في ليبيا، المنظومة الصحية بأكملها في حال خطر. ولعلّ المصابين بأمراض مزمنة هم الأكثر تضرّراً من العجز الذي يصيب قطاع الصحة في البلاد، من بين هؤلاء مرضى السكري.
تواجه شريحة كبيرة من الليبيين خطراً حقيقياً على خلفية النقص الكبير في أدوية السكري في المراكز الصحية الحكومية وغلاء أسعارها في الصيدليات الخاصة. ويصيب داء السكري 13.7 في المائة من الليبيين بحسب منظمة الصحة العالمية التي أكّدت في مناسبات عدّة خطورة الوضع الصحي لمرضى السكري في ليبيا، على الرغم من الإعانات التي تقدّمها لهم عبر المراكز الصحية في مختلف أنحاء البلاد.
وتعود الأزمة بحسب ما تقول منى الأسطى وهي موظفة في عيادة المنصورة الحكومية للسكري بالعاصمة طرابلس، إلى "فوضى الإجراءات الحكومية وتنازع الأجهزة التابعة لوزارة الصحة صلاحيات توزيع الأدوية". تضيف الأسطى لـ"العربي الجديد" أنّ "الإنسولين كان يوزّع بطريقة شبه منتظمة من قبل وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني على كلّ المناطق، لكن مع سيطرة حكومة شرقي البلاد على بعض المناطق توقّف إمدادها بالدواء لها نهائياً، انطلاقاً من طرابلس". وتتابع: "لا أدري ما هي علاقة مرضى السكري والقطاع الصحي ككلّ بالخلافات السياسية والتقاتل".
قبل أيام، أعلن مدير مركز الرعاية الصحية الأولية في سرت، محمد إدريس، عن نفاد أدوية الإنسولين في البلدية، موضحاً أنّ جهاز الإمداد الطبي في المنطقة الوسطى امتنع عن تزويد مجمع عيادات سرت المركزي بأدوية السكري. وأكد في تصريحات إلى صحيفة "بوابة الوسط" الليبية أنّ العيادة المركزية لمرضى السكري التابعة لقطاع الصحة في سرت تعاني نقصاً عاماً في أدوية الإنسولين منذ أكثر من أسبوعَين. أضاف أنّ عدد مرضى السكري في سرت تجاوز خمسة آلاف مريض ومريضة مسجّلين في منظومة مجمع العيادات، لافتاً إلى أنّ ثمّة مساعي لتوفير الأدوية من جهاز الإمداد الطبي في المنطقة الشرقية، إذ إنّ بلدية سرت ومؤسساتها تتبع الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب.
أمام مستشفى السكري والغدد الصماء - ابن النفيس في طرابلس، يبرز الفيتوري عامر بطاقته الخاصة بصرف الإنسولين، مشيراً إلى أنّ الخانة الأخيرة شطبت في سبتمبر/ أيلول الماضي. يقول لـ"العربي الجديد": "أحتفظ ببطاقاتي كلها، ومن خلال نظرة سريعة يتبيّن أنّنا لم نحصل على الدواء إلا في ثلاثة أشهر أو أربعة كحدّ أقصى في كلّ عام"، لافتاً إلى أنّه يضطر في الأشهر الباقية إلى "شراء الإنسولين من الصيدليات الخاصة بأسعار مرتفعة".
وعامر حالة من بين آلاف الحالات التي تواجه مصيراً مجهولاً مع المضاعفات المحتملة لمرضها، في حين تبرّر الجهات الحكومية عدم قدرتها على تقديم الرعاية الصحية اللازمة بظروف البلاد، لا سيّما الانقسام السياسي وكذلك الإداري واستمرار الحروب. فذلك كلّه أدّى إلى انهيار يكاد يكون تاماً في قطاع الصحة. أمّا تقارير الأمم المتحدة المتتالية فقد أكّدت عدم توفّر حلول أو خطط استراتيجية للنهوض بمراكز الرعاية الصحية أو حتى حمايتها من الانهيار التام، موضحة أنّ عدداً كبيراً منها تضرّر بشكل بالغ فيما أقفل بعضها فعلياً بسبب استمرار الاقتتال واستهداف العاملين في المجال الطبي وتعرّضهم إلى الاِعتداء اللفظي والجسدي في كثير من الأحيان.
في السياق، يقول مصطفى الهوين المسؤول في جمعية أصدقاء مرضى السكري الليبية لـ"العربي الجديد" إنّ "ما هو أشدّ خطورة من أوضاع المراكز الصحية هو أنّ أدوية السكري المتوفّرة في الصيدليات الخاصة بمعظمها إمّا مهرّبة من مستودعات وزارة الصحة وإمّا منتهية الصلاحية"، لافتاً إلى أنّ "مضاعفات فساد هذه الأدوية كبيرة جداً". ويؤكّد الهوين أنّ "ملاحظات ترد للجمعية عبر نشرات أو تقارير توضح ما هي مضاعفات الأدوية الفاسدة على مرضى السكري، خصوصاً ما يتعلّق بالعين منها اعتلال الشبكية أو الشرايين الطرفية والتاجية".
وبينما يشير الهوي إلى أنّ "أجهزة الدولة الرقابية توقّفت منذ عام 2012 عن تسيير دوريات للتفتيش على الصيدليات الخاصة"، يقول عامر إنّه "يشتري عبوة الإنسولين الواحدة في مقابل 30 ديناراً ليبياً (نحو 20 دولاراً أميركياً) ما يعني أكثر من ستّة أضعاف ثمنها الرسمي.
وتلفت الأسطى إلى أنّ "ثمّة عيادات حكومية تسع لمرضى السكري في العاصمة طرابلس وحدها، لكنّ الخدمات فيها متراجعة"، معيدة ذلك إلى "الإهمال الحكومي". تضيف أنّ "تلك العيادات بمعظمها تكتفي بتوزيع الأدوية المتوفرة لديها في حين لا تضمّ التخصصات الطبية اللازمة لمرضى السكري"، مشدّدة على "وجوب تأمين على أقلّ تقدير تخصصات العيون والكلى بالإضافة إلى قسم للفحوصات الدورية"، من دون أن تنسى الإشارة إلى "غياب لأدوية أساسية أخرى غير الإنسولين، ومنها ما يباع في الصيدليات الخاصة بنحو 300 دينار (نحو 200 دولار)".
بالنسبة إلى الأسطى، فإنّ "نسبة مرضى السكري المعلنة من قبل منظمة الصحة العالمية (13.7 في المائة) ليست دقيقة، فالسلطات هنا لا تملك إحصاءات رسمية والأشخاص المسجّلون في المنظومة الرسمية يبلغ عددهم 70 ألف مريض ومريضة فقط. وإذا قارناهم بعدد المرضى الذين يُصرف لهم الإنسولين، على سبيل المثال، فإنّ الأخيرين يمثّلون ضعفَي عددهم أو أكثر"، وتتحدّث عن "عدم وعي لدى المريض واستهانته بضرورة التسجيل والإحصاء".