بيب ومو .. إنّها الحرب

09 سبتمبر 2014
+ الخط -

أثار بيب جوراديولا قضية طول العشب وطالب بوضع شروط جديدة وضوابط حول هذا الأمر خلال منتدى مدربي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في نيون، ليرد عليه مورينيو بحدة ويؤكد أن هذا الأمر ليس من اختصاصه، وأن كل فريق له طريقة لعب مختلفة، وكرة القدم تؤخذ من زوايا عديدة، ليؤكد المدرب الإسباني أن مورينيو يفضل الفوز فقط دون أدنى اهتمام بالأداء وجمالية اللعب.

أعادت التصريحات المتبادلة بين المدربيّن الكبيرين، أجواء التنافس القديمة، والصراع الذي لا ينتهي بين "الاستثنائي" والفيلسوف، حول مصطلح المدرب الأكثر قيمة في ملاعب القارة العجوز.

وجها العملة
يقول جوارديولا في وصفه للرياضة الشعبية الأولى "كرة القدم فن، يعرض كل شخص من خلالها طريقته الخاصة ويجمع أفكاره من أجل تشكيل النموذج الخاص به الذي يعتبر بمثابة وسيلته في فهم قواعد وقوانين اللعبة. هذا هو الجمال بالنسبة لمن يحاول فهم المستديرة بشكل مغاير، وينظر إليها كونها أكثر من مجرد جلد منفوخ أو لعبة خاصة بالفوز والخسارة".

وكما يرى بيب الكرة من زاوية جمالية بعض الشيء، فإن جوزيه مورينيو، ينظر لها على طريقة المخرج الذي يضع النص ويُجبر جميع العاملين معه على السير وفق ما يريد. لذلك يبدو من الوهلة الأولى، صراع بين لاعب، و مدرب، و فريق، وجمهور في مقامها الأول لكنها تتخطى هذه الحدود لتصبح فكرة خاصة بفلسفة ضد أخرى في صراع مستمر نحو إثبات الذات وتحقيق التفوق، ويُشّكل الثنائي جوارديولا ومورينيو جانبي هذه الفلسفة رفيعة المقام.

جمهورية الارتكاز
"عندما تلعب في مركزي، لا تسجل أهدافاً، لا تمرر كثيراً، لا تصنع فرصأً، لا تراوغ، ولا ترتبط بهتافات الجماهير، لكنني استمتعت بأداء العرقلة الكروية المشروعة، بقطع الكرات، بصيد الهجمات، بتحطيم هجمات الخصوم"، يتحدث كلود ميكاليلي، عن نفسه وعن سنوات العشق والهوى الكروية في ملاعب أوروبا مع أكثر من فريق.

وصل جوزيه مورينيو إلى تشيلسي في ولايته الأولى قادماً من بورتو البرتغالي بعد رحلة نجاح كبيرة، ليجد في انتظاره كتيبة مميزة من اللاعبين وفي مقدمتهم كلود ميكاليلي، الذي وجد ضالته في النادي اللندني الذي قدّره مادياً ومعنوياً على عكس أيام الملكي، ويصنع البرتغالي طريقة لعبه على ميكاليلي، والتي امتازت بإغلاق كافة المنافذ أمام مرماه ومن ثم ضرب الخصم بالتحولات السريعة والمرتدات القاتلة.

طريقة لعب 4-3-3 التي تعتمد على اللاعب الإضافي ميكاليلي، كما وصفه مورينيو، أسفل الوسط وأمام الدفاع رفقة الغاني مايكيل إيسيان، وأمامهما الإنجليزي فرانك لامبارد، كرأس مثلث متقدم للأمام، وينجح تشيلسي في خطف لقب الدوري المحلي بعد غياب استمر سنوات طويلة نتيجة الخلطة الدفاعية التي أوجدها مدربه رفقة ارتكازه المنسي الذي أضاعه الريال.

جنة كرة القدم
طُرد بيب من جنة كرة القدم بسبب ضعف بنيانه وافتقاره إلى الجوانب البدنية القوية. يعترف جوارديولا في حوار سابق بأنه شعر بعد بطولة أوروبا 2000 أن مكانه بدأ يختفي شيئاً فشيئاً من ملاعب الكرة ويدخل مكانه لاعب الارتكاز القوي بدنياً الذي يقطع الكرات ويقطع المستطيل ذهاباً وإياباً دون كلل أو توقف، لذلك قرر كابتن برشلونة القديم أن يتخلى عن مكانه ويترجل عن حصانه ويقرر الابتعاد برغبته قبل أن تجبره قواعد اللعبة الجديدة على ذلك.

