شهد أحد أحياء العاصمة الإيطالية روما القريبة من مقر الفاتيكان مقتل الشرطي الإيطالي، ماريو سيرسيلو ريغا، في أولى ساعات ليل الخميس - الجمعة الفائت. قد يكون الخبر أكثر من عادي في أكثر من مجتمع في أوروبا، إذ إنه قبل أيام قتل شرطي في الدنمارك في حادث تصادم مع سيارة أخرى، ووجه اتهام لشاب بالقتل غير المتعمد.
ومن الطبيعي أن يتجه مواطنون إلى مكان حادثة القتل في روما، بعد أن كشفت الأخبار الأولية أن الضابط ماريو كان مع زميل له بملابس مدنية حين طعنه أحدهم بسكين. لكن تواتر الأحداث تجاوز القصة الصحافية عن جانٍ وضحية، لما أثارته من انفعالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأصوات المنادية بإيجاد القتلة وإعدامهم، بل ذهب بعضهم إلى الغمز باتجاه "المغاربيين" أو "مهاجرين أفارقة". ولم يبق سياسي وبرلماني فاشي ويميني متطرف وصحافة تدور في فلكهم إلا ودخلوا على خط الجريمة.
وأشير إلى أن المشتبه به كان برفقة شاب آخر حين "سرقا حقيبة ظهر من مواطن"، فاتصل الأخير بالشرطة التي وضعت لهما كميناً لاستعادة المسروق، فأقدم أحد الشابين على طعن رجل من الشرطة طعنات قاتلة.
لم تتريث الصحف ووسائل الإعلام ولا مسؤولو الأمن الإيطالي، وعلى رأسهم السياسي اليميني المتشدد، وزير الداخلية، ماتيو سالفيني ولا زملاؤه في المعسكر المتشدد والحركة الفاشية، في إطلاق الأحكام المسبقة بأنه من "المؤكد أن القتلة مهاجرون مغاربة". هي عناوين تصدرت مواقع الصحف المحلية قبل يومين فقط. وتضمنت معظم التعليقات والعناوين باللغة الإيطالية بما لا يقبل الشك أن القاتلين من شمال أفارقة ومغاربيون، وترددت فيهما الكلمتان magrebini وnordafricani.
وخلال وقت قصير وقعت روما في شباك فخ العنصرية. فالمتصلون بالطوارئ (112 خط) أخبروا أن "مغاربيين" هم من سرقوا وقتلوا. أما قناة "راي"، فاستضافت سالفيني هاتفياً صباح الجمعة الذي أدلى ببعض ما تيسر من عنصريته، بعد أن ذكرت الشرطة في بيانها الأولي أن البحث جارٍ عن مهاجرين مغاربيين من شمال أفريقيا.
بالتأكيد أثار خبر مقتل الشرطي (35 عاماً) حزن وغضب المواطنين، خصوصاً مع تركيز الصحافة على الجانب الإنساني من القضية، إذ لم يمض على زواجه 40 يوماً، وعاد من شهر العسل قبل أيام من مقتله. وأدرج بعضها عناوين مثيرة مثل "نتعرض لغزو المجرمين المهاجرين"، كما نشرت صحيفة "ال ميساجيرو" ردود فعل أولية من الشارع، مع صورة لسوق مهاجرين يبيعون على أرصفته.
وصعّد ماتيو سالفيني خطابه العنصري، ونقلت عنه الصحافة قوله إنهم "مهاجرون من أفريقيا" (واستخدم كلمة مغاربيين تحديداً)، وأشار إلى أنه "على ما يبدو أنهم (المشتبه بهم) ليسوا إيطاليين"، مستطرداً بتهكم يحمل اتهاماً: وهل في هذا مفاجأة؟ ووصف مرتكبي الحادثة بـ"الأوغاد"، كما وصف آخرون الفاعلين بـ"أجانب حيوانات"، و"لنوقف استيراد الحيوانات إلى البلد".
اقــرأ أيضاً
القصة الحقيقية
القصة الحقيقية كشفت أن القاتلين هما سائحان من الولايات المتحدة الأميركية. واعترف أحدهما، وهو في الـ19 من العمر، بطعن الشرطي، وقال: "لم أكن أعرف أنه شرطي، بل اعتقدت أنه صديق الرجل (صاحب الحقيبة المسروقة)".
وباختصار ذهب المراهقان لشراء غرام كوكايين، فوجدوا بعد عودتهما إلى الفندق أنهما خدعا ودفعا 100 يورو ثمناً لبعض الأسبرين المطحون. عادا غاضبين إلى وسيط شراء المخدرات مطالبين باسترجاع النقود، وسرقا حقيبة الظهر خاصته. اتصل الأخير بالشرطة وجرى وضع كمين لهما، وكانا يساومان صاحب الحقيبة عبر هاتفه الذي كان فيها، على إعادتها مقابل استرجاع المبلغ.
