من صلاح إلى ستيرلينج.. كرة القدم صناعة قرار

30 أكتوبر 2014
صلاح وستيرلينج بين التألق وسجن البدلاء
+ الخط -

"لقد شاهدت المباراة مثلكم، ولم أفرح بمستواه، إنه يمثل الصدمة بالنسبة لي، لم يتطور كثيراً ولم يقدم ما أرجوه منه، والأمر يعود له وليس لي". هكذا قال جوزيه مورينيو عن محمد صلاح، بعد مباراة تشيلسي في كأس الرابطة الإنجليزية، ورغم فوز فريقه وصناعة المصري للهدف الأول، إلا أن مستوى الفرعون الشاب أصبح محل شكوك كبيرة، ليس عند المدرب فقط، ولكن في جميع الأوساط الكروية في الوطن العربي والملاعب البريطانية.

القصة الشهيرة
خرجت قصة شهيرة من داخل الأوساط الكروية الإنجليزية في يناير/ كانون ثان الماضي، وبالتحديد خلال فترة الانتقالات الشتوية، تفيد بأن ليفربول الإنجليزي يستعد من الآن للاستفادة القصوى من خدمات المصري محمد صلاح لاعب بازل السويسري، وبدأ المدرب براندن رودجرز في رسم كافة التصورات الخاصة بمركز صلاح داخل الملعب، والخطط التي يحتاجها من أجل التألق، وكيفية دخوله في نظام وأسلوب فريق ليفربول بشكل سريع.

وفي المقابل، قدوم صلاح يعني التفريط في أحد النجوم الشبان، وكان الأقرب للخروج هو رحيم ستيرلينج، الجناح السريع واللاعب خفيف الحركة، الذي لعب أكثر كبديل خلال النصف الأول من الموسم الماضي، وقرر المدرب أن أفضل خيار ممكن لهذه العملية، أن يأتي صلاح إلى ليفربول، ويذهب ستيرلينج إلى نادي آخر على سبيل الإعارة، والأقرب إلى قلب وعقل المدرب كان اسم سوانزي سيتي، وذلك لتشابه طريقة لعب الفريق مع أسلوب رودجرز القائم على محاولة التمرير والاستحواذ واللعب الهجومي.

لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفينة ليفربول، ودخل جوزيه مورينيو على الخط، ووضع تشيلسي كامل تركيزه على إنهاء الصفقة وخطف الفرعون المصري من شباك الريدز، وتمت الصفقة سريعاً، وبعد أن كان الأنفيلد جاهز لاستقبال صلاح، أصبح اللاعب بقميص تشيلسي بين جنبات ملعب ستامفورد بريدج، لتنتهي أغرب صفقة على الإطلاق في فترة الانتقالات الشتوية بالملاعب الإنجليزية خلال العام الماضي.

مراكز تكتيكية مختلفة
المقارنة بين صلاح وستيرلينج تقودنا إلى مفهوم فني مهم حول أبرز الفروقات بين الجناح المقلوب والجناح التقليدي في عالم كرة القدم، وذلك لأن كل لاعب له صفاته الخاصة التي تميزه، ورغم التشابه في اللعب على أطراف الملعب، إلا أن خصائص ومهام كل نجم تختلف كثيراً أثناء مجريات المباراة، لكنهما في المجمل يقومان بعمل كبير، لأن اللعب على طرف الملعب يحتاج إلى مهارات خاصة، لأنك تواجه لاعب الخصم والخط الجانبي من الملعب، لذلك تمتاز هذه النوعية من اللاعبين بجودة تقنية وسرعة في التعامل مع الكرة.

صلاح بمثابة الجناح المقلوب الذي يُعرف باسم Inverted Winger، ساعد هجومي يساند العناصر الأساسية في الثلث الأخير، لاعب أيسر يلعب على اليمين من أجل اللعب على القدم الثابتة للظهير المنافس والدخول إلى العمق من أجل التسديد. استراتيجية تكتيكية تعتمد على التعامل مع الظهير بطريق معاكس، أي الظهير الأيسر تتم مهاجمته بجناح يلعب بالقدم اليمنى، وذلك لمراوغته وعمل خطورة حقيقية، وهذا ما أتقنه محمد صلاح خلال فترته مع بازل.

