أزمة نقص الدواء في سورية تهدّد آلاف المرضى

12 يوليو 2014
يحصل بعض المرضى على أدوية مهرّبة قد تؤذيهم(فرانس برس/Getty)
+ الخط -


يعاني المرضى في سورية من صعوبة الحصول على الأدوية في هذه الأيام، والسبب عدم توفّرها بشكل دائم وفقدان جزء كبير منها تماماً من الصيدليات. ويعدّ المصابون بالأمراض النفسيّة والعصبيّة والصرع الأسوأ حظاً في الحصول على العلاج، بحسب ما يلفت أحد الأطباء النفسيّين. فالعقاقير المخصّصة لعلاج هذه الأمراض لم تعد موجودة على رفوف الصيدليات. ويرى أن هذا الأمر يضيف إلى معاناة المرضى وذويهم معاناة أخرى.

وتشكو هنا أم أحمد وهي ربة منزل من حلب، قائلة "يعاني ابني من نوبات صرع. لم يلحظ أحد إصابته لعشر سنوات. لكنه اليوم يتناول دواءه بشكل متقطع، إذ إننا نحصل عليه عن طريق بعض الأقارب في الخارج. فنحن لم نتمكّن من الحصول عليه من هنا منذ أكثر من سنة ونصف السنة". تضيف "ومؤخراً تدهورت حالته الصحيّة، وبات يصاب بنوبات صرع بشكل متكرّر، حتى أصبح معزولاً عن أصدقائه تماماً".

وعن أنواع الأدوية المفقودة، يقول الصيدلاني أحمد الذي تحفّظ عن ذكر اسمه كاملاً، إن "ثمّة نقصاً في العديد من الأدوية المهدئة ومضادات الصرع وبعض المسكنات وبعض عقاقير علاج الجهاز الهضمي بالإضافة إلى أدوية علاج السرطان. أما أدوية التهاب الكبد والفيتامينات والمراهم الجلديّة وأدوية الالتهابات البوليّة والأنسولين، فهي تتوفّر بشكل متقطّع ونستطيع شراءها بأعداد محدودة جداً من المستودعات". وعن السبل المتاحة أمام المرضى للحصول على الأدوية المفقودة، يشير إلى أن "البعض يحصلون على أدوية مهرّبة قد يجدونها في الصيدليات التي تتعامل مع تجار الشنطة، إلا أنها غير موثوقة على الإطلاق وقد تتسبّب بأذية المريض".  يضيف "مرضى كثيرون توقفوا عن العلاج بسبب فقدان الدواء، وهم يذهبون باتجاه الموت".


والفقر.. أيضاً

إلى ذلك، دفع الفقر أيضاً عدداً كبيراً من المرضى إلى التوقّف عن متابعة علاجهم. ويذكر أن أسعار العقاقير المصنّعة محلياً في سورية ارتفعت مرتين في خلال السنة الماضية، إلا أن التكلفة الأكبر تبقى للأدوية المستوردة التي يعتمد عليها السوق الدوائي مؤخراً. ويقول أحمد "عندما يأتي مريض ويطلب فيتامين سي فوّار ويعلم أن ثمنه يفوق 500 ليرة سوريّة لأنه مستورد، فإنه يعزف عن شرائه. ثمنه سابقاً كان 35 ليرة فقط. من هنا يتخذ الكثيرون قراراً شخصياً بعدم تناول الدواء بسبب ثمنه الباهظ. ومعظم هؤلاء من الذين يعانون الأمراض المزمنة كمرض ارتفاع الضغط والسكري".


ويأتي "بنك الدواء الخيري" كإحدى المبادرات الأهليّة التي تعنى بتوفير الدواء للفقراء في مدينة حلب. تقول سارة وهي إحدى المتطوّعات "نقوم بجمع الأدوية من الشركات الدوائيّة والصيدليات. وأحياناً نقوم بشرائها من التبرّعات النقديّة التي نحصل عليها. كذلك نتعاون مع بعض الجمعيات الخيريّة كجمعية الإحسان التي تقدّم الفحوص الطبيّة والتشخيص للمرضى مجاناً من خلال بعض الأطباء المتطوّعين، فيما نقدّم نحن الأدوية والعلاج". تضيف أن "أكثر من 200 مريض يحصلون على أدويتهم من المركز، كل يوم".


