تطبيق قوانين الصيد البري في العالم العربي

29 ابريل 2019
دعونا نسمح لها بالتفريخ في بلداننا العربية (الأناضول)
+ الخط -

لا تخلو دولة عربية من قانون ينظّم قطاع الصيد البري فيها، حتى قبل أن يتحدّث أحد عن مبدأ "استدامة الطيور" أو حماية الطيور المهددة بالانقراض. وتنظيم الصيد يهدف إلى منع الفلتان الذي يولد مع بعض الأشخاص، ليس لأنّهم بحاجة إلى لحوم يأكلونها بل لأنّ ما يهمّهم فقط هو التباهي من خلال عرض الطرائد التي اصطادوها على سياراتهم أو على أجسادهم. لا يأبهون إذا كانت الطريدة مسموح صيدها أم لا، أو إذا كانت مهددة بالانقراض، أو إذا كانت تساهم في زرع الغابات التي يحطّبها الإنسان أو القضاء على الديدان التي تفتك بمحاصيل ذلك الإنسان، أو إذا كانت تلتهم الحشرات الضارة بصحته أو تنظّف الطبيعة من الجيف ورائحتها النتنة. كذلك، لا يهتم هؤلاء إذا كان تغريدها مطرباً أو ألوانها استثنائية أو طريقة طيرانها في الأحوال الجوية السيئة تفيد العلماء لتطوير الطائرات التي تحمل المسافرين.

اليوم، بعدما صرنا نسجّل انقراض أنواع طيور وتعرّض آخرين لاحتمال الانقراض بوتيرة سريعة، تنامى فينا الحسّ البيئي أكثر فأكثر، وعمدنا في عالمنا العربي، ولو متأخرين، إلى وضع قوانين تتماشى مع قوانين المجتمعات الدولية المتطوّرة، فمنعنا الصيد في أثناء مواسم تفريخ الطيور وتربيتها لفراخها، ومنعنا صيد الأنواع المهدّدة منها والمفيدة للزراعة وصحة الإنسان. كذلك منعنا الصيد في الليل منعاً للإزعاج، ومنعناه بوسائل الاحتيال على الطيور منعاً لإبادتها، ومنعناه في موسم الثلوج رأفة بالطيور المسكينة التي لا تستطيع استجماع قوّتها على الأرض المكسوة بالثلج.

وكلّ ذلك يأتي من دون إعلام الناس وكذلك القائمين على تطبيق القوانين بمضمون تلك القوانين. لذا يتوجّب طباعة مطويّات شيّقة تحتوي على صور وكلمات قليلة لتشجيع الناس على قراءتها، فتصلهم المعلومة الواجب عليهم إدراكها. لا بأس بأن تصلهم المعلومة عبر الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، إذ إنّه لا بدّ للمواطن من أن يعلم بما له وبما عليه، علماً أنّه حتى لو علم بمضمون القانون فإنّ طبعه سوف يدفعه إلى التذرّع بعدم علمه عندما يُضبَط مخالفاً. حينها، يجيبونه بأنّ القانون لا يحمي المغفلين. وهذا بحدّ ذاته خطأ كبير، لأنّ القانون وُجِد لتنظيم شؤون معيّنة وليس للاقتصاص من المواطنين، بالتالي فإنّ الأحرى هو منح مخالف القانون فرصة أخرى قبل تطبيق العقوبة، سواء أكانت غرامة مالية أم الحبس. فإذا ضُبِط مخالفاً، يحرّر له تحذير أو تنبيه من تكرار المخالفة. وبما أنّنا في عصر الإنترنت، فإنّه لا بدّ على الضابطة العدلية أن تملك جهازاً يعلمها عند ضبط أحدهم، إذا كان الشخص من أصحاب السوابق أم لا. وعليه، إذا كان قد سبق وأتى بمثل فعلته تلك، يجب أن تطبّق بحقه العقوبة من دون تردد، ليكون عبرة لنفسه ولغيره على حدّ سواء.

لكنّ تطبيق القوانين ليس بهذه السهولة، طالما أنّ ثمّة أشخاصاً نافذين يعمدون إلى الصيد في غير موسمه ويقتلون الطيور النادرة والمهددة بالانقراض، بينما هم مؤتمنون على تنفيذ القانون. وهؤلاء الذين يخالفون القانون محتمين بوظيفتهم، لا شكّ في أنّهم يشجّعون عامة الناس على مخالفة القانون، ذلك لأنّهم لا يجرؤون على توقيف مخالفٍ آخر في حين أنّهم مخالفون بدورهم. ما يشار إليه هنا هو الواقع بحدّ ذاته، وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار حتى تكون للقانون سلطة وهيبة ولكي تُحظى الطيور بحماية القانون، فتسعى إلى التفريخ في الوطن العربي بدلاً من أن تمرّ به أو تشتّي فيه، بالتأكيد في حال توفّر الغذاء والموئل والعوامل المناخية المناسبة إلى جانب الأمان.




تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة دراسات أثبتت أنّ 18 في المائة من الطيور المهاجرة والمشتية في الوطن العربي تتوفّر لها كل مقوّمات التفريخ فيه، ما عدا عنصر الأمان الذي يبقى للأسف مفقوداً في معظم البلدان العربية. لقد آن الأوان لكي تطبّق القوانين بهدف المحافظة على الطيور، على أقلّ تقدير استناداً إلى القوانين الدولية (الاتفاقيات) التي وقّعتها تلك الدول، آخذة على نفسها عهد احترامها وتطبيقها.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة
المساهمون