تكشف دراسة حول انعدام المساواة في تونس أنّ 63% من التونسيين يرون أنّ التفاوت بكلّ أشكاله تزايد في داخل المجتمع وتفاقم من نواح عدّة في الأعوام الماضية، لا سيّما مع أزمة كورونا في العامَين الأخيرَين.
وتوضح الدراسة التي أنجزها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ عدم المساواة طاولت الصحة والتعليم والتمييز بين الجهات، فضلاً عن عدم المساواة بين الجنسَين الذي يفسّر التناقض الواضح ما بين ضعف مشاركة المرأة في الحياة النشطة والحياة العامة والسياسية وبين التقدّم الذي أحرزته المرأة التونسية في التعليم، لا سيّما في التعليم العالي.
وبحسب الدراسة، فإنّ إحساس التونسيين بتزايد التفاوت وعدم المساواة يظهر من خلال مؤشّر السعادة ومؤشّر الحراك الاجتماعي وعودة تصاعد الحركات الاجتماعية التي تعكس ارتفاع منسوب الغضب الشعبي، لا سيّما في المناطق المحرومة التي تبيّن أنّ الشعوب لم تعد تقبل الضيم وغياب العدالة.
ويقول المتحدّث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ لـ"انعدام المساواة في تونس جذوراً قديمة بسبب اعتماد السلطة على منوال تنمية إقصائي توسّع على مرّ عقود وظهرت نتائجه جليّة في خلال الأزمة الوبائية التي عرّت الفوارق الاجتماعية والجهوية والطبقية".
يضيف بن عمر أنّ "قطاعَين مهمَّين في حياة المواطنين يكشفان عمق انعدام المساواة بمختلف أشكاله في تونس، هما الصحة والتعليم، وذلك نتيجة غياب تكافؤ الفرص فيهما بين الجهات والمناطق والطبقات الاجتماعية وحتى بين الجنسَين".
ويطالب بن عمر بـ"مكافحة عدم المساواة ودراسة الظاهرة بعمق وعزيمة سياسية، للحدّ من انعكاساتها في ظلّ تحديات جديدة قد توسّع مظاهر اللامساواة، من بينها المسائل المتعلقة بالعدالة البيئية وتغيّرات المناخ والسيادة الغذائية والفجوة الرقمية والهجرة الدولية".
وتُبيّن دراسة منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ الإنفاق على التنمية والاستثمار في التعليم العام شهد تهميشاً كبيراً في مقابل تطوّر التعليم الخاص بشكل لافت، وهو ما يزيد من الفجوات في التعليم، خصوصاً لجهة الأداء والجودة. ويتسبّب ذلك في خلل صارخ في نسبة النجاح في البكالوريا (الثانوية العامة) في الولايات الأقلّ حظاً الواقعة في شمال البلاد ووسط غربها.
وتعاني النساء الفقيرات اللواتي يعشنَ في هاتَين المنطقتَين من انعدام المساواة التعليمية بصفة أكبر. ويمسّ التفاوت التعليمي الأفراد الأكثر فقراً، خصوصاً في المناطق الغربية والشمالية والوسطى. وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تساهم مساهمة كبيرة في الحدّ من عدم المساواة، فيما يُعَدّ الدخل أحد المحددات الرئيسية لعدم المساواة في مجال التعليم.
وفي المجال الصحي، فإنّ الإنفاق، بحسب الدراسة، يشير إلى عدم توفّر إرادة حقيقية لمواصلة إعطاء الأولوية التي يستوجبها نظام الصحة العام في تونس. وما زالت الحصّة التي تتحمّلها الأسر في الإنفاق على الصحة مرتفعة جداً، علماً أنّ القطاع الخاص يشهد في المقابل تطوّراً سريعاً ينتج عنه تسليع الخدمات الصحية وبروز نظام صحي ذي سرعتَين. وتُقدَّر نسبة الحرمان من الصحة بسبب الفقر متعدّد الأبعاد بـ24.4% في مقابل حرمان من التعليم بنسبة 61.1%.