أريدكِ أن تكوني ميتة

12 يناير 2015
يصلها كأس آخر من النبيذ الأبيض لم تطلبه (Getty)
+ الخط -

"- أريدكِ أن تحتسي كأساً آخر من النبيذ.
- أفكّر في العشيقة. الصعوبة تكمن في إيجاد سبب يدفعها إلى أن تطلب منه أن يقتلها. وأكثر من ذلك، كيف تقنع امرأة حبيبها أن يقتلها؟
يتريّث. ومن دون أن يجيب، يُغرق عينَيه في الخط المستقيم الذي يجمع كتفَيها.
- كنتِ متكئة على البيانو الكبير. وبين نهدَيك العاريَين تحت الفستان الأسود، زهرة ماغنوليا بيضاء. عندما تنحنين، تلامس الزهرة طرف نهدك. لقد علّقتِها على الفستان بلا مبالاة، أعلى من اللزوم. إنها زهرة كبيرة، اخترتِها بالمصادفة، كبيرة جداً بالنسبة إليك. أوراقها ما زالت قاسية، بالكاد اكتمل ريعانها أمس. اسمي شوفين.
- لقد تأخّر الوقت.
وقبل أن تنصرف، يقول: أريدك أن تكوني ميتة.
تجيب: هذا أمر سبق أن حصل".
تضع الأستاذة المحاضِرة رواية "موديراتو كانتابيليه" لمارغريت دوراس على المكتب. تسأل عمّا إذا كانت المقاطع التي قرأتها تتصف بالإباحيّة أو بالإيروتيكيّة. يسود صمت، لا حاجة إلى التفكير مطوّلاً. نعم، الإيروتيكيّة هي الجواب الصحيح. وتسأل عن الفرق بينها وبين الإباحيّة، فتأتي الردود محاولات لإيجاد التعابير المناسبة. الإباحيّة تعني الوضوح، تعني أن تسمّي الأشياء بأسمائها، أن تتابع المشهد بدقة تكاد تقرب من التقنيّة. أما الإيروتيكيّة، وبحسب جورج بيرّوس، فهي "إعطاء الجسد امتيازات تعود في الأصل إلى الروح".
***
يبدو المشهد عتيقاً، تفوح منه رائحة الأماكن الدافئة والبعيدة.
كانت الحانة مكتظة بالساهرين. تجلس وصديقتها على طاولة كان من الممكن أن تتسع لأربعة أشخاص. بعد بضع دقائق، ينضم إليهما شاب سويدي لا يروق لها. يصلها كأس آخر من النبيذ الأبيض لم تطلبه. تستدير، فيشير إليها الساقي لكي تجلس قبالته على البار. تحمل حقيبتها من الجلد الكحليّ، وتذهب إليه.
يحدّثها مطوّلاً بين تحضير كأس وإفراغ آخر. وعندما تلتفت وترى أن الحانة كانت ستكون خالية بالكامل لولا صديقتها ورفيقها، كانت والساقي قد انتقلا إلى طاولة أخرى في عمق المكان.
يرفع يده قبالة وجهها. يتوقف. تظل يده مرفوعة في الهواء. يتردّد قليلاً. تقترب أصابعه من خدّها الأيمن حتى تلامسه. تغمض عينَيها. يُبعد يده، يغلق أصابعه على بعضها فتفتح عينَيها من جديد وتبتسم له. يقترب أكثر، فتغمض عينيها بتلقائيّة لا قوّة لها عليها.
تمرّ صديقتها لتأخذ زجاجة بيرة من البراد. وفي طريق العودة، تهمس في أذنها: "البارتاندرز ما لْهُمشِ أمان". تضحك من قلبها، ثم تغمض عينَيها وتغرق في العمق.
المساهمون