حضر المشتبه بهما إلى المكان ووقعت الجريمة. ثماني طعنات نافذة قضت على حياة ضابط الشرطة التي اكتشفت في النهاية أنهما أميركيان.
وتبقى الإشارة إلى أن بعض الصحف الإيطالية انتقدت نفسها وزميلاتها، مع حملة تقريع لماتيو سالفيني والشرطة بشأن تصريحاتهم الأولية. بل أبرزت أمس واليوم المطالبات بضرورة استقالة صديقة وزميلة ماتيو سالفيني من حزب "أخوة إيطاليا" الفاشي وعضو البرلمان عنه، ماريا تيريزا بالديني، التي قادت حملة تحريض، منذ لحظة مقتل الشرطي، ضد المهاجرين لـ"الانتقام" على الطريقة الفاشية. وهو ما ذهب إليه أيضاً رئيس الوزراء السابق من يسار الوسط ماتيو رينزي.
اليوم الأحد، انشغلت الصحافة الإيطالية بعرض صورة أحد الموقوفين الأميركيين، ويدعى غابرييل كريستيان ناتالي يورث، معصوب العينين في أحد مراكز الشرطة أثناء التحقيق، ما أثار ضجة أخرى، بعناوين مثل "طريقة تحقيق غير مقبولة"، وسالفيني "لو كانا في أميركا لأعدما".
كذلك أشارت وكالة "أنسا" الإيطالية أمس السبت إلى "هفوات كثيرة في القصة" بشأن ما جرى، وكيف قتل الشرطي، دون التركيز على هفوة القفز إلى استباق نتائج التحقيق باتهام المهاجرين، رغم أنها كانت من المصرّين على أن المشتبه بهم شمال أفريقيين.
أخيرا، ورغم أن الشرطة اعتقلت الفاعلين، ظلت بعض الوسائل تصر على أنه "لا بد من وجود شركاء إما جزائريون أو مغربيون مع الأميركيين"، كما ذهبت صحيفة Il Fatto Quotidiano أو بالعربية "الحقائق اليومية".
بعض المواقع والصحف قامت بشطب ما كتبته باختصار وما نسبته إلى المغاربيين، لكن مواقع إيطالية متخصصة رصدت وتناولت عمليات الشطب التي تمت، وهو ما أشارت إليه المؤسسة الإعلامية "إل بوست" في تقريرها أمس السبت الراصد لظاهرة نشر الأخبار المزيفة باتهام المغاربيين في صحف إيطاليا.
ومن الطبيعي أن يتجه مواطنون إلى مكان حادثة القتل في روما، بعد أن كشفت الأخبار الأولية أن الضابط ماريو كان مع زميل له بملابس مدنية حين طعنه أحدهم بسكين. لكن تواتر الأحداث تجاوز القصة الصحافية عن جانٍ وضحية، لما أثارته من انفعالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأصوات المنادية بإيجاد القتلة وإعدامهم، بل ذهب بعضهم إلى الغمز باتجاه "المغاربيين" أو "مهاجرين أفارقة". ولم يبق سياسي وبرلماني فاشي ويميني متطرف وصحافة تدور في فلكهم إلا ودخلوا على خط الجريمة.
وأشير إلى أن المشتبه به كان برفقة شاب آخر حين "سرقا حقيبة ظهر من مواطن"، فاتصل الأخير بالشرطة التي وضعت لهما كميناً لاستعادة المسروق، فأقدم أحد الشابين على طعن رجل من الشرطة طعنات قاتلة.
لم تتريث الصحف ووسائل الإعلام ولا مسؤولو الأمن الإيطالي، وعلى رأسهم السياسي اليميني المتشدد، وزير الداخلية، ماتيو سالفيني ولا زملاؤه في المعسكر المتشدد والحركة الفاشية، في إطلاق الأحكام المسبقة بأنه من "المؤكد أن القتلة مهاجرون مغاربة". هي عناوين تصدرت مواقع الصحف المحلية قبل يومين فقط. وتضمنت معظم التعليقات والعناوين باللغة الإيطالية بما لا يقبل الشك أن القاتلين من شمال أفارقة ومغاربيون، وترددت فيهما الكلمتان magrebini وnordafricani.
وخلال وقت قصير وقعت روما في شباك فخ العنصرية. فالمتصلون بالطوارئ (112 خط) أخبروا أن "مغاربيين" هم من سرقوا وقتلوا. أما قناة "راي"، فاستضافت سالفيني هاتفياً صباح الجمعة الذي أدلى ببعض ما تيسر من عنصريته، بعد أن ذكرت الشرطة في بيانها الأولي أن البحث جارٍ عن مهاجرين مغاربيين من شمال أفريقيا.
