما الربح والمصارف هدفها الربح المضاعف، في حين أن الحكومات المتعاقبة لم تفكر بهذا الأمر فهي غير معنية بهموم الناس الحياتية والمعيشية.
المساهمون