فاسدو مصر وتونس.. عودة الابن الضال

17 يونيو 2015
عودة سلطة رجال الأعمال المطلقة في مصر وتونس (Getty)
+ الخط -
يبدو أن عودة سلطة رجال الأعمال المطلقة في كل من مصر وتونس أصبحت أمراً محققاً. ففي كلا البلدين يطرح ملف التصالح مع جرائم الكسب غير المشروع، وفي الوقت عينه تتلكأ أجهزة الدولتين في التعامل الجاد مع ملف الفساد، بخاصة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالأموال المهربة للخارج.

كلا الرئيسين، عبد الفتاح السيسي والباجي قائد السبسي، خرج علينا من دولاب دولة رسخت نظاماً اقتصادياً مَنَحَ رجال الأعمال امتيازات اقتصادية، أدّت إلى نهب موارد وثروات البلدين، كان أبرزها تخصيص الأراضي بأبخس الأسعار وتطبيق الإعفاء الجمركي والضريبي، وكذلك تسهيل الحصول على الطاقة بمشتقاتها من بترول وغاز وكهرباء. ناهيك عن اتفاقيات وعقود تلزم الدولة بتقديم مجمل الخدمات والمرافق لرجال الأعمال بأسعار زهيدة أو دون مقابل. كل الإجراءات التي طبقت وسببت الفساد قبل الثورة تعود اليوم لتطبّق تحت عنوان جذب الاستثمارات وتشجيعها، واستعادة رؤوس الأموال التي هربت بعد "بعبع الثورة" الذي أخاف رجال الأعمال!

كثّف النظامان التنسيق الدعائي لفكرة التصالح مع رجال الأعمال. في مصر تهدف الحكومة، كما أعلنت عبر إجراءات التصالح، إلى مد خزينة الدولة بالأموال، بخاصة قبل إعداد الموازنة الجديدة. وفي هذا السياق، تم إقرار قانون التصالح مع مخالفات الأراضي وأعلنت أنها ستجمع 100 مليار جنيه (13.1 مليار دولار)، بينما ما تقوم به هو إعادة تطبيق للفساد. إذ منحت الدولة أراضيها للمستثمرين، بحيث لم يتجاوز سعر المتر، أحياناً كثيرة، الدولار الواحد، هذا بينما يبلغ سعر المتر الواحد الآن مئة ضعف على الأقل، وبرغم ذلك سوف تتم تسوية الأوضاع.

اقرأ أيضا: النظام المصري "يدلع" أباطرة الحديد ويثبت احتكارهم

يبدو أن السلطة تريد عودة أبنائها الضالين أو الهاربين للخارج، وإخراج من هم في السجون وتبرئتهم مع "قرصة ودن صغيرة"، تتمثّل بالغرامة. وبهذا التوجه يسقط حق الشعب الذي أهدرت ثرواته ونهبت أمواله، ويعود أباطرة الفساد يتحكمون في الاقتصاد. لا شك في أن رئيسي الدولتين في حاجة إليهم لمساندة حكمهما كما ساندوا الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.

المشهد يدمي القلب، أحمد عز أحد رموز الفساد في عصر مبارك تتم تبرئته في نهاية 2014، ويخرج بكفالة 13 مليون دولار، سدّد جزءاً منها والبقية بالتقسيط، برغم أنه هو ذاته سبق ودين في 2012 وحكم عليه بغرامة 3.2 مليارات دولار. وفي السياق عينه، تطرح قضية التصالح مع حسين سالم، الذي عرض بدوره تسوية أوضاعه المالية تمهيداً لعودته إلى مصر، حيث تقدّم محاميه بعرض لإسقاط القضايا التي يحاكم فيها مقابل 4.6 مليارات دولار.

هكذا، إذن، يسعى السيسي في مصر لإكمال ما أعلن سابقاً من مخططات التصالح ولكن بتنازلات أكبر. حيث تمت تبرئة رموز الفساد وسيتم التصالح معهم بموجب نصوص مواد قانون الإجراءات الجنائية، وقانون التصالح في مخالفات البناء، الذي يعالج جرائم إهدار المال العام ونهب وتخصيص الأراضي. بالإضافة إلى قانون حوافز الاستثمار الذي تضمّن جواز التصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال فيما يخص المخالفات المالية.

وإذا كان هذا هو وجه التعامل مع قضايا الفساد من قبل حكومات ما بعد الثورة، فإن تصريحات مدير إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية لا تعود مستغربة. فقد برأ ساحة سويسرا، ودان الحكومات معلناً أن بلاده لديها رغبة قوية في إعادة الأموال المهربة مع فوائدها، وموضحاً أن تأخر استردادها يرجع لعدم تقديم مصر أحكاماً قضائية أو أدلة إدانة لمن جمّدت أموالهم. بدت حكومة سويسرا على لسان سفيرها أكثر إنصافاً، حيث أوضح أن بلاده جمدت أرصدة رجال النظام لكيلا يتمكنوا من تحويلها لدول أخرى.

نعود لتونس أيضاً لنكتشف أن حكومة السبسي تريد إعادة الأموال المصادرة من رجال بن علي، بدعوى عدم صدور القرار من جهة تشريعية. هنا، تسعى حكومة السبسي لإغراق المواطنين بمرافعات قانونية لا تنتهي، جلّ همّها القفز فوق السؤال الأساسي: من أين أتى العديد من العائلات والأفراد الذين ينتمون إلى الطبقة الحاكمة التونسية، بتلك المليارات؟
المساهمون