أزمة إنتاج

يعدّ انخفاض إنتاج العقاقير في سورية السبب الرئيسي لأزمة الدواء. ويقول أحد أعضاء نقابة الصيادلة في دمشق الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، إن "نحو ثلاثين معمل دواء أصبحت خارج الخدمة تماماً، بينما تعمل المعامل المتبقية بربع طاقتها الإنتاجيّة، وهي لا تغطي الحاجة. ففي حين كانت نسبة تغطية الدواء الوطني للسوق 90% في العام 2010، انخفضت اليوم إلى أقلّ من 20%".  يضيف "كانت معظم معامل الأدوية في ريف حلب الذي شهد معارك شرسة، ما أدّى إلى توقف معظمها عن العمل".


وعن سبب انخفاض نسبة إنتاج معامل الدواء الباقية، يقول عدنان وهو صيدلاني اكتفى بذكر اسمه الأوّل، "أعمل في أحد المعامل المتبقية في ريف حلب. والمعمل موجود في المناطق المحرّرة، وهو معرّض لخطر دائم بسبب القصف المتواصل والمعارك في المناطق المجاورة". يضيف "فقدنا 12 عاملاً منذ سنتَين وحتى الآن، ونواجه صعوبة في استيراد المواد الدوائيّة ونقلها إلى المعمل. كذلك نعاني نقصاً في اليد العاملة والصيادلة". ويتابع "نعيش هنا في ظروف استثنائيّة. أبيت مع جميع العاملين في داخل المعمل. ويعيش بيننا بعض العائلات والأطفال. وأنا أتوجّه مرّة واحدة في الأسبوع لرؤية أهلي الذين يعيشون في مناطق النظام". ويشير إلى أن عائلته وأصدقاءه يدعونه "الانتحاري" بسبب المجازفة التي يقوم بها من أجل العمل.


لا رقابة

وتجدر الإشارة إلى أن جميع معامل الدواء السوريّة تنتج العقاقير اليوم من دون رقابة تصنيعيّة. وتقتصر الرقابة الدوائيّة على بعض الفحوصات المخبريّة التي تقوم بها وزارة الصحة لعينات من الأدوية المطروحة في مناطق النظام، فيما تنعدم الرقابة تماماً في المناطق المحرّرة. وقد وجّه العديد من الأطباء أصابع الاتهام إلى أصحاب المعامل وحمّلوهم مسؤوليّة انعدام فعاليّة بعض الأدوية المتوفّرة.


يذكر أنه سجّلت مؤخراً حالات تسمّم بالدواء في أنحاء مختلفة من سورية نتيجة تناول المرضى ستة عشر صنفاً مصنعاً محلياً. وعن السبب، يقول أبو فاضل وهو كيميائي، "يستغلّ أصحاب المعامل حالة انعدام الرقابة ويتساهلون في توفير الشروط الصحيّة للتصنيع في معاملهم". يضيف "العديد من عديمي المعرفة الطبيّة مسؤولون عن إدارة بعض معامل الأدوية. والمعمل الذي أعمل فيه يتبع لإحدى الكتائب المقاتلة التي قامت بإعادة تشغيله بعد سيطرتها على المنطقة".

ويروي أبو فاضل "نقوم باستبدال الكثير من المواد التصنيعيّة عندما لا تتوفّر في السوق، مخالفين بذلك وصفة التصنيع. ومعظم أدويتنا توزّع في المناطق المحرّرة حيث لا توجد مختبرات تقوم بفحص الأدوية المطروحة في السوق". ويتابع "عدا عن هذا، فإن معظم الصيدليات الموجودة في المناطق المحرّرة تدار من قبل أشخاص غير مؤهلين علمياً، ما يجعل سكان هذه المناطق الضحيّة الأولى لغياب جودة تصنيع الدواء وصرفه".