أما ستيرلينج فهو الجناح التقليدي، لاعب سريع جداً ينطلق على خط الملعب، ويتجاوز المدافعين بخفته بعد رمي الكرة إلى الأمام. أسلوب لعب يشبه اللاعبين القدامى في فترة التسعينيات، اللاعب السريع الذي يمرر بقدمه اليمنى، يتم وضعه على اليمين، ويجري بالكرة على الخط، وهناك نجوم إنجليز في هذا المركز، كثيو والكوت ورايت فيليبس، وأخيراً رحيم ستيرلينج، الذي بدأ مسيرته الكروية كلاعب تقليدي على الطرف الأيمن من الملعب.

قيمة رودجرز
بعد فشل صفقة انتقال صلاح إلى ليفربول، قرر رودجرز الاعتماد بشكل كلي على ستيرلينج، بسبب نقص عدد اللاعبين القادرين على التمركز الطرفي خلال النصف الثاني من الموسم الماضي. ولم يقتصر دور الجهاز الفني على الاستفادة من إمكانيات لاعبيه، بل أضاف لهم بعد آخر، ونجحوا في مضاعفة قدراتهم وإمكانياتهم، وأوضح مثال على ذلك، الدور المحوري الذي لعبه رحيم.

الرقم 31 خلال الموسم الماضي يدخل إلى العمق ويصبح قريب جداً من سواريز حيث يستطيع التمرير بشكل أفضل، ومع لعبه على الخط إلا أنه ينجح في تبادل المراكز مع لويزيتو من أجل خلخلة الدفاعات. يستمر رحيم في التطور، ويصبح أقرب إلى المهاجم الثاني أمام منطقة الجزاء، ويترك سواريز/ ستوريدج المهمة له للإنقاض على الكرة داخل صندوق العمليات.

بالإضافة إلى توظيفه كجناح يتحول إلى صناعة اللعب من منتصف الملعب وبالتحديد في منطقة الارتكاز، لذلك لعب ستيرلينج كجناح صريح، وصانع لعب من العمق، ولاعب أيمن يتمركز على الجبهة اليسرى من الملعب، وتم تحسين أدائه بوضوح، حتى أصبح أحد أهم اللاعبين في تشكيلة ليفربول، ومنتخب إنجلترا، بعد مرور فترة قليلة، ويطلبه مدرب المنتخب بالاسم خلال التصفيات الأخيرة المؤهلة لبطولة أوروبا 2016.

صناعة القرار
نجح رحيم في شق مشواره سريعاً، بينما وقف صلاح في مكانه وكأنه يسير على طريقة "محلك سر"، لا تقدم ولا تحسن، مجرد لاعب محترف انتقل إلى فريق كبير بقيمة تشيلسي، لكنه لا يلعب كثيراً ولا يشارك باستمرار، وليس له أي بصمة في أداء الفريق، سواء كأساسي أو كبديل على دكة البدلاء، وهنا يجب أن نضع كل هجوم على قرار الفرعون المصري، ولا دخل للمدرب جوزيه مورينيو فيما حدث للاعب.

صلاح اختار تشيلسي، لأنه يريد نادي أشهر في الوقت الراهن، أو مدرب صاحب اسم كبير، أو مال أكثر، وكل هذه الأسباب منطقية ومقبولة، لكن الأهم أن تقترن بكيفية مشاركته وزيادة عدد دقائق لعبه، وفي النهاية كل هذه العوامل تصب في خانة مصلحة اللاعب النهائية، لأن التاريخ يذكر البطولات، وكتب الكرة تتحدث عن طريقة اللعب، والجمهور يشاهد فقط النجم صاحب البصمة داخل الساحة الكروية وليس خارجها.

يجب على صلاح إعادة التفكير في مستقبله، وضرورة اتخاذه لخطوة أخرى في مشواره الاحترافي، لأن الاستمرار في تشيلسي يعني نهاية مسيرة النجم الكبير قبل أن تبدأ بشكل رسمي، وهذا ما ينقص اللاعب المصري والعربي، القرار الاحترافي والتفكير المستقبلي لسنوات قادمة.

 

المساهمون