تساءل موقع "سلات" الفرنسي، إن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول تقليد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، في التطرق للهجرة، دون محرَّمات. كما كتب نفس الموقع أن ماكرون "الإنسانوي"، ينبطح بدوره من أجل استثمار الهجرة في استحقاقاته الانتخابية المختلفة المقبلة.
ولم يكن مفاجئا أن ينبري اليمين المتطرف للتعليق على الأمر، على اعتبار أن الرئيس يكذب، حين يَعد بأن يعطي موضوع الهجرة الأولوية، لأنه لن يذهب حتى النهاية فيه، ولأن الفرنسيين أذكياء ويميّزون بين الأصل، وهي أفكار وبرامج اليمين المتطرف، ممثَّلاً في "التجمع الوطني"، وبين النسخة، التي يستعيدها، من حين لآخر، خاصة مع قرب الاستحقاقات الانتخابية، لليمين الكلاسيكي، والآن يستعيدها ماكرون، بتأثير من جناحه اليميني، أي من تلك الكوكبة التي غادرت حزب "الجمهوريون" ولحقت بأغلبيته الرئاسية.
معركة الأفكار بدأت، وانضمت إليها ناتالي بيكريس، القيادية السابقة والمستقيلة من حزب "الجمهوريون"، رئيسة جهة باريس الكبرى، والتي لا تخفي طموحاتها في الترشح لرئاسيات 2022. ويُعرف عن بيكريس مواقفها المتشدّدة في موضوعي الهجرة والإسلام، ومنها صُوَر تخريبها، مع بعض منتخبي اليمين، لصلاة جمعة في الشارع، نظّمها المصلّون احتجاجاً على نَكْث العمدة لوعود سابقة بتوفير مكان للصلاة للمسلمين.
وإذا كانت بيكريس، مع اقتراب الانتخابات البلدية، لا تريد أن تترك للرئيس ماكرون أن يستفيد لوحده من أصوات أحياء شعبية، يقول ماكرون، إنهم "متضررون، أكثر من البورجوازيين، من وطأة الهجرة"، فالجميع يعرف مواقفها المستدامة من هذه القضايا المجتمعية التي لا يتفق عليها الجميع.
وسبق لناتالي بيكريس أن طالبت بالتمييز بين الفرنسيين وغيرهم، عبر تنفيذ إجراءات متشددة ضد المهاجرين، ومنها التشدد في منح المساعدات الاجتماعية، وخاصة الأثمنة المخفضة في وسائل النقل (وهي تستهدف نحو 115 ألف شخص يستخدمون وسائل النقل العمومية في باريس وضواحيها، ويكلفون جهة باريس الكبرى، كما تقول: 30 مليون يورو)، وأيضا "المساعدة الطبية للدولة" (لا تريد أن تصل تغطيتها إلى مائة في المائة، بل فقط العلاج الضروري)، وهي مساعدة يستفيد منها كل من يحتاج حتى من مهاجرين غير قانونيين.
كما طالبت أيضا بالتشدد في منح اللجوء، وبإرساء محاصصة في قبولهم ووضع ضرائب على تأشيرات الدخول السياحية، "التي تستهدف دخول مستشفياتنا، مستغلين مجانية العلاج فيها، على الرغم من أن النظام الصحي في بعض بلدان هؤلاء السياح جيّد"، والحل هو أن "يأتي هؤلاء الراغبون في العلاج في فرنسا بأموالهم"، وإلا "يجب التواصل مع بلدانهم حتى تتحمل التكاليف".
واعتبرت ناتالي بيكريس في لقاء لها مع صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، أن الرئيس ماكرون تنقصه الإرادة وفرض السلطة "إن له خطابا مزدوجا، بل لعبة مزدوجة". وفي رغبة منها للتشدد، ومجاراةٍ أفكار مارين لوبان، تسخر بيكريس من سن قانون "الهجرة واللجوء"، وتعتبر أنه "قانون من أجل لا شيء"، متحججة بأن عدد طالبي اللجوء في ارتفاع كبير، "بينما تنخفض النسبة في كل الدول الأوروبية".
وترفض بيكريس أن يكون ماكرون من اليمين، على الرغم من تأكيد الكثير من زعماء اليمين لذلك وتصفيقهم له، فهو "لم يَقطع مع سياسة سلفه فرانسوا هولاند". ولأنه "لا يريد أن يفرض نظام المحاصصة في قبول المهاجرين"، و"لا يريد أن يكون الحصول على الجنسية الفرنسية غير تلقائي (كما هو الشأن عند بلوغ الشاب 18 عاماً)"، لأن "فرنسا، يجب أن تكون خيارا"، كما تشدّد.
