فاطمة البيك: كنت رضيعة يوم خرجنا من فلسطين

30 ابريل 2020
"هنا ذقنا مرارة العيش" (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن عمرها يتجاوز الشهر الواحد عندما حملها أهلها وخرجوا من فلسطين. هي فاطمة محمد البيك التي عرفت النكبة وبداية اللجوء من خلال ما رواه لها والداها، فحفظت كلّ تفصيل ذكراه، هما اللذان توفيا في مدينة النبطية بجنوب لبنان. ما يعزّيها، بحسب ما تقول، هو أنّها استنشقت وهي رضيعة هواء وطنها واستحمّت بمائه وتنعّمت بشيء من حرارة شمسه. 

وُلدت فاطمة في عام 1948، في بلدة الخالصة الفلسطينية، ووالدها بحسب ما تخبر "كان فلاحاً يعمل في أرضنا التي كانت تؤمّن عيش العائلة التي تسكن في بيت نملكه. وعائلتنا كانت تتألف من إخوتي السبعة، ثلاث بنات وأربعة صبيان، وأنا ووالدي ووالدتي". تضيف: "بحسب ما أخبرني أهلي، خرجنا من البلدة وقد دخل الصهاينة إليها مطلقين الرصاص على الناس. مات عدد كبير من شبّان البلدة، فيما تمكّن آخرون من بلدتنا من الإجهاز على عدد من الصهاينة. في ذلك الحين، راح أهل بلدتنا يبيعون ما لديهم ليشتروا بثمنها بنادق للدفاع عن أرضهم. لكن بعد ارتفاع حدّة المواجهات وعدم قدرة أسلحتنا على تلبية الحاجة، استسلمنا للأمر الواقع واضطررنا إلى الخروج من البلدة على أمل العودة بعد أيام".

وتتابع فاطمة سردها: "أحضر والدي الفرس وحمّلها بعض الفرش والحرامات وأغراض تكفينا لأيام معدودة، وخرجنا من الخالصة سيراً على الأقدام متوجّهين إلى لبنان. محطتنا الأولى كانت بلدة هونين في جنوب لبنان، وبعد محطّة أخرى وصلنا إلى النبطية (جنوب) وتحديداً إلى مخيّم النبطية للاجئين الفلسطينيين، حيث بقينا إلى حين تدميره من قبل طيران العدو الإسرائيلي بالكامل".

وتشير فاطمة إلى أنّ "الأونروا (وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) فتحت مدارس وعيادات ومكاتب الخدمات الاجتماعية اللازمة في مخيّم النبطية. ونحن كنّا نعيش من خيراتنا، إذ إنّ والدي أخرج معه المواشي التي كنّا نملكها، فباع بعضها وأبقى على بعض آخر. وراح يعمل في الفلاحة في لبنان، فكان يفلح أرض أحدهم إذا طُلب منه ذلك. أمّا إخوتي وأخواتي فراحوا يعملون في الحقول اللبنانية، تحديداً في حصاد الدخان. فالجنوب اللبناني مشهور بزراعة الدخان، وكنّا نعيش من ذلك". أمّا فاطمة، فقد أدخلت إلى واحدة من مدارس الأونروا في المخيّم، وتعلّمت فيها حتى الصف الثالث الأساسي".



وعندما تعرّض المخيّم للقصف، هربت عائلة فاطمة إلى مدينة النبطية "حيث استأجرنا منزلاً عشنا فيه لمدّة خمسة أعوام. ثمّ تزوّجت. ولمّا طاول القصف الإسرائيلي المدينة، اضطررنا إلى تركها وتوجّهنا إلى صيدا (جنوب) وسكنّا في منطقة السكة في بيت من التنك. زوجي كان يعمل في البناء، وأنجبنا ثمانية أولاد، ثلاث بنات وخمسة صبيان. في وقت لاحق، انتقلنا إلى منطقة البركسات الملاصقة لمخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، وبنينا منزلنا على أرض تعود ملكيتها إلى لبنانيين". وتشكو فاطمة: "هنا ذقنا مرارة العيش، فقد سكنا في بيوت ليست لنا، في حين كنّا نملك أخرى في فلسطين ونعيش حياة كريمة. هنا عشنا في خيام وفي بيوت خشبية وأخرى من التنك"، متمنية "العودة إلى فلسطين حتى لو عشنا في بيت من قصب أو في العراء".
المساهمون