القصة... تأليف وبطولة وإخراج الأطفال

27 نوفمبر 2017
إشراك الطفل في القصة ينمّي التفكير الإبداعي (Getty)
+ الخط -
القصة لها التأثير الأكبر في تكوين شخصية الطفل، ولكن درجات هذا التأثير تختلف بحسب درجة إشراك الطفل نفسه في تلك القصة.

والحد الأدنى لإشراك الطفل أن يقوم الأب أو الأم أو المعلم برواية القصة بأسلوب بسيط وشيق وجاذب للطفل، ثم سؤاله، في النهاية على الأقل، هل أعجبته أم لا؟ وما أهم أفكاره أو آرائه حولها أو المعاني والمشاعر التي أثرت فيه؟

لكن، في الحقيقة، ثمة مستويات من مشاركة الطفل أعلى بكثير من ذلك، تصل إلى درجة أن تبدأ القصة من الأطفال أنفسهم وليس من المربين، وأن يكونوا هم صانعوها ثم أبطالها أيضاً، والفكرة هنا هي أحد تطبيقات نظريات "التعلم المتمركز حول الطفل"، ذلك النوع من التعلم حيث لا يملي الآخرون على الطفل ما يتعلمه وإنما يهيئون له الفرصة لاختيار المساحات التي يهتم بها ليبدع بنفسه ويبحث بنفسه عن حلول ويطلق العنان لتفكيره الإبداعي والنقدي.

وأولى خطوات صياغة القصة تبدأ بأن يسأل المربي الأطفال: ما هي الفكرة التي تختارون أن تدور حولها قصتنا، فيختار الأطفال مثلاً معاني مثل "الحياة"، "السعادة"، "الزمن"، "النجاح"، "التعب"... إلخ. ثم تأتي الخطوة الثانية، وهي: البحث عن معنين لكلمة معينة: معناها اللغوي في المعاجم، ومعناها الشخصي بالنسبة إليهم، فيقول أحدهم، في حالة اختيار السعادة مثلاً: معنى السعادة في اللغة هو كذا وكذا، ولكن معنى السعادة عندي هو: "أن أكون مع أصدقائي". وتمتد تلك الخطوة لوقت طويل جداً من المناقشات والحوارات حول تلك المعاني، وتأتي الفرصة الذهبية للاستماع إلى الأطفال، وربما إنضاج بعض أفكارهم (من دون وعظ أو إرشاد أو قتل لإبداعهم ووجهات نظرهم وإضافاتهم).



بعد ذلك تأتي الخطوة الثالثة: اختيار وظائف تتعلق بهذا المعنى، فإذا اخترنا السعادة، ربما يقترح الأطفال وظائف خيالية تتعلق بالسعادة مثل: "طبيب السعادة"، "معلم السعادة"، "بائع السعادة"، وتمتد المناقشات أيضاً لوقت طويل حتى يتم الاستقرار على وظيفة من تلك الوظائف مع تحديد السبب، فربما يكون اختيار الأطفال هو: "معلم السعادة"، لأنه يعلم السعادة لكل

الناس، وربما يكون اختيارهم "طبيب السعادة" لأنه يداوي التعساء الذين هم أكثر احتياجاً.

ثم تأتي الخطوة الرابعة: اختيار المكان. فإذا اختار الأطفال "طبيب السعادة" سنحتاج الآن إلى "مكان" وجود هذا الطبيب ونبدأ في تخيله، فيكون المكان "عيادة السعادة" مثلاً، ليبدأ الأطفال في اقتراح الأشياء الموجودة في هذه العيادة، فيقترحون كرسي السعادة، أو أقراصاً للسعادة، أو أفكاراً للسعادة. وتأتي هنا موجة جديدة من المناقشات، وأي هذه الأدوات أفضل ولماذا: أقراص أم أفكار للسعادة؟!

ثم تأتي الخطوة الخامسة: نسج القصة. يطرح المربي سؤالاً أو فكرة، على سبيل المثال، عن قرية لا تعرف السعادة، وجاء مندوب منها للعيادة ليطلب مساعدة الطبيب، ماذا سيفعل الطبيب؟ ماذا سيجد في القرية؟ وهنا تحدث مناقشات أيضاً لنسج القصة بالتعاون مع المربي، لتأتي الخطوة السادسة والأخيرة وهي تمثيل القصة (بين المربي والطفل فقط أو بين مجموعة من الأطفال مع المربي إذا كانوا أكثر من طفل).

استخدام القصة على هذا النحو قد يستغرق أسبوعاً أو أكثر، وجلسات متكررة ومناقشات لا حدود لها حتى آخر خطواتها.. ولكنها إذا تمت على هذا النحو تكون كنزاً حقيقياً يُثري شخصية الطفل ويظل أثره مدى حياته، لتلك الأسباب:

  1. الطفل هو المؤلف والمخرج والممثل، وبالتالي فهو يشعر بأن القصة "تنتمي له"؛ لهذا يركز معها أقصى تركيز حتى إنها ستطارده في أحلامه.
  2. الحوارات والمناقشات تنضج أفكار الطفل وإدراكه، وتشكل عقله ووجدانه.
  3. الأسئلة والمشكلات وإطلاق العنان للخيال ينمي لديه التفكير الإبداعي والنقدي.
  4. إخراج بهذه الجودة ينمي ثقته بنفسه وقدرته على الإنتاج والإبداع.
  5. العلاقة الإنسانية مع الأب أو الأم أو المربي ستنمو وتتوطد، ما يقلل الجفاء ويقلل من سياسات العقاب والإرهاب.  
  6. القصة فرصة لتنمية الذكاء اللغوي والاجتماعي بشكل ملحوظ، وهي فرصة أيضاً لتنمية البحث والقراءة لأن بعض أحداثها ستحتاج إلى معلومات.

وأخيراً... القصة من أكثر الوسائل التربوية تأثيراً، وهي لا تحتاج مالاً ولا أدوات، تحتاج قلباً يحب فقط، وعقلاً يفكر، وبعض الصبر وطول البال، وكثيراً من احترام إبداع الطفل وإضافاته.

المساهمون