مرض باركنسون واضطرابات القلق: علاقة وثيقة ابتداءً من الخمسين

15 يوليو 2024
تصميم فني يُظهر دماغاً من دون مرض باركنسون ونواقل دوبامين سليمة، 12 يوليو 2021 (Getty)
+ الخط -

هل تعلم أنّ ثمّة علاقة قد تكون "وثيقة" ما بين مرض باركنسون واضطرابات القلق ابتداءً من سنّ الخمسين؟ هذا ما توصّل إليه باحثون نشروا، أخيراً، دراستهم في الدورية الطبية البريطانية "بريتيش جورنال أوف جنرال براكتيس"، وقد خلصوا إلى أنّ احتمالات الإصابة بالمرض تتضاعف مرّة على أقلّ تقدير لدى الأشخاص الذين يُشخّص لديهم أحد اضطرابات القلق وهم يبلغون من العمر خمسين عاماً فما فوق.

في دراستهم، حلّل الباحثون في كلية لندن الجامعية أو "يو سي إل"، بقيادة أنّيت شراغ وخوان بازو ألفاريز، سجلات طبية تعود إلى أشخاص قصدوا مراكز رعاية أوليّة في المملكة المتحدة ما بين عامَي 2008 و2018. ولأنّ الباحثين اقتصروا في تحليلهم على الأشخاص الذين شُخّصت لديهم حديثاً اضطرابات القلق ابتداءً من الخمسين، فقد أتت الخلاصات محصورة بهذه الفئة العمرية. أمّا المدّة النموذجية ما بين تشخيص حديث لاضطرابات القلق وتشخيص مرض باركنسون فقد حُدّدت، في الدراسة، بأقلّ من خمسة أعوام بقليل.

وأن يكون المريض قد شُخّص حديثاً باضطرابات القلق، بحسب ما جاء في الدراسة، يعني أنّ سجلّه الطبي لم يتضمّن أيّ إشارة إلى أيّ من اضطرابات القلق في خلال عام كامل من تاريخ التشخيص الطبي الأخير. وقد شملت عملية التحليل 878 ألفاً و256 شخصاً لم تتضمّن سجلاتهم أيّ إشارة إلى اضطرابات القلق خلال مدّة الدراسة، إلى جانب 109 آلاف و435 آخرين شُخّصت لديهم اضطرابات القلق حديثاً بعد سنّ الخمسين.

يُذكر أنّ الاحتمالات المرتفعة للإصابة بمرض باركنسون بين الأشخاص الأكبر سنّاً الذين شُخّصوا حديثاً باضطرابات القلق بقيت على حالها، وذلك بعد إدخال الباحثين تعديلات إلى تحليلهم طاولت نقاطاً معيّنة، بما في ذلك السنّ ونمط الحياة والإصابة بمرض نفسي آخر إلى جانب اضطرابات القلق.

ويُضاف ما توصّل إليه الباحثون إلى عوامل خطر سبق أن حُدّدت للإصابة بمرض باركنسون، من قبيل أن يكون المريض ذكراً أو مصاباً بالاكتئاب أو بالإجهاد أو بمشكلات مرتبطة بمهارات التفكير. إلى جانب ذلك، تأتي إصابته بانخفاض في ضغط الدم أو بالرعاش أو بالتيبّس أو بمشكلات مرتبطة بالتوازن، وكذلك اضطرابات النوم من قبيل انقطاع النفس في أثناء النوم ومتلازمة تململ الساقين والأرق.

أمل بتشخيص مرض باركنسون مبكراً

وقد أفاد خوان بازو-ألفاريز، بحسب ما جاء في بيان صحافي نشرته كلية لندن الجامعية، بأنّ "من خلال فهمنا أنّ اضطرابات القلق إلى جانب الخاصيات الأخرى المُشار إليها مرتبطة بزيادة احتمالات الإصابة بمرض باركنسون" ابتداءً من سنّ الخمسين، "نأمل أن نتمكّن من كشف الحالة في وقت مبكر ومساعدة المرضى في الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه". يُذكر ألا علاج شافياً من مرض باركنسون، وما يُقدَّم إلى المصابين به عقاقير تساعد في علاج الأعراض ليس إلا.

ولفت بازو-ألفاريز إلى أنّ "من المعلوم أنّ اضطرابات القلق تُعَدّ خاصيّة من خاصيّات المراحل الأولى لمرض باركنسون، غير أنّنا لم نكن نعلم، قبل دراستنا هذه، المخاطر المحتملة للإصابة بالمرض لدى الأشخاص الذين يبلغون خمسين عاماً فما فوق ربطاً بتشخيص حديث لاضطرابات القلق".

ويُعَدّ مرض باركنسون ثاني أكثر حالات التنكّس العصبيّ شيوعاً في العالم، بحسب ما أوضح بازو-ألفاريز، مبيّناً أنّ 14.2 مليون شخص سوف يُصابون به بحلول عام 2040 وفقاً للتقديرات. يُذكر أنّ مرض باركنسون هو المرض التنكسيّ العصبيّ الأكثر تزايداً على الصعيد العالمي، وهو يطاول نحو عشرة ملايين شخص في الوقت الراهن.