كما سخرت بيكريس من تنظيم نقاش في البرلمان حول الهجرة يوم 30 أيلول/سبتمبر، ورأت أن فرنسا "لا تحتاج إلى مُناقِشين، بل إلى فاعلين"، وأنه يجب على الحكومة، بعد هذا النقاش، أن "تنفذ النتائج".
وترفض بيكريس أن تقارن هذه المواقف التي تعبر عنها بمواقف مارين لوبان، وتشدد على أن "مقترحاتها صارمة، ولكنها إنسانية"، وكمثال على اختلاف الموقفين، تقول: "أتحمل مسؤولية تقديم مساعدة غذائية للمشرَّدين، دونما تمييز، في الجهة التي أديرها، بينما يصوت حزب مارين لوبان ضد هذا الإجراء".
ولا بدّ لبيكريس أن تعترف بمسؤولية ما لأوروبا في مأساة المهاجرين القادمين من أفريقيا: "مصائرنا مرتبطة بعضها بالبعض الآخر"، ولهذا تنادي بـ"خطة مارشال أوروبية في اتجاه أفريقيا بعدة مليارات من اليوروهات لتأمين تطورها الاقتصادي".
ولا يغيب عنها موضوع المهاجرين القاصرين، الذين تتحدث عن بلوغ أعدادهم عام 2018، 18 ألف شخص، والذين لا يمكن طردهم قبل بلوغ سن الثامنة عشرة، وفقا للقانون الفرنسي، ولكنها تطالب بـ"التفاوض مع بلدانهم الأصلية، قصد استعادتهم"، وهو ما يعتبر منافيا للقانون. وفشلت اتصالات مغربية فرنسية في استعادة بعضهم، بسبب دور نشيط للجمعيات التي تشتغل في موضوع الطفولة وحمايتها. كما أنها تطالب بمكافحة الزيجات الصورية، مطالبة المواطنين بإخبار مدّعي الجمهورية. وأيضا بالتشدد في السماح بجمع شمل العائلات، ففي رأيها أنه يجب توفر الراغب في إحضار زوجته وأبنائه إلى فرنسا على إمكانات مادية، أعلى بكثير، مما يُسمَح به الآن.
ولأن بيكريس، الراغبة في الترشح لرئاسيات 2022، والتي ترى أمامها منافسين جديين حتى من داخل اليمين، وعلى رأسهم كزافيي بيرتران، رجل الشمال القوي، والذي غادر هو أيضا حزب "الجمهوريون"، تدرك أن الفرنسيين رأوا مثل هذه الشعارات والبرامج، من قبل، في برنامج اليمين المتطرف، تُشهر شعار "الشعبوية" في وجه مارين لوبان: "إن الشعبويين لا يبحثون عن حلول، بل عن أكباش فداء".
موضوع الهجرة فتح من جديد، مع بدء الحملات الانتخابية، وسيغطي على الكثير من المواضيع التي تهُمّ المواطنين الفرنسيين، وعلى رأسها القدرة الشرائية والتشغيل والصحة والإيكولوجيا، وبالضرورة سيفتح كثيرا من الهستيريا والصخب، وسيستهدف المجموعات الهشة في البلد، وخاصة المهاجرين، بمن فيهم من يتوفر على إقامة قانونية.
ومن خلال الهجرة، سيُعرّج على الإسلام والمسلمين، خاصة أن بيكريس التي اعتدت على مصلين مسلمين منهمكين في أداء صلاة جمعة، تشدد على أن "الهجرة لا يمكن أن تتم ضد الهوية الوطنية. إن قانون الجمهورية يفرض نفسه، وليس قانون البلد الأصلي ولا الدين".
أطباء فرنسا يتدخلون
بينما يريد حلفاء الرئيس ماكرون مناقشة هذه "المساعدة الطبية للدولة"، التي يستفيد منها الأجانب في وضع غير قانوني، وأيضا من لا يتجاوز مرتبه الشهري 746 يورو. وفي حين يريد اليمين واليمين المتطرف وضع شروط قاسية، وأحيانا مستحيلة، في وجه من يحتاجها، طالب 805 أطباء فرنسيين في بيان توقيعات نشروه في "لوجورنال دي ديمانش"، بـ"حق الجميع في تلقي العلاج".
واعتبروا أن أي تحديد لـ"المساعدة الطبية للدولة"، سيكون "تخريبا غيرَ مقبول لأخلاقيات المهنة". ونقرأ في البيان: "باسم الديونتولوجيا الطبية، وأخلاق المهنة، والصحة العمومية، نرفض أن يتم إكراهنا على أن نختار بين المرضى. إننا لن نختار بين من سَيتِمّ علاجهم وبين من سيُتركون لمصيرهم. كما أننا نرفض القيود الإضافية المفروضة على "المساعدة الطبية للدولة"، ونطالب بالحفاظ على التكفّل الطبي بالمرضى من الأجانب".