— saio 🇮🇹👨🎓🕵️♂️ (@valeriosaitta1) ٢٧ يوليو ٢٠١٩ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
بالتأكيد أثار خبر مقتل الشرطي (35 عاماً) حزن وغضب المواطنين، خصوصاً مع تركيز الصحافة على الجانب الإنساني من القضية، إذ لم يمض على زواجه 40 يوماً، وعاد من شهر العسل قبل أيام من مقتله. وأدرج بعضها عناوين مثيرة مثل "نتعرض لغزو المجرمين المهاجرين"، كما نشرت صحيفة "ال ميساجيرو" ردود فعل أولية من الشارع، مع صورة لسوق مهاجرين يبيعون على أرصفته.
وصعّد ماتيو سالفيني خطابه العنصري، ونقلت عنه الصحافة قوله إنهم "مهاجرون من أفريقيا" (واستخدم كلمة مغاربيين تحديداً)، وأشار إلى أنه "على ما يبدو أنهم (المشتبه بهم) ليسوا إيطاليين"، مستطرداً بتهكم يحمل اتهاماً: وهل في هذا مفاجأة؟ ووصف مرتكبي الحادثة بـ"الأوغاد"، كما وصف آخرون الفاعلين بـ"أجانب حيوانات"، و"لنوقف استيراد الحيوانات إلى البلد".
— Polizia di Stato (@poliziadistato) ٢٦ يوليو ٢٠١٩ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
القصة الحقيقية
القصة الحقيقية كشفت أن القاتلين هما سائحان من الولايات المتحدة الأميركية. واعترف أحدهما، وهو في الـ19 من العمر، بطعن الشرطي، وقال: "لم أكن أعرف أنه شرطي، بل اعتقدت أنه صديق الرجل (صاحب الحقيبة المسروقة)".
وباختصار ذهب المراهقان لشراء غرام كوكايين، فوجدوا بعد عودتهما إلى الفندق أنهما خدعا ودفعا 100 يورو ثمناً لبعض الأسبرين المطحون. عادا غاضبين إلى وسيط شراء المخدرات مطالبين باسترجاع النقود، وسرقا حقيبة الظهر خاصته. اتصل الأخير بالشرطة وجرى وضع كمين لهما، وكانا يساومان صاحب الحقيبة عبر هاتفه الذي كان فيها، على إعادتها مقابل استرجاع المبلغ.
— Lorenzo Tombelli (@LTombelli) ٢٨ يوليو ٢٠١٩
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Lorenzo Tombelli (@LTombelli) ٢٨ يوليو ٢٠١٩
|
حضر المشتبه بهما إلى المكان ووقعت الجريمة. ثماني طعنات نافذة قضت على حياة ضابط الشرطة التي اكتشفت في النهاية أنهما أميركيان.
وتبقى الإشارة إلى أن بعض الصحف الإيطالية انتقدت نفسها وزميلاتها، مع حملة تقريع لماتيو سالفيني والشرطة بشأن تصريحاتهم الأولية. بل أبرزت أمس واليوم المطالبات بضرورة استقالة صديقة وزميلة ماتيو سالفيني من حزب "أخوة إيطاليا" الفاشي وعضو البرلمان عنه، ماريا تيريزا بالديني، التي قادت حملة تحريض، منذ لحظة مقتل الشرطي، ضد المهاجرين لـ"الانتقام" على الطريقة الفاشية. وهو ما ذهب إليه أيضاً رئيس الوزراء السابق من يسار الوسط ماتيو رينزي.
— Antonio M. Fasulo (@fasulo_antonio) ٢٦ يوليو ٢٠١٩
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Antonio M. Fasulo (@fasulo_antonio) ٢٦ يوليو ٢٠١٩
|
اليوم الأحد، انشغلت الصحافة الإيطالية بعرض صورة أحد الموقوفين الأميركيين، ويدعى غابرييل كريستيان ناتالي يورث، معصوب العينين في أحد مراكز الشرطة أثناء التحقيق، ما أثار ضجة أخرى، بعناوين مثل "طريقة تحقيق غير مقبولة"، وسالفيني "لو كانا في أميركا لأعدما".
كذلك أشارت وكالة "أنسا" الإيطالية أمس السبت إلى "هفوات كثيرة في القصة" بشأن ما جرى، وكيف قتل الشرطي، دون التركيز على هفوة القفز إلى استباق نتائج التحقيق باتهام المهاجرين، رغم أنها كانت من المصرّين على أن المشتبه بهم شمال أفريقيين.
أخيرا، ورغم أن الشرطة اعتقلت الفاعلين، ظلت بعض الوسائل تصر على أنه "لا بد من وجود شركاء إما جزائريون أو مغربيون مع الأميركيين"، كما ذهبت صحيفة Il Fatto Quotidiano أو بالعربية "الحقائق اليومية".
بعض المواقع والصحف قامت بشطب ما كتبته باختصار وما نسبته إلى المغاربيين، لكن مواقع إيطالية متخصصة رصدت وتناولت عمليات الشطب التي تمت، وهو ما أشارت إليه المؤسسة الإعلامية "إل بوست" في تقريرها أمس السبت الراصد لظاهرة نشر الأخبار المزيفة باتهام المغاربيين في صحف إيطاليا.