اغسل يديك... ملايين اليمنيين بلا مياه

24 مارس 2020
18 مليون يمني لا يصلون إلى المياه الآمنة (Getty)
+ الخط -

يكرّر خبراء الصحة نصيحة غسل اليدين بالمياه والصابون، كسبيل الوقاية من فيروس كورونا الجديد الذي ينتشر حالياً في العالم، لكن كيف يمكن لملايين اليمنيين القيام بذلك وسط شحٍ شديد للمياه؟.
ولم تُسجّل في اليمن حيث أسوأ أزمة إنسانية في العالم، أي إصابة بعد، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لكن هناك خشية كبرى من أن يتسبّب وباء كورونا، حال بلوغه أفقر دول شبه الجزيرة العربية، بكارثة بشرية.
فبعد خمس سنوات من تصاعد النزاع إثر تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري لوقف تقدّم الحوثيين، يشهد اليمن انهياراً في قطاعه الصحي، فيما يعيش أكثر من 3,3 ملايين نازح في مدارس ومخيمات تتفشى فيها الأمراض كالكوليرا بفعل ندرة المياه النظيفة.
وتقول مديرة مشاريع منظمة "أطباء بلا حدود" في اليمن والعراق والأردن، كارولين سيغين، لوكالة "فرانس برس"، إنّ اليمنيين "لا يمكنهم الحصول على مياه نظيفة، وبعضهم لا يمكنه الحصول حتى على الصابون". وسألت "يمكننا أن نوصي بغسل اليدين، ولكن ماذا لو لم يكن لديك أي شيء لتغسل يديك به؟".
ومع حلول الذكرى الخامسة لبدء عمليات التحالف، تقول "يونيسيف" إنّ 18 مليون نسمة بينهم 9,2 مليون طفل في اليمن، لا قدرة لديهم للوصول مباشرة إلى "المياه الآمنة والصرف الصحي والنظافة الصحية".


ومن بين هؤلاء الأطفال، محمد علي طيب، في محافظة حجة شمال غرب صنعاء، والذي يخرج كل صباح مع شقيقته على ظهر الحمار لا للذهاب إلى المدرسة، بل لجلب مياه، قد تكون ملوثة، لاستهلاك العائلة اليومي.
ويقطع الطفلان أحياناً مسافات تصل إلى ثلاثة كيلومترات للحصول على المياه. وينتظر الفتى (11 عاماً) دوره في صف طويل لتعبئة العبوات البلاستيكية التي كانت في السابق تستخدم لتخزين زيوت المحركات، من بئر زراعي عبر خرطوم يبدو قذراً.
ويقول، لـ"فرانس برس"، "في الصباح، أقوم بتحضير الحمار (..) ثم من الساعة السابعة والنصف أذهب (لجلب المياه) واستمر ذهاباً وإياباً حتى العاشرة" في نقل العبوات البلاستيكية.
وليست هذه العائلة الوحيدة في أفقر دول الجزيرة العربية التي تعتمد على مياه غير صحية لتغطية احتياجاتها اليومية؛ بسبب شح المياه النظيفة ومياه الشرب.
ويقول مدير الاتصال في "يونيسيف" فرع اليمن بيسمارك سوانجين، لـ"فرانس برس"، إنّ "الوصول إلى مياه الشرب تأثّر بشدة نتيجة سنوات من قلة الاستثمار في أنظمة المياه والصرف الصحي والنزاع الدائر الذي قضى على أنظمة المياه".
ولا يرتبط سوى ثلث سكان اليمن البالغ عددهم نحو 27 مليون نسمة بشبكات أنابيب المياه، بحسب سوانجين.


كوليرا وأمراض

قُتل في البلد الفقير منذ بدء عمليات التحالف، في 26 مارس/ آذار 2015، آلاف المدنيين، فيما انهار قطاعه الصحي، وسط معاناة من نقص حاد في الأدوية، ومن انتشار للأمراض كالكوليرا الذي تسبّب بوفاة مئات، في وقت يواجه ملايين السكان خطر المجاعة.
وساهم في تفشي الكوليرا ندرة المياه النظيفة، والكوليرا التهاب معوي تسببه جراثيم تتنقّل في المياه غير النظيفة. وللمرض علاج، لكن التأخر في الحصول عليه قد يؤدي إلى الوفاة.
وفي مركز الجعدة الطبي في حرض في محافظة حجة، يؤكد طبيب الطوارئ محمد عقيل، أنّ المركز يتعامل يومياً مع نحو 300 حالة. ويقول إنّ غالبية الحالات التي تحضر إلى المركز تكون في الغالب "متعلّقة بأمراض منقولة بسبب المياه غير الصالحة للشرب".
ووفقاً لسوانجين، فإنّ "الوصول إلى المياه النظيفة يعد أمراً بالغ الأهمية لمنع انتشار الأمراض التي تنقلها المياه".
وعانى اليمن في 2017 من أكبر انتشار للكوليرا والإسهال الحاد في العالم، إذ تسبّب بوفاة أكثر من ألفي شخص. واليوم الثلاثاء، حذّرت منظمة "أوكسفام" من أنّ موسم الأمطار القادم قد يشهد موجة جديدة للكوليرا يمكن أن تتفاقم بشكل كبير، في ظل تهديد فيروس كورونا الجديد.
ورأى المدير الإقليمي للمنظمة محسن صديقي أنه "بعد خمس سنوات من الموت والمرض والنزوح وفي مواجهة تهديد متزايد من وباء عالمي، يحتاج اليمنيون بشدة إلى موافقة جميع الأطراف المتحاربة على وقف فوري لإطلاق النار".

"كارثة"
وينذر احتمال وصول وباء كورونا الجديد، بكارثة تطاول القطاع الصحي المنهار بفعل سنوات الحرب، بحسب منظمة "أطباء بلا حدود". وكتبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على "تويتر"، "يُقال إنّ غسل الأيدي بشكل متكرر هو سبيل الوقاية الأبرز من فيروس كورونا. ماذا يفعل أكثر من نصف الشعب اليمني، الذي يفتقر إلى المياه النظيفة؟".
وبدأ الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد، باستعدادات وقائية بينها إغلاق مدارس وتعليق رحلات الأمم المتحدة التي تحط في صنعاء، فيما بدت الإجراءات أقل في جنوب البلاد حيث المقر المؤقت للسلطة المعترف بها.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية في اليمن، أنه "لم يعد يمكن إرهاق النظام الصحي الهش بالفعل في اليمن"، مشيرة إلى أنّ "دخول المرض إلى اليمن سيثقل كاهل المستشفيات والمرافق الصحية".

وأسفر كورونا الجديد عن وفاة أكثر من 15 آلاف شخص، منذ ظهوره في ديسمبر/ كانون الأول، غالبيتهم في أوروبا حيث أصبحت بعض المستشفيات الأكثر تطوراً على مستوى العالم تنازع للسيطرة على الوباء.
وفي الخليج سجلت الدول الست، أكثر من 1900 إصابة، وأربع وفيات، وسجلت السعودية 562 إصابة حتى الآن. وقال سوانجين "نرى بالفعل كارثة في أوروبا حيث من المفترض أن يكون لدينا أفضل أنظمة صحية في العالم، وفي اليمن نعرف أنّ هناك نظاما (صحيا) منهارا، والكثير من مخيمات النازحين تعاني من نقص في النظافة الشخصية والمياه النظيفة". وختمت بالقول "نحن قلقون للغاية".

(فرانس برس)
المساهمون