سورية: كتب قديمة وطباشير في مواجهة الحصار

26 أكتوبر 2016
لا يألو النظام السوري جهداً لمنع دخول القرطاسية والكتب(Getty)
+ الخط -
هلا، الطفلة السورية ذات العشرة أعوام، والتي تقطن في حي الوعر الحمصي المحاصر من قبل قوات النظام منذ قرابة الثلاثة أعوام، لا تفتأ تردد عبارة "أريد أن أتعلم وأنا أعرف كيف يكتب اسمي"، وعلى الرغم من تجاهل والديها المتكرر لطلبها، فهي تصر دائماً على أنها تريد الالتحاق بالمدرسة والتعلم. حال هلا هو حال 3 ملايين طفل سوري هم اليوم بأمس الحاجة للالتحاق بالمدارس وللتعلم، وفقاً لتقديرات منظمة اليونيسيف المعنية بحقوق الطفل. 

جيل الأمية

لانهيار القطاع التعليمي في المناطق المحاصرة أسباب لا تخفى على أحد، وعلى رأسها القصف المستمر والممنهج، الذي مارسه النظام على المدارس والبنى التعليمية في تلك المناطق، والذي أدى إلى إلحاق الضرر بالكثير من المدارس وخروج معظمها عن الخدمة، وأسفر عن ارتباط المدرسة بالموت ارتباطاً وثيقاً، الأمر الذي انعكس سلباً على الأهالي وأفقدهم شغفهم في تعليم أبنائهم، حيث باتوا يفضلون ملازمة أطفالهم المنازل على ذهابهم إلى المدارس والموت فيها.

سمير طفل من الغوطة الشرقية المحاصرة منعته أمه من الالتحاق بالمدرسة خوفاً عليه من القصف، حيث تقول: "يقصفون المدارس ولا يراعون صغيراً أو كبيراً، يقتلون الأطفال وهم على مقاعد الدراسة دون أن يرف لهم جفن. أخاف على سمير من أن يموت بعيداً عني وأفضل أن لا يتعلم على أن يذهب للمدرسة ويموت هناك".

إضافةً إلى ما سبق، فإن تحول معظم المدارس في سنوات الثورة الأولى إلى مراكز لإيواء النازحين من مناطق الصراع المختلفة أدى إلى حرمان الأطفال من مقاعدهم الدراسية لأعوام، وإلى تراجع تحصيلهم العلمي بشكل كبير.

الأسباب السابقة أدت إلى انتشار الجهل بين صفوف الطلاب في المناطق المحاصرة، مما دفع الجهات المهتمة بالتعليم في تلك المناطق إلى دق ناقوس الخطر والعمل على إخلاء المدارس من النازحين، وإعادة تأهيلها لكي تستقبل الطلاب في صفوفها من جديد.

المعلمون الطلبة
إخلاء المدارس من النازحين وإعادة ترميم ما تضرر منها إثر القصف، تطلب جهوداً حثيثة من الجهات المعنية والأهالي، انتهت بإعادة افتتاح عدد كبير من المدارس في معظم المناطق المحاصرة، مما سمح للطلاب بالعودة إلى مقاعدهم الدراسية.

ومع بدء العام الدراسي، برز نوع آخر من العقبات التي واجهت القطاع التعليمي في تلك المناطق، تجلى بنقص الكادر التدريسي القادر على النهوض بالعملية التعليمية بالشكل الصحيح، حيث غُيّب الكثير من المعلمين الأكفاء في سجون النظام، وتعرض آخرون للقتل والتهجير خارج مناطقهم. وهذا ما أكدته تقديرات منظمة اليونيسيف التي صرحت بأن سورية خسرت حتى الآن 52 ألف مدرس.

وكذلك لعبت ظروف الحصار القاسية دوراً في تخلي العديد من المدرسين عن مهنتهم، والبحث عن مهنة أخرى تؤمن لهم أجراً أفضل يغطي نفقاتهم المتزايدة، مما خلف فراغاً كبيراً لم يتمكن المدرسون غير المختصين من ملئه بالشكل الصحيح في كثير من المناطق، واقتصرت بذلك مهنة التدريس على فئة قليلة من الطلبة الجامعيين وغيرهم من أصحاب الشهادة الثانوية من أبناء المنطقة نفسها.