عاد بيب كمدرب مع برشلونة بصورة خيالية، قام جوارديولا بتصعيد ناشئ صغير يدعي بوسكيتس، لم يعرفه أحد وقتها ولم يدرك أيّ متابع أن هذا اللاعب الشاب سيكون صاحب الخطوة التي غيرت كثيراً في مفاهيم اللعبة بالعصر الحديث. استمر المدير الفني في الجنون ولم يكتف فقط بتصعيد بوسكيتس بل أيضا إشراكه على حساب اللاعب الإيفواري يايا توريه.

بوسكيتس، لاعب الارتكاز الذي يتحول كمدافع ثالث ليصبح خط الدفاع أقرب إلى ثلاثي دفاعي صريح، بوسكيتس وقلبي الدفاع، مع صعود الظهيرين إلى الهجوم ليبادر البرسا بسبعة لاعبين في المقدمة وثلاثة فقط بالخلف، ليصل الفريق الكتالوني إلى قمة المجد بسداسية تاريخية لم تتكرر حتى اليوم.

نجح جوارديولا بطريقة لعب 4-3-3، كما فعل مورينيو من قبل بنفس الطريقة، لكن كل مدرب له أدواته الخاصة واستراتيجيته التكتيكية المختلفة. وضع مورينيو رهانه على الجانب الدفاعي والمرتدات، بينما رمى بيب بكل ثقله على الهجوم مستخدماً ارتكاز يمرر ويبني الهجمة من الخلف، ليصبح بوسكيتس أحد أشهر اللاعبين في السنوات الأخيرة.

مصير واحد
عاد مورينيو من جديد إلى تشيلسي بعد تجربة إنتر ميلان ثم ريال مدريد، بينما حطت الرحال بجوارديولا في مدينة ميونخ مع نادي بايرن، ليعود الثنائي إلى البحث في دفاترهم القديمة حول العوامل والأسرار التي تجعل نجاحهم أسرع مع فرقهم الجديدة.

استقدم تشيلسي لاعب الوسط الصربي ماتيتش، بينما تعاقد بايرن مع متوسط ميدان الريال تشابي ألونسو، ليعيد الزمن نفسه من جديد، وتتقابل المدرستان، الدفاعية والهجومية مرة أخرى. وخلال الموسم الحالي، يحاول مورينيو بناء تكتيكه الدفاعي على ماتيتش في القيام بحائط صد أولى وحماية مرماه من الهجمات مع نقل الهجمة من الدفاع إلى الهجوم عن طريق تمريرات فابريجاس وانطلاقات دييجو كوستا في الثلث الهجومي الأخير.

ومع بايرن هذا العام، يفكر بيب في اللعب بطريقة لعب 3-5-2 ومع وجود ألونسو في الارتكاز أمام ثلاثي الدفاع، ومن المتوقع أن يستخدمه جوارديولا في الارتكاز الصريح لكن مع ديناميكية أكبر وجودة أوضح، خصوصاً أن الثنائي يحب فكرة التمرير والاستحواذ على الكرة، لذلك سيحاول بيب إدخال فكرة "الريجستا" لكن على الطريقة الإسبانية في الملاعب الألمانية خلال العام الحالي، أي سيكون ألونسو هو الارتكاز الصريح في تشكيلة بايرن، أمام الدفاع وخلف لاعبي الوسط.

كرة القدم فلسفة
"مبارياتي مع مورينيو تشبه مباريات النهائيات بكرة السلة الأمريكية، حينما تقوم بشيء، يرد عليك بطريقة أخرى، تقوم أنت بتغيير اتجاهك وعمل شيء آخر، وهكذا"، يشير جوارديولا في تصريح قديم عن الديربي الخاص بينه وبين مورينيو.

التخمين، الإعداد الجيد، التغيير، الابتكار، مفاتيح حل المباريات، كلها أمور تجعلك تشعر بالمتعة. لقاء، بيب-مو،هو صراع له أبعاده القديمة، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينما عمل مورينيو مع بوبي روبسون ثم لويس فان جال، وكان بيب هو كابتن برشلونة وأحد نجومها الكبار، ليصبح الثنائي في ملاعب التدريب، وجهاً لوجه في أكثر من مناسبة.

صراع أكبر من كونه مباراة بين أي مدربيّن، بل تاريخ قديم وأمنيات لا تنته، ورغبات مدفونة داخل قلوب لا تعرف الهزيمة. جوارديولا، النموذج المثالي للكرة الهجومية وفلسفة الفعل الاستباقية، ومورينيو الذي يتقن الكرة الدفاعية ولعب المرتدات في استراتيجية رد الفعل الكروي، ليقودنا التنافس إلى أعمق معاني الساحرة المستديرة، ألا وهي الفلسفة الكروية وطريقة الوصول إليها.

المساهمون