استمع إلى الملخص
- **تدمير المنشآت الرياضية**: دمر الاحتلال العديد من الأندية والملاعب، مما دفع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لمطالبة "فيفا" واللجنة الأولمبية الدولية باتخاذ موقف عاجل.
- **استهداف اللاعبين وتحديات الرياضة**: استهداف مباشر للاعبين وتعطيل وسائل الاستقرار الرياضي، ورغم ذلك حقق منتخب فلسطين إنجازات تاريخية وشاركت بأكبر بعثة رياضية في أولمبياد باريس 2024.
سجّلت بيانات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم استشهاد أكثر من 361 رياضياً، وتدمير 57 منشأة رياضيّة، حتى حدود الثالث عشر من شهر أغسطس/ آب الجاري، كحصيلة مُحدّثة لانتهاكات قوات الاحتلال بحقّ الرياضة الفلسطينية، منذ السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فهل كانت هذه الانتهاكات، هي الأولى من نوعها؟
لا يمكن ضمان استمرار المسابقات الرياضيّة الفلسطينية، في ظلّ وجود الاحتلال، الذي تسبّب أخيراً في إيقاف دوري المحترفين الفلسطيني لكرة القدم في الضفّة الغربيّة، ودوري الدرجة الممتازة في قطاع غزّة بعد 13 موسماً متتالياً من الاستمرار، بالإضافة إلى تدميره أكثر من 70 بالمائة من منشآت الرياضة في قطاع غزّة حسب إحصاءات كثيرة، مما تسبّب في شلل تام لكل أشكال الرياضة على أرض فلسطين.
واعتاد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الإشارة إلى أن حصيلة نتائج الانتهاكات التي ينشرها ليست نهائيّة؛ إذ تستمرّ حرب الإبادة، التي يشنّها الاحتلال على الفلسطينيين، بوجود آلاف المفقودين تحت المباني المدمّرة، بالإضافة إلى قلّة المصادر التي أصبحت جزءاً من الفئة التي يستهدفها الاحتلال، فاغتال، واعتقل عدداً كبيراً من الإعلاميين والإداريين.
الاحتلال يستهدف بذرة حياة الفلسطينيين
دفع نادي الصداقة الرياضي في مدينة غزّة ثمناً باهظاً، خلال حرب الإبادة الحاليّة على الشعب الفلسطيني، إذ دمرّ الاحتلال ملعبه الأساسي وصالته الداخليّة ومقرّه الرئيس، فيما فقد نادي اتحاد الشجّاعيّة مقرّه في قصف احتلالي خلّف 15 شهيداً، وتحوّل ملعب رفح البلدي إلى مستشفى ميداني، وأصبح مقرّ نادي خدمات رفح مركزاً لتوزيع المساعدات على النازحين، فيما استخدمت قوات الاحتلال ملعب اليرموك مركزاً لاعتقال الفلسطينيين، والتنكيل بهم، مما دفع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لمطالبة "فيفا" واللجنة الأولمبية الدولية بضرورة اتخاذ موقف عاجل تجاه هذا الانتهاك، وإخضاع الاحتلال الإسرائيلي للمساءلة القانونية.
لم تكن هذه الانتهاكات هي الأولى من نوعها، إذ استهدف الاحتلال المقرّات التاريخية للاتحادات والأندية والملاعب الرياضيّة في فلسطين، وعن ذلك يقول الكاتب والمؤرّخ الرياضي الفلسطيني، فايز نصّار، في حديث خصّ به "العربي الجديد": "سياسة الاحتلال لم تتغيّر مع الزمن، إذ اعتمدت على استهداف المنشآت الرياضيّة الفلسطينية منذ زمن بعيد؛ لمنع الرياضة الفلسطينيّة من التطور. بعد عدوان 1967 (النكسة)، وإحكام الاحتلال سيطرته على الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، أغلق كل مقرّات الأندية، وطلب منها أن تعود لممارسة نشاطاتها وفق شروطه، وبورقة خطيّة يوقّع عليها الحاكم العسكري".