أبو فراس، مدرس لمادة اللغة العربية في حي الوعر، يقول لـ العربي الجديد: "لدينا في الحي أكثر من 5 آلاف طفل هم بحاجة ماسة إلى التعليم، بينما لا يتجاوز عدد المدرسين 50 مدرساً فقط. قتل وهجر الكثير من المدرسين والقلة الباقية تعاني من ظروف الحياة القاسية في المدينة المحاصرة، مما دفعهم إلى العمل في مجالات أخرى تؤمن لهم دخلاً أفضل يغطي احتياجاتهم".

المنهاج "ب"

على الرغم من أن المنهاج المقرر في أغلب المدارس هو المنهاج السوري الرسمي مع بعض التعديلات في المواد المتعلقة بنظام الأسد، كالتربية القومية وغيرها، فإن تسرب الطلاب من المدارس وانقطاعهم لفترات طويلة أوجب إدخال مناهج جديدة تتناسب والوضع التعليمي لأولئك الطلبة، حيث يدرس المنقطعون عن المدارس منهاجاً يدعى بالمنهاج "ب"، وهو منهاج تعليمي مكثف يتدارك الطالب من خلاله نقص المعلومات الحاصل لديه، مما يمكنه من الالتحاق بأقرانه في نفس عمره والتسجيل في المدارس بشكل رسمي، إضافة لذلك فإن بعض المناطق المحاصرة بدأت حديثاً بتدريس مناهج التعليم الذاتي المقدمة لهم من قبل الأمم المتحدة.

سامي، البالغ من العمر 9 سنوات، يدرس المنهاج "ب" في مدارس "علمني" التابعة للائتلاف السوري المعارض في حي الوعرالحمصي، يقول :"ابن عمي في مثل عمري قام أهله بتدريسه في المنزل خلال الأعوام السابقة، وهو الآن في الصف الثالث. أدرس الآن المنهاج (ب) وسأدرس معه في صفه قريباً".

دفاتر قديمة وطباشير
لا يوفر النظام السوري أي جهد في منع دخول القرطاسية والكتب والمناهج الضرورية إلى المناطق المحاصرة، سعياً منه إلى حرمان الطلاب من الحصول على احتياجاتهم التعليمية والخروج من ركام الجهل، ويقوم كذلك بإعاقة دخولها مع المعونات التي تقدم من قبل جهات مختلفة إلى تلك المناطق، مما جعل خلو المعونات من كميات كافية من القرطاسية أو الوسائل التعليمية الضرورية أمراً مسلماً به بالنسبة للكثيرين.

حسام محمود ناشط إعلامي ومدرس في إحدى مدارس مدينة مضايا المحاصرة في ريف دمشق، يؤكد تزايد إقبال الطلاب على العودة إلى مقاعد الدراسة، ويصف الجهود المبذولة من قبل الطلاب والمدرسين في دفع عجلة التعليم في المناطق المحاصرة بالجبارة، وذلك في ظل نقص الكوادر التدريسية ووسائل التدريس من مناهج وكتب وقرطاسية وغيرها.

يقول لـ "العربي الجديد":" الكثير من الطلاب اليوم يستخدمون مخلفات الكتب والدفاتر القديمة لعدم توفر القرطاسية الكافية. عدنا لاستخدام الطباشير والأساليب القديمة في التدريس، في وقت نحن فيه بأشد الحاجة إلى الأساليب التعليمية الحديثة التي تساعدنا في إيصال المعلومات للطلاب بشكل أسهل وتساعدهم على تلافي تقصيرهم العلمي. ومع ذلك سنستمر في تعليم أطفالنا بما لدينا من وسائل، وسنحارب الجهل ولن نسمح له أن ينتشر في مناطقنا".

أطفال المدارس المحاصرة في سورية حرموا من فرحة الحصول على مستلزمات وملابس مدرسية جديدة، واكتفوا بالحصول على مقعد دراسي وبعض الأوراق والأقلام التي تمكنهم من التعلم ومحاربة الجهل، الذي خيم على عقولهم لسنوات، وذلك بجهود حثيثة من أشخاص رفضوا الاستسلام للواقع وحاربوه كي تبقى عجلة التعليم مستمرة في تلك المناطق رغم كل العقبات، ولكيلا يحرم الأطفال من حقهم في التعلم كما حرموا من حقوق أخرى كثيرة.


المساهمون