بيت الحكمة

23 يونيو 2015
+ الخط -
في ضاحية المرسى لصق قرطاج، قصرٌ منيفٌ شامخ، له قصّة تستحق أن تروى: بني القصر حوالى عام 1860، وكان مالكه الجنرال أحمد رزّوق، ذو الأصل المملوكي، الذي يحتفظ له التاريخ بذكرى قائد الحملة الذي قضى على ثورة علي بن غذاهم عام 1864، وقيل وقتها إنه استعمل القصر مركزاً لمراقبة البلاد التونسية. وبعد "نجاحه" في القمع، صار رزّوق وزيرًا للحرب.
بدّد رزّوق ما رزقه الله من أموال، فانتقل القصر منه إلى غيره، إلى أن غدا مقر آخر باي تونسي؛ محمّد الأمين، بين عامي 1943- 1957. ومن القصر أُعلن حقّ تونس في الحكم الذاتي. وبعد الاستقلال أصبح القصر من أملاك الدولة، ويبدو أن هذا من حسن حظّ هذا البناء الجميل. فهو اليوم مؤسسة "بيت الحكمة" أو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، كذا انتقل القصر من وظيفة الرقابة والقمع فالرئاسة إلى وظيفة أجدى؛ الثقافة. وقد حاز القصر اسمه الدالّ "بيت الحكمة" عام 1983.
يجمع البناء تقاليد العمارة العثمانية والأندلسية في آن واحد. ونستطيع أن نلاحظ من النظرة الأولى، قوّة الزخارف التي تزين واجهته على شكل إطار يزنّر مدخله الرئيس ذا الباب المقنطر تحت مستطيل رخامي، والنوافذ الأربع المتناظرة على الجانبين.
فوق المدخل عنصرٌ شهير من العمارة الإسلامية: المشربية أو تلك الشرفات الخشبية المشغولة بطريقة تمنح من داخلها حقّ مراقبة كلّ ما في الخارج، من دون أن يكون مرئيًا، بل محتجبًا وراء الأشكال الهندسية الناجمة عن تقاطع الأخشاب.
ويظهر أثر العمارة العثمانية المتأثّرة بما هو أوروبي من خلال ابتعاد البناء عن خفر البيوت العربية التي لطالما تميّزت ببساطة واجهاتها، وقلّة نوافذها. هي في الغالب جنّات تنفتح على الداخل. وهذا مفهوم إسلامي بحت، يقوم على التواضع وعدم استفزاز العامّة بمظاهر الترف والرفاهية. فوق الشرفة الخشبية رمز يعود إلى الحقبة الحسينية من تاريخ تونس، ذلك لأن مالكه الأوّل الجنرال أحمد رزّوق كان مرتبطًا بعلاقة قربى مع الحكم وقتها، فقد كان متزوّجًا من زنيخة أخت محمّد باي.
ووفقًا لصور قديمة بالأسود والأبيض للقصر، فإن الزخارف الصفراء كانت ذات لون أفتح من لون واجهته، ولعلّ تلك الأخيرة كانت رملية اللون. على كلّ ليس هذا حال ألوان "بيت الحكمة" اليوم. فهو كأخوته في مدن تونس الخضراء الساحلية، متكحل بلونين: أزرق وأبيض. فإذا ما تذكرّنا أن القصر لصق البحر، جاز لنا عدّه بلونه الأبيض الناصع أقرب إلى لؤلؤة. ولعله فعلًا كذلك، واليوم تحديدًا، وكيف لا؟ ويرأسه المفكّر التونسي الدكتور هشام جعيط.
المساهمون