وأضاف نصار: "الاحتلال يعتبر المنشآت الرياضيّة ونشاط الأندية والاتحادات الرياضيّة جزءاً لا يتجزّأ من محاولات الفلسطينيين للنهوض فكرياً ووطنياً ورياضياً؛ إذ شكّلت هذه المنشآت نواةً واضحة للعمل الوطني والثّوري، خلال السنوات الماضية، فاستخدم الاحتلال وسائل الإغلاق والتدمير والاعتقال، لمنعها من أداء هذه الدور؛ وتسبب ذلك في هجرة عدد كبير من الكفاءات الرياضيّة إلى الخارج، وتكرّر الموقف تزامناً مع الانتفاضتين الفلسطينيتين: الأولى والثانية، حيث لعبت الأندية تحت أزيز محركات الطائرات الإسرائيليّة، أو على وقع نيران صواريخها في مرّات كثيرة".
ويرى نصار، الذي عايش أجيالاً من اللاعبين الفلسطينيين، انطلاقاً من أول دوري كرة قدم منتظم في عام 1977، أن الاحتلال لا يستهدف الرياضيين لأجل الرياضة وحسب، وإنما: "يحاول الإسرائيليّون إبادة بذرة الحياة الإنسانية في فلسطين، وهم يعرفون أن الشباب الفلسطيني عنصر أساسي في هذه البذرة، لذلك قصفوا الملاعب والقاعات والمقرّات، ومن ذلك ما يحدث يومياً في قطاع غزّة من استهداف ممنهج للمنشآت الرياضيّة، وفي الضفة الغربيّة من اقتحام، أو تدمير للمنشآت كذلك. ومن بين أبرز مشاهد الاستهداف الاعتداء المتكرّر على ملعب الشهيد فيصل الحسيني في محافظة القدس، وهو ملعب المنتخب الوطني الأول، إذ ألقت قوات الاحتلال قنابل الغاز ذات مرّة على الملعب الذي يوجد بجانب مقرّ الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وفي ذلك رسالة واضحة تهدف إلى منع الفرق الأجنبيّة من اللعب على أرض فلسطين، باعتبار ملعبها ليس آمناً".
وفي تعليقه على احتجاز قوات الاحتلال لرئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، جبريل الرجوب، قبل أيام، أشار نصّار لـ "العربي الجديد" إلى أن: "الأنشطة المختلفة التي قام بها الرجوب وضعت الاحتلال في زاوية المساءلة، ولا سيّما في ملفّ الانتهاكات، ولولا خذلان المؤسسات الرياضيّة الدوليّة لحمل الملف الفلسطيني الذي قدّم إلى (فيفا)، واللجنة الأولمبية الدولية، نتائج كبيرة؛ ولذلك قرّر الاحتلال معاقبة الرجوب باحتجازه أو استدعائه للتحقيق".
ودمّرت قوات الاحتلال مقرّي الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، واللجنة الأولمبية الفلسطينية في مدينة غزّة خلال عدوانها الحالي، مطلع شهر يناير/ كانون الثاني عام 2024، إلى جانب اقتحامها المتكرّر - سابقاً - للمقرّين في محافظتي القدس ورام الله والبيرة، وآخرها في 2018، عندما اقتحمت مقرّ اللجنة الأولمبية، واحتجزت الموظفين واعتدت عليهم.
ونشرت الوكالة الرسميّة الفلسطينية (وفا) أن عدداً من الملاعب الترابيّة في قطاع غزّة، قد تحوّلت إلى مقابر جماعيّة، ومنها أحد الملاعب الملاصقة للمستشفى الإندونيسي، شمال غزّة، نتيجة العدد الكبير للشهداء، الذين ارتقوا في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.