ويبيّن موقع "ويب ميد" الطبي الأميركي أنّ تشخيص مرض باركنسون يأتي بمعظمه لدى الأشخاص البالغين من العمر خمسين فما فوق، في حين أنّ نحو 4% من الحالات فقط تُشخَّص لدى الأصغر سنّاً. علماً أنّ الذكور يُصابون بهذا المرض بمعدّل مرّة ونصف أكثر من الإناث.

من جهتها، أفادت أنّيت شراغ، بحسب ما جاء في البيان الصحافي نفسه الذي نشرته كلية لندن الجامعية، بخصوص نتائج الدراسة، بأنّ "لا دراسات كافية تناولت اضطرابات القلق كما الحال بالنسبة إلى مؤشّرات مبكرة أخرى لمرض باركنسون". وأضافت أنّ "من شأن أبحاث إضافية أن تتحرّى كيفيّة ارتباط اضطرابات القلق المبكرة بالأعراض الأخرى، وكذلك بالتدرّج الأساسي لمرض باركنسون في مراحله الأولى". ولفتت شراغ إلى أنّ ذلك "قد يؤدّي إلى علاج أفضل للمرض في مراحله الأولى".

هذا هو مرض باركنسون وهذه هي اضطرابات القلق

يُعَدّ مرض باركنسون اضطراباً يتفاقم تدريجياً ويؤثّر بالجهاز العصبي وعلى أجزاء الجسم التي تسيطر عليها الأعصاب، بحسب ما تفيد مجموعة مايو كلينك الطبية والبحثية. ويتعرّض المصابون بمرض باركنسون لتلف خلايا عصبية في الدماغ أو موتها تدريجياً، ويعود سبب أعراض كثيرة من مرض باركنسون إلى فقدان الخلايا العصبية التي تنتج ناقل "دوبامين" الكيميائي في الدماغ. ويؤدّي انخفاض مستويات الدوبامين إلى نشاط غير منتظم في الدماغ، وبالتالي إلى مشكلات في الحركة بالإضافة إلى أعراض أخرى.

وتوضح مجموعة مايو كلينك أنّ الأعراض تبدأ ببطء، وقد يكون أوّلها ظهور رُعاش يكاد لا يُلحظ في إحدى اليدَين، علماً أنّ هذا الاضطراب قد يسبّب كذلك تيبّساً وبطئاً في الحركة. وفي المراحل المبكرة من مرض باركنسون، قد تظهر على وجه الشخص المعنيّ تعابير قليلة أو قد لا تظهر على الإطلاق، وقد لا تتأرجح ذراعاه في أثناء المشي، وقد يصير النطق إمّا ضعيفاً وإمّا غير واضح. وتزداد أعراض مرض باركنسون سوءاً مع تفاقم الحالة بمرور الوقت. وبينما تبقى الأسباب مجهولة، فإنّ هذا المرض التنكسيّ العصبيّ يُربط بعوامل وراثية وأخرى بيئية.

أمّا اضطرابات القلق، فتشرحها مجموعة مايو كلينك من خلال الإشارة إلى أنّ المعاناة من القلق تكون في أوقات كثيرة طبيعية في الحياة، في حين أنّ الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق يشكون في الغالب من مخاوف وخوف مفرط ومستمرّ إزاء مواقف يومية. وقد تتضمّن اضطرابات القلق نوبات متكرّرة من المشاعر المفاجئة من قبيل القلق الشديد والخوف أو الرعب، وتصل إلى ذروتها في غضون دقائق. وهذا ما نطلق عليه "نوبات الهلع".

وتتداخل مشاعر القلق والذعر مع الأنشطة اليومية، ويصعب التحكّم بها، علماً أنّها لا تتناسب مع الخطر الفعلي، ومن الممكن أن تستمرّ لفترة طويلة. ومن أمثلة اضطرابات القلق، تذكر مجموعة مايو كلينك اضطراب القلق العام، واضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي)، والرهاب المحدّد، واضطراب قلق الانفصال. وفي إمكان الفرد أن يُصاب بأكثر من اضطراب قلق واحد. أمّا الأسباب وراء اضطرابات القلق فهي غير مفهومة تماماً. ويبدو أنّ ما يختبره الفرد في الحياة، من قبيل الأحداث الصعبة أو الصدمات، تستثير تلك الاضطرابات عند الأشخاص المعرّضين بالفعل للقلق، وقد تكون الصفات الموروثة عاملاً في ذلك. ولدى أشخاص آخرين، قد ترتبط اضطرابات القلق بمرض عضوي أساسي، وفي حالات معيّنة قد تكون علامات اضطرابات القلق وأعراضها أوّل مؤشّرات ذلك المرض.

المساهمون