استهداف اللاعبين.. تاريخ يُعيد نفسه
يحمل الملعب الرئيس لمحافظة طولكرم اسم ملعب الشهيد جمال غانم، وهو لاعب سابق في نادي ثقافي طولكرم، اغتالته إسرائيل، بينما كان يخوض مباراةً وديّة بقميص ناديه الأم (شويكة الرياضي)، أمام فريق نقابة عمال طولكرم، وفي الحين الذي أشارت فيه النتيجة لتقدّم فريقه بهدفين تكفّل بتسجيلهما، قامت قوّة إسرائيلية خاصة باقتحام الملعب، واغتياله في دائرة المنتصف، عندما قرّر الاحتماء بحكم المباراة.
وفي حديث خاص مع "العربي الجديد" استعاد رئيس ولاعب نادي ثقافي طولكرم السابق، محمد الصبّاح، لحظات اغتيال غانم، مستذكراً: "كنت في الملعب، في شهر مارس/ آذار من عام 1992، حيث اقتحم أربعة مسلّحين ملعب المباراة، وأطلقوا خمس رصاصات على رأس وجسد جمال غانم، الذي كان يخوض مباراة وديّة مع أبناء قريته، فقرّرنا في عام 2013، عندما أُعيد افتتاح الملعب بصورة رسميّة، أن نُطلق عليه اسم ملعب الشهيد جمال غانم تكريماً له، وكان ذلك بحضور رئيس فيفا السابق جوزيف بلاتر".
وأضاف الصباح، الذي يشغل منصب المستشار الفنّي لفريق كرة القدم في نادي ثقافي طولكرم حالياً: "قدّم نادي ثقافي طولكرم، مثله مثل كثير من الأندية الفلسطينية، عدداً كبيراً من الشهداء الرياضيين، دفاعاً عن الوطن في الانتفاضتين الأولى والثانية، وفي السنوات الأخيرة، ولذلك أطلقنا على أنفسنا اسم نادي الشهداء، وكان أولهم أحد أبرز المدافعين في تاريخ النادي، وهو أحمد أبو سبيل، الذي استُشهد أثناء محاولته إيصال الطعام لجيرانه في فترة منع التجوال، ثم الشهيد جمال غانم، ولاعب كرة اليد، الشهيد أمجد الجلّاد، الذي استُشهد مع مجموعة من أصدقائه، وتمت تصفيته بدم بارد، وكلهم استشهدوا في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة)، والشهيد طارق القطو، الذي جمع بين لعبتي كرة القدم وكرة اليد، ولاعب التايكواندو، الشهيد وجدي الحطّاب، اللذان استشهدا في الانتفاضة الفلسطينية الثانية (الأقصى)، وآخرهم الشهيد أحمد عاطف دراغمة، أحد أبرز المواهب الواعدة في دوري المحترفين الفلسطيني، الذي استُشهد في شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022، وقمنا بتجميد رقمه 77".
ولم يقتصر دور الاحتلال على استهداف اللاعبين بصورة مباشرة فقط، بل وصل ذلك إلى منع كل وسائل الاستقرار، والتطّور، التي تحتاج إليها الرياضة من أجل التقدّم، وعن ذلك يقول الصبّاح: "طوال مسيرتي، كلاعب سابق ومدرب ورئيس نادٍ، كنت شاهداً على تعطيل الاحتلال لكل شيء، بما في ذلك تحرّكنا من أجل لعب المباريات، فأغلق الطرق، واعتقل اللاعبين، واستهدفهم، وهذا الحال أصبح روتينياً، خاصة بعد الانتفاضتين الفلسطينيتين: الأولى والثانية، ثم في الفترة الحالية. ببساطة نحن لا نشعر بالأمان، والاحتلال ترك أثراً نفسياً ومادياً، على كل مناحي الحياة لدينا، وما يتحمّله الرياضي الفلسطيني لا يتحمّله غيره".
وكان "العربي الجديد" قد أعدّ تقريراً، تناول فيه مأساة نادي الصداقة في قطاع غزّة، الذي قدّم 20 شهيداً خلال حرب الإبادة الإسرائيلية الحاليّة على قطاع غزّة، بينما أشار الاتحاد الفلسطيني، في بيانه الأخير، حول عدد الشهداء الرياضيين، إلى أن 79 طفلاً رحلوا شهداء من بين العدد الكلي، منذ السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ استهدف الاحتلال عدداً منهم في الملاعب أو في المنازل، أو في مراكز الإيواء، ومن ذلك ما وثّقته أحد المقاطع المصوّرة، التي بثّتها قناة الجزيرة في العاشر من شهر يونيو/ حزيران الماضي، عندما قصفت قوات الاحتلال مجموعة من النازحين أثناء لعبهم لكرة القدم، في ساحة مدراس العودة بمنطقة عبسان الكبيرة، إلى جانب قصفها ملعباً رملياً في منطقة مواصي خانيونس، اعتمده الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ضمن مبادرة للترفيه عن الأطفال، وتدريبهم على لعب كرة القدم. ويقبع 12 رياضياً فلسطينياً من الضفّة الغربيّة في سجون الاحتلال، حسب البيان الأخير للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بينما لا يمكن حصر عدد الأسرى الرياضيين من قطاع غزّة في الفترة الحالية، بحسب البيان ذاته.
الضربة الكبرى لم تقتلهم
لم يسبق أن شهدت الرياضة الفلسطينية جُملة من الاعتداءات الإسرائيلية، بالصورة التي شهدتها في الحرب الأخيرة، إذ تضررت المنشآت الرياضية بشكل كبير في الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة في سنوات 2008، و2012 و2014، ولكن الضّرر الحالي يُعتبر الأكبر.
وعلى الرغم من ذلك نجح منتخب فلسطين الأول لكرة القدم في الوصول إلى الدور الثاني من بطولة كأس آسيا قطر 2023، لأول مرة في تاريخه، والوصول إلى الدور الثالث (الحاسم) من تصفيات كأس العالم، لأول مرّة في تاريخه أيضاً، فيما شاركت فلسطين بأكبر بعثة رياضيّة في تاريخها، خلال أولمبياد باريس 2024، التي تأهل إليها اللاعب عمر إسماعيل حنتولي، في لعبة التايكواندو، كثاني لاعب فلسطيني يضمن الحضور في الأولمبياد عن طريق التصفيات والنقاط تاريخياً.
وقال مدرب منتخب فلسطين السابق، محمد الصباح، في ختام حديثه مع "العربي الجديد": "أشفق على حال المنتخب الأول في هذه الأيام، إذ لا تتوفر لديه أي ظروف للنجاح، لا سيّما مع توقّف المنافسات الكرويّة، ورغم ذلك ها هو يصنع النجاح. وعموماً، أميل لفكرة العمل على تهيئة الأجيال القادمة؛ لأن فلسطين تفقد الكثير من شبابها بصورة دوريّة، وعليها أن تُعدّ بدلاءهم بصورة دائمة".
ويستعدّ نادي هلال القدس، الذي تعرّض مقرّه الموجود في شارع الحريري بمدينة القدس المحتلّة لمحاولات إغلاق مستمرّة، للمشاركة في بطولة كأس الاتحاد التحدي الآسيوي للأندية، معتمداً على فئاته السنيّة، وعلى التعاقد مع اللاعبين المُتاحين داخل فلسطين، على الرغم من صعوبة تجمّع لاعبيه، واحتراف معظم نجومه في الدوريات الخارجيّة، بسبب توقّف المسابقات المحليّة.
وأكد رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل الرجوب، في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي: "تُشكّل الرياضة بالنسبة لنا وسيلة نضاليّة، ومنبراً لفرض حضورنا، وتأكيد عدالة قضيّتنا، وقدرتنا على الصمود، ونسعى لغزو العالم من خلال منتخباتنا المختلفة، رجالاً